العدسة_ عبد الله العلي
عزز ملك السعودية المقبل محمد بن سلمان قبضته على السلطة من خلال حملة لمكافحة الفساد بإلقاء القبض على أمراء ووزراء ومستثمرين، بينهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال، أحد أبرز رجال الأعمال السعوديين.
ويستثمر الأمير الوليد بن طلال، ابن أخي الملك، وصاحب شركة المملكة القابضة للاستثمار، في شركات مثل سيتي جروب وتويتر.
وقال مصدر سعودي رسمي لوكالة رويترز: إن الأمير الوليد يواجه عددا من التهم تشمل غسل الأموال وتقديم رشا وابتزاز بعض المسؤولين، في حين يواجه الأمير متعب اتهامات في قضايا اختلاس، وتوظيف وهمي، وإرساء مشاريع مختلفة، ومنها عقود تشغيل وصيانة على شركاته الخاصة، بما في ذلك عقود غير شرعية بعشرة مليارات دولار لأجهزة اتصال لا سلكي، وآخر لملابس عسكرية واقية من الرصاص بمليارات الريالات.
ويقول محللون: إن الحملة إجراء استباقي آخر من ولي العهد؛ لاستبعاد شخصيات قوية، بينما يعزز سيطرته على أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتعيد حملة الاحتجاز للأذهان قرارا اتخذه الملك سلمان في يونيو الماضي بتعيين ابنه الأمير محمد وليا للعهد، بدلا عن ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي أعفي أيضا من منصب وزير الداخلية.
وكان من المتوقع أن يمضي الأمير محمد قدما، على الأقل، بإعفاء الأمير متعب بن عبد الله من منصب وزير الحرس الوطني أحد مراكز القوى الرئيسية التي تضرب بجذورها في قبائل المملكة.
وخلال العام المنصرم أصبح الأمير محمد صاحب القرار النهائي في شؤون الجيش والسياسات الخارجية والاقتصادية والاجتماعية، مما أثار الغضب داخل أسرة آل سعود التي أصاب صعوده الصاروخي للسلطة بعض فروعها بالإحباط.
وقال الأمر الملكي، إن عمليات الاحتجاز جاءت “نظرا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية”.
أهداف “بن سلمان”
الخط الفاصل بين الأموال العامة وأموال الأسرة الحاكمة غير واضح دائما في السعودية التي لا يوجد بها برلمان منتخب.
وأظهرت برقيات ويكيليكس تفاصيل الرواتب الشهرية الضخمة التي يتلقاها كل أمير في الأسرة الحاكمة فضلا عن عدة برامج استثمارية استخدمها البعض للإنفاق ببذخ.
ويقول محللون: إن هدف القرارات يتجاوز مكافحة الفساد إلى التخلص من أي معارضة محتملة لبرنامج ولي العهد وهو البرنامج الذي يواجه مقاومة من بعض أفراد الحرس القديم الذين يرتاحون أكثر لتقاليد المملكة المتمثلة في التغيير التدريجي والحكم بتوافق الآراء.
وعلى صعيد السياسة الاقتصادية قلص ولي العهد الإنفاق العام في بعض المجالات، ويعتزم بيع الكثير من أصول الدولة، ومن بين ذلك طرح جزء من شركة النفط العملاقة أرامكو المملوكة للدولة في الأسواق العالمية.
وقاد “بن سلمان” السعودية في الحرب الدائرة منذ عامين في اليمن، وكذلك خلال النزاع مع قطر، ويقول منتقدو ولي العهد: إن كلا التحركين يمثل مغامرة خطيرة.
وكتب جيمس دورسي وهو زميل كبير في كلية “إس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة” يقول: إن الحملة الأخيرة تمثل خروجا على تقاليد التوافق والإجماع داخل الأسرة الحاكمة.
وتابع: “يعزز ولي العهد السعودي، بدلا من السعي لتكوين تحالفات، قبضته الحديدية لتشمل الأسرة الحاكمة والجيش والحرس الوطني لمواجهة معارضة واسعة النطاق، فيما يبدو، داخل الأسرة والجيش لإصلاحاته ولحرب اليمن”.
وقال الباحث جوزيف كيتشيتشيان: إن مصالح آل سعود ستظل مع ذلك تحظى بالحماية.
وأضاف: “كل من الملك سلمان وولي العهد ملتزمان تماما تجاه ما يرغبان فيه، ويبدو أنهما عازمان على تنفيذه، وهو تحديث المؤسسة الحاكمة ليس فقط من أجل رؤية 2030 ولكن لما وراء ذلك أيضا”.
الاحتجاز في ريتز كارلتون
قال المصدر السعودي الرسمي إن الأمير تركي بن عبد الله أمير الرياض السابق ضمن الموقوفين أيضا بتهم التدخل في مشروع قطارات الرياض، وتهم فساد في المشروع ذاته، واستغلال نفوذ في ترسية مشاريع على الشركات التابعة له بشكل مباشر وغير مباشر.
وأضاف المصدر أن وزير المالية السابق إبراهيم العساف، عضو مجلس إدارة شركة أرامكو، متهم باختلاسات من ضمنها مشروع توسعة الحرم المكي ونزع الملكيات في المناطق المجاورة له بالإضافة إلى استغلاله لمنصبه لمعرفته بمعلومات بشراء أراضي بأسعار كبيرة قبل نزع ملكيتها والإعلان عن ذلك في المنطقة المجاورة للحرم.
ومن بين المحتجزين الآخرين خالد التويجري، الذي كان رئيسا للديوان الملكي في عهد الملك الراحل عبد الله، ووزير الاقتصاد السابق عادل فقيه، الذي لعب دورا كبيرا في وضع مسودة رؤية 2030 التي أطلقلها ولي العهد السعودي.
ومن المحتجزين أيضا بكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن السعودية الكبيرة للمقاولات، والوليد آل إبراهيم مالك شبكة (إم.بي.سي) التلفزيونية.
وقالت مصادر على اتصال بالحكومة السعودية لرويترز: إن السلطات أبقت على بعض المحتجزين في فندق ريتز كارلتون بالحي الدبلوماسي في الرياض.
وتم إغلاق البوابة الخارجية للفندق صباح الأحد وقالوا: إن الفندق أغلق لدواع أمنية، رغم أن سيارات خاصة وعربات إسعاف شوهدت تدخل عبر المدخل الخلفي.
وقبل 10 أيام أقيم في الفندق ومنشأة مجاورة له مؤتمر دولي للترويج للاستثمار في السعودية حضره واحد على الأقل من المحتجزين حاليا.
الوليد وترامب
استخدم الأمير الوليد شهرته كمستثمر في توجيه التعليقات اللاذعة لحكام المملكة، وفي ديسمبر 2015 وصف الوليد بن طلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان لا يزال مرشحا رئاسيا بأنه “عار على أمريكا كلها” وناشده عبر حسابه على موقع تويتر الانسحاب من الانتخابات.
ورد ترامب بكتابة تغريدة قال فيها “يريد الأمير الوليد التحكم في السياسيين الأمريكيين بأموال والده، لن يمكنك فعل هذا عندما يتم انتخابي”.
ويعتبر والده الأمير طلال واحدا من أشد أنصار الإصلاح داخل الأسرة الحاكمة، ويدعو منذ عقود لإقامة ملكية دستورية.
وقالت شركة المملكة القابضة السعودية عقب الإعلان عن اعتقال الوليد بن طلال، إنها على اطلاع بالأخبار التي يتم تداولها بشأن رئيس مجلس إدارتها، وإنها “مستمرة في نشاطها التجاري كالمعتاد”.
وقالت شركة المملكة في بيان للبورصة السعودية “تلقى الرئيس التنفيذي تأكيد دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين لشركة المملكة القابضة وكلنا فخر بهذه الثقة”.
وأضاف البيان أن المملكة القابضة تؤكد “التزامها التام بأعمال الشركة واستمرارها في خدمة مصالح مساهميها وكل من له مصلحة بها”.
اضف تعليقا