بقيت في طي النسيان، رغم أغلبيتها المسلمة، ورغم قرون من حكم العرب انتهت إلى تعرضهم لمذبحة بشعة، تجاهل العرب والمسلمون توثيقها واستخدامها في المحافل الدولية، على غرار ما فعله اليهود مع “الهولوكوست”.
“زنجبار” أو جزيرة القرنفل، في المحيط الهندي على السواحل الشرقية لتنزانيا الأفريقية التابعة لها، والتي تتمتع بجمال ساحر للطبيعة إلى حد أسماها العرب “زين ذا البر” بمعنى “هذا البر جميل” في وصف الجمال الطبيعي لزنجبار، كما يقال إن أصل الإسم فارسي ويعني “بر الزنج”، أي أرض الزنوج.
لكن اسمها باللغة السواحيلية (الرسمية والأولى هناك): أنغوجا، أما “زنزبار” فهو اسمها الذي يطلقه عليها الأجانب، والذي اصطلح عليه سكانها بعد سقوط الحكم العربي فيها عام 1964.
سكانها مزيج من الأفارقة والإيرانيين والعرب من أصول عمانية ويمنية، وكذلك آسيويين من الهند وباكستان ومن جزر القمر ومدغشقر والسيشيل في المحيط الهندي، معظمهم مسلمون ويشكلون نسبة 98%.
سحر الحياة البحرية لزنجبار
اللغة الرسمية لزنجبار هي السواحيلية، التي تعد مزيجًا من لغاتٍ أفريقية قديمة واللغة العربية، حيث يقدّر بعض علماء اللغة أن أكثر من 70% من هذه اللغة يعود إلى أصلٍ عربي، فضلًا عن اللغة العربية المعتمدة رسميًا، وإلى جانب ذلك يتحدث السكان باللغة الإنجليزية التي خلفها الاحتلال البريطاني.
الحكم العربي لزنجبار
ظهرت أول دولة عربية عمانية في زنجبار في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، وذلك حين هاجر من عمان ونتيجة لخلافات وقعت هناك سليمان بن سليمان ابن مظفر النبهاني، الذي كان ملكاً على عمان، ونزل بساحل الزنج ليعيد تأسيس المُلك النبهاني هناك.
وقد ظلت الأسرة النبهانية تحكم حتى عام 1745م، رغم وجود البرتغاليين في شرق أفريقيا، وكانت التجارة في مقدمة نشاط التجار العرب والأفارقة بين شرق أفريقيا، وبلاد العرب ومصر والعراق وشبه القارة الهندية، كما دخلت الزراعة إلى بقاع كبيرة في ساحل الزنج.
وخلال حكم دولة البوسعيد العُمانية من عام 1741م حتى عام 1893م في شرق أفريقيا، ازدهرت العلاقات الأفريقية – العربية من النواحي السياسية والحضارية، وإبانها تم بناء أسطول كبير ساعد في توسيع الوجود العربي بشرق أفريقيا، وجعل جزيرة زنجبار مقراً لحكم الشق الشرقي من السلطنة، بل تم نقل عاصمة الحكم من مسقط إلى جزيرة زنجبار عام 1832م.
ورغم وجود السلطنة العربية العمانية البوسعيدية في شرق أفريقيا، وبالتحديد في المناطق الساحلية فإن العرب توغلوا داخل القارة للتجارة، وكونوا جاليات متناثرة في داخل القارة حتى حوض نهر الكونغو.
موقع “زنجبار” الجغرافي
ونجحت السلطنة في إقامة تنظيمات تجارية بإيجاد خطوط منتظمة من القوافل تصل بين ساحل أفريقيا الشرقية لتحمل معها نفوذ السلطنة السياسي، بل شملت أيضاً الأجزاء الشرقية من حوض نهر الكونغو، والمنطقة المحيطة بالبحيرات العظمى بوسط أفريقيا، حتى قيل إنه حينما يلعب أحد على المزمار في زنجبار، يرقص الناس طربًا على البحيرات.
وتوالت العهود على زنجبار ومنها العهد العماني الذي حكمها فيه السلاطين العمانيون، وفي ذلك الوقت كان السكان يتحدثون العربية كلغةٍ رسمية.
تجارة الرق قصمت العرب
نجحت سلطنة عمان خلال القرن الخامس عشر في تطوير التجارة والاقتصاد في الجزر، ذلك بالمساعدة مع الرحلات التجارية المستمرة بينها وبين الهند والخليج العربي وخصوصًا من العراق وشيراز (إيران)، فأصبحت ما يُسمى بـ “بستان أفريقيا”، وذلك للتطور الضخم في المحاصيل وبالأخص التوابل منها، فكانت مصدر العالم للقرنفل والثوم، كما اشتهرت في ذلك الوقت بصناعة العاج من أنياب الفيلة.
كما كانت موقعًا مركزيًا لتجارة الرقيق، فاعتبرت موانئها على الساحل الشرقي موقعًا متميزًا لاستقبال الرقيق من معظم البلاد الأفريقية ونقلهم إلى الشواطئ الأوروبية وكذلك الأمريكية.
الرق في “زنجبار” أيام حكم العرب
ويقول مؤرخون إن الآلاف من سكان الدول والمناطق الأفريقية المجاورة كانوا يؤسرون ويباعون كعبيدٍ على أرض الجزيرة.
ورغم ازدهار الحالة الاقتصادية نتيجة لتعاون السلطان “سعيد البوسعيدي” مع أمريكا وبريطانيا في المجال التجاري (تجارة الرقيق)، قامت بريطانيا بالسيطرة على جزء كبير من اقتصاد زنجبار، وذلك لرغبتها في “تحرير العبيد” وإنهاء تجارة الرق، لتبدأ بريطانيا في التدخل في أمور زنجبار سياسيا.
استمر الخلاف حتى رُفع العلم البريطاني على أرض زنجبار لتعلن الوصاية الرسمية على جزر زنجبار في نوفمبر عام 1890، واستمرت لأكثر من 70 عامًا، نجحت خلالها بريطانيا في إحداث شقاق بين المكونين العربي والأفريقي لزنجبار.
وقاد ذلك إلى الإعلان عن نشأة جمهورية تضم جزيرتي زنجبار وبمبا، واتحدت الجمهورية الجديدة بعدها بفترة قصيرة مع تنجانيقا، والتي كونت بعد ذلك ما يسمى اليوم “تنزانيا”.
السلطان “سعيد البوسعيدي”
الثورة الدامية
هذا الشقاق انعكس على تكوين أحزاب سياسية تدعم فكرة “القومية الأفريقية”، لتفرق بين المسلمين من أصل عربي والمسلمين من أصل أفريقي، لتوضع بذرة الحرب الأهلية والهادفة لإنهاء وجود العرب على الساحل الأفريقي الشرقي.
سميت أحداث عام 1964 بثورة زنجبار الدموية، حيث سادت الفوضى، واحتدت الخلافات العرقية بين المسلمين من أصول مختلفة، استغل فيها الاستعمار المأجورين والمرتزقة الأفارقة من أجل الهجوم على المسلمين العرب.
مقتلة للعرب في “زنجبار”
وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك أعداد دقيقة عن الضحايا، إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن من قُتل من العرب بزنجبار كان بين 5 و11 ألفًا، ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) حينها سوى 12 ألفًا بسبب التهجير القسري.
وربما تَفَرد تطهير العرب العرقي في زنجبار في أنه مما صورت بعض مشاهده حية بواسطة التلفزيون الإيطالي في الوثائقي “وداعًا أفريقيا” (1966)، وعَرَض الوثائقي لمقتلة زنجبار ضمن فظاعات أفريقية وقعت بعد استقلال بلدان القارة.
ويرى المشاهد على الطبيعة كيف يُساق العرب قتلا على الهوية والمقابر الجماعية التي ضمت رفاتهم، وقد احتج سفراء من أفريقيا في إيطاليا على الفيلم الذي صدمهم عنفه واستقلال القارة ما زال بكرًا.
ورغم قسوة تلك المجزرة الدموية التي تعرض لها العرب، إلا أنها ظلت منسية ومهمشة إلا بنذر قليل في الكتب التاريخية المختصة في علم “الجنوسايد” أو عمليات الإبادة الجماعية، مثل “فظائع بلا عنوان في القرن العشرين” حرره آدم هيربرت.
اضف تعليقا