بعد ساعات من دخول قرار رفع أسعار كروت الشحن حيز التنفيذ الجمعة 29 سبتمبر، أعلنت الشركة المصرية للاتصالات عبر شبكة المحمول الرابعة التي تملكها (we) عن عرض يمكن المستخدم من الاستفادة بكامل الرصيد في كارت الشحن مع دفع قيمة الكارت فقط.

الإعلان المثير للجدل أبرز العديد من علامات الاستفهام حول علاقته بالقرار الذي لم يفت على تطبيقه ساعات معدودة، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك والريبة على الغرض الأساسي من رفع أسعار كروت الشحن.

بالتفصيل على مقاس (we)

فحسب التصريحات الرسمية الصادرة من شركات الاتصالات أو الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، فإن السبب المباشر للقرار يرجع إلى ارتفاع تكاليف التشغيل مع محاولات تحسين الخدمة، فضلًا عن تحمل الشركات سابقًا لضريبة القيمة المضافة (14%) وضريبة الجدول (8%) عن المستخدم.

إلا أن التزامن المريب بين كل من القرار والإعلان، يوحي بأن الأمر كان مدبرًا ومسبق الترتيب بين جهاز تنظيم الاتصالات (حكومي) والشركة المصرية للاتصالات صاحبة الشبكة الرابعة (حكومية).

وعلى الرغم من الترويج لأن قرار رفع الأسعار يرجع إلى شركات المحمول، إلا أن موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات هي الفيصل، باعتباره المسؤول عن تنظيم قطاع الاتصالات في مصر، فضلًا عن أنه معلن قرار الزيادة.

ومما يثير الاستغراب أن تبعية كل من جهاز الاتصالات والمصرية للاتصالات ترجع إلى كيان واحد وهو وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فكيف تشرف الوزارة أي الحكومة على إصدار قرارين متناقضين إلى هذا الحد؟.

الأمر يبدو مزعجًا للغاية بالنسبة لشركات المحمول الثلاثة الأخرى (فودافون، أورانج، اتصالات) فهو يدمر مبدأ التنافسية، ويفقد الشركات القدرة على مجارات هذه الشركة الحكومية على الأقل خلال مدة العرض، التي لم يحددها الإعلان.

ومما لاشك فيه أن الإعلان سيعمل على جذب المستخدمين بقوة لاقتناء خطوط الشبكة الرابعة نظرًا للميزة التي تتمتع بها بعد ارتفاع كروت الشحن، فضلًا عن الميزات التنافسية الأخرى الخاصة بأسعار الباقات والتي أُعلن عنها مع انطلاق الشبكة ودخولها الخدمة رسميًا في 18 سبتمبر الجاري.

ولعل النتيجة التي يمكن أن نخرج بها بعد عرض الشواهد والمعلومات السابقة، هي أن قرار زيادة أسعار كروت الشحن تم تفصيله على مقاس شبكة (we) الحكومية.

ولعل الأمر الأكثر جدلًا في الأزمة، هو ما أثير مرارًا بشأن تبعية الشبكة الرابعة للجيش وامتلاكه النسبة الأكبر من أسهمها، لكنها كانت مجرد معلومات متداولة لم يتم التثبت منها حتى الآن، إلا أن الجهات المعنية (وزارة الاتصالات والجيش) لم ينفيان المعلومة أو يؤكدانها.

هزيمة دعوات المقاطعة

وبالتزامن مع تطبيق قرار رفع أسعار كروت شحن المحمول بنسبة 36%، انطلقت الدعوات التي تطالب المواطنين بمقاطعة شركات المحمول والتوقف عن شحن هواتفهم.

جمعية “مواطنون ضد الغلاء” دعت لضرورة تشكيل تكتل كبير يمثل ما يمكن أن يسمى “جماعة ضغط” على الشركات والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والذي يحصل على نسبة من أرباح هذه الشركات، للتراجع عن القرار.

وعلى الفور انتشرت دعوات المقاطعة كالنار في الهشيم على الفضاء الإلكتروني، ودشن مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي العديد من الهاشتاجات التي تروج لعملية المقاطعة.

لكن اللافت في الحملة أن استثنت الشبكة الرابعة (we) من دعواتها، حيث قالت: “نرجو من مستخدمي الخطوط في الشركات الثلاث أورنج وفودافون واتصالات الامتناع عن استخدام الهاتف المحمول، على أن يكون الاستخدام في حالة الطوارئ”.

قد يبدو الأمر منطقيا باعتبارها شبكة جديدة ولم تدخل السوق أو تثبت تواجدها على أرض الواقع، لكن للاعتبارات السابقة قد تضيف القضية علامات استفهام أخرى بشأن تفصيل القرار لخروج الشركة الحكومية بأكبر كم من المكاسب.

مقاطعة شركات الاتصالات تبدو غير منطقية بالمرة، فقد أصبحت بحكم العصر وتطوراته حاجة أساسية لا يمكن الاستغناء عنه وليست مجرد كماليات، إذ حلت بديلًا للتليفون الأرضي لما توفره إمكانات شبكات الاتصال اللاسلكية من ميزات لا توجد بالخدمة الأرضية.

فضلًا عن هذا، فإن العرض القوي الذي قدمته الشبكة الرابعة يبدو ترويجيًا مع بداية عملها، إلا أنه سوف يساهم أيضًا في هزيمة دعوات المقاطعة.

البُعد الآخر أن العرض يمكن أن يفتح شهية الشركات الأخرى، التي قد تكون مضطرة حينها – إذا طالت مدة العرض واكتسبت (we) عملاء جدد أو انتقل عملاء الشركات الثلاث – لأن تحذو حذوها أو على الأقل للتنافس في عروض ومزايا تجعلها قادرة على مجاراة المنافس الرابع.

مزيد من المكاسب

وعلى عكس ما روجت له البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وبيانات شركات المحمول، فإن زيادة تكاليف التشغيل أو حتى تحمل ضريبتي القيمة المضافة والجدول لم توقف طوفان المكاسب التي تجنيها الشركات.

“فودافون مصر” حققت أرباح قبل الفوائد والضرائب بلغت نحو ٥.٨ مليارات جنيه، بينما بلغت الأرباح التشغيلية حوالي ٣.٣ مليارات، في الفترة من 1 أبريل 2016 حتى 31 مارس 2017، وبينما توقعت تراجع إيراداتها حققت إجمالي إيرادات بلغ 13 مليار جنيه.

مجلس إدارة شركة “أورانج مصر” أعلن أن الشركة حققت مجمل أرباح وصلت إلى نحو 4.5 مليارات جنيه للعلم المالي المنتهي في يونيو 2017، بمعدل تطور بلغ 4.97% عن العام الماضي.

كما جمعت شركة “اتصالات مصر” إيرادات بقيمة 2.5 مليار جنيه خلال الربع الثاني من عام 2016، وبلغ صافي أرباح الشركة عن نفس الفترة 540 مليون جنيه، مقابل 180 مليونًا خلال الربع الأول بزيادة 200%.

جهاز “تدمير” المستهلك لا “حمايته”

ورغم هذا فإن الشركات تفتح أفواهها لمزيد من المليارات على حساب المواطن البسيط، الذي سيكون حينها “مجبر لا بطل”، فلا هو يستطيع الاستغناء عن استخدام المحمول، ولا يملك من الأمر شيئًا لمحاولة وقف القرار أو تعطيله، سواء عبر القنوات الرسمية أو حتى بالاحتجاج.

وهنا بحث الجميع عن جهاز حماية المستهلك، وانتظر كثيرون موقفه وقراره حيال الأزمة، إلا أن التعليق الأول عبر رئيسه “اللواء” عاطف يعقوب جاء مخيبًا للآمال.

فبدلًا من أن يبحث الرجل عن حل أو يطالب المسؤولين أو يستخدم أيًا من أدواته لتحقيق الغرض من الجهاز أساسًا، حوّل المشكلة إلى المواطن البسيط ووضعه في قفص الاتهام.

اللواء السابق علّق على دعوات المواطنين مقاطعة شركات الاتصالات، بقوله: “ماحدش يقدر يقاطع الاتصالات”، متابعًا: “الأوقع هو تقليل الاستهلاك والترشيد.. إحنا عندنا 93 مليون مواطن و100 مليون خط تليفون محمول، يعني الخطوط أكتر من البشر”.

لم يكتف يعقوب بهذا القدر من تحميل المواطن المسؤولية، بل انتقل إلى اتهامه المباشر، حين قال: “التليفون في الخارج يتم استخدامه في الطوارئ والبيزنس، لكن عندنا في مصر الموضوع تحول إلى مكلمة يجب أن تنتهي”.