يمثل الملف الحقوقي في مصر خلال الفترة المقبلة مصدر إزعاج وقلق بالنسبة للنظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، خاصة مع اقتراب موعد بدء إجراءات الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
يواجه السيسي انتقادات دولية رسمية وغير رسمية لأوضاع حقوق الإنسان وتراجع الحريات بشكل عام في المجتمع منذ وصوله للحكم عام 2014، ولكنها زادت خلال العامين الماضي والجاري.
وتوسعت الانتهاكات من ملاحقة وتعذيب واعتقال واختفاء قسري لمؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى معارضي النظام الحالي من معسكر 30 يونيو، والتضييق على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.
ويسعى النظام الحالي إلى اتخاذ خطوات من شأنها التخفيف من وطأة الانتقادات على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاولة تكذيب التقارير الدولية والمحلية حيال هذا الملف.
ضربات متتالية
السيسي لا يخشى التقارير الحقوقية المحلية بشكل أساسي ولكنه لا يضمن حدود تأثيرها على المستوى الدولي سواء على مستوى المنظمات أو الحكومات، ولكنه يحاول دائما تحييد بعض الدول حيال ملف حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من عدم تطرق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال استقباله للسيسي في البيت الأبيض لتراجع حقوق الإنسان، إلا أن هذا لم يمنع قرار أمريكي بتعليق جزء من المعونة المقدرة بـ 1.3 مليار دولار في إطار اتفاقية كامب ديفيد، بنحو 300 مليون دولار بحسب توصيات لجنة الاعتمادات الخارجية بالكونجرس.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، إن الدافع وراء قطع جزء من المعونة لمصر هو أوضاع حقوق الإنسان.
وأضافت نويرت: “ما استطيع قوله عن هذا هو أننا تحدثنا كثيرا عن قلقنا بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ووضعنا قائمة بالنقاط التي تقلقنا بشأن مصر والاتجاه الذي تسير فيه”.
السيسي الذي لم يكن يلقى بالا بالتقارير الخارجية ويكتفي فقط بإطلاق أذرعه الإعلامية في تكذيب ونفي ما جاء في التقارير، ولكنه كان يوجه رسائل للداخل المصري.
عقب قرار تعليق جزء من المعونة الأمريكية، تلقى السيسي هزة كبيرة كانت لها أصداء دولية كبيرة ومحل اهتمام شديد، تتعلق بإصدار منظمة “هيومن راتيس ووتش” تقريرا يوثق وجود حالات تعذيب ممنهج في السجون المصرية.
بمجرد صدور التقرير ظهر على الموالين للسيسي حالة من التخبط الشديد خاصة وأن التقرير جاء ليدعم قرار الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بقطع المعونة وتراجع أوضاع حقوق الإنسان.
وجد النظام الحالي نفسه محاصرا بعد تزايد الانتقادات لحقوق الإنسان وتراجع الحريات قبيل انتخابات الرئاسة، بما قد يكون للمجتمع الدولي تحفظات على آليات إجراء تلك الانتخابات في ظل هذا المناخ المتردي.
زيارات “مرتبة”
يبدو أن النظام الحالي “مفلس” حتى في ابتكار آليات جديدة لمواجهة هذا الهجوم الدولي عليه، إذ لجأ إلى مجلس النواب الذي تشكل تحت أعين الأجهزة الأمنية والسيادية في الدولة للسيطرة على السلطة التشريعية تماما.
لجنة حقوق الإنسان التي يترأسها علاء عابد –ضابط شرطة سابق كان متهما بالتعذيب-، تحركت لمحاولة تجميل صورة السيسي من خلال تنظيم زيارة إلى منطقة سجون برج العرب في محافظة الإسكندرية.
هدف اللجنة الوقوف على مدى الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في السجن، ولكن الغريب أن الزيارة كانت معلنة ومعروفة مسبقا أي لم تكن مفاجئة بما يتيح إمكانية كشف أي مخالفات حقيقية.
وكان في استقبال اللجنة، القيادات الأمنية بإشراف اللواء دكتور مصطفى شحاتة، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، واللواء أشرف عز العرب، مدير مباحث السجون، واللواء دكتور أشرف عبدالقادر، مدير مباحث السجون لوجه بحري.
عبارات المدح والثناء لم تخل من تصريحات وبيانات اللجنة حيال الزيارة، مثل ” الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في السجون” و”تلقي السجناء كامل الرعاية داخل السجن والتريض لأوقات طويلة”.
عابد نفسه أكد على عدم جود تعذيب في السجون، منتقدا تقرير “هيومن رايتس ووتش” الأخير حول مصر.
محاولات فاشلة
الخطوة التالية لنظام السيسي محاولة تسويق زيارات السجون ونفي ما جاء في تقارير المنظمات الدولية حول التعذيب، ولكن هذه خطوة تأتي في إطار المحاولات الفاشلة.
وقال عابد إن اللجنة تعكف حاليا على إعداد تقرير شامل عن جميع زياراتها التى تفقدت خلالها عددا من السجون وأقسام الشرطة بعدد من محافظات مصر لعرضه ومناقشته داخل الجلسات العامة للبرلمان.
وكشف أن اللجنة بدأت في إعداد أسطوانة مدمجة بزياراتها للأقسام والسجون وترجمتها باللغات الأجنبية، تمهيدا لتوزيعها على جميع السفارات الأجنبية بالقاهرة وجميع برلمانات العالم خاصة البرلمانات الأوروبية والكونجرس الأمريكي والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمجالس القومية العالمية لحقوق الإنسان ولجان حقوق الإنسان بمختلف برلمانات العالم.
ولكن عابد نفسه قام مطلع العام الجاري بزيارات لسجون وأقسام شرطة، قبل أن يتوجه إلى الكونجرس الأمريكي خلال شهر مايو في محاولة لتلميع صورة السيسي ونفس أي اتهامات تتعلق بتردي أوضاع حقوق الإنسان والتعذيب.
ولكن الغريب أن هذه الزيارة والتقارير التي تم تقديمها لم تشفع لحجب جزء من المعونة الأمريكية لمصر بعد هذه الزيارة بفترة ليست كبيرة.
ومن غير المتوقع أن تسفر هذه التقارير التي أعدتها لجنة حقوق الإنسان وتوزيعها على مختلف الجهات الدولية داخليا أوحكومات وبرلمان الدول الكبرى خارجيا، عن تراجع نبرات الانتقادات حول أوضاع السجون والانتهاكات وتردي الحريات وحقوق الإنسان بشكل عام.
انتهاكات
ما يدعم عدم وجود تأثير إيجابية لهذه التحركات هو ما جاء في تقارير حقوقية حول أوضاع السجون يتناقض تماما مع التصريحات التي خرجت مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان.
أبرز هذه التقارير ما صدر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان أخيرا، إذ أكد على تكدس أقسام الشرطة بأعداد من المحتجزين تفوق طاقتها الاستعابية بنحو 3 أضعافها، بسبب التوسع الشديد فى الحبس الاحتياطى وتمديده المتكرر، وقد أدت هذه الظاهرة إلى معاناة شديدة للمحتجزين ووفاة العشرات من المعتلين صحيا.
ولفت إلى أنه لم تخل وقائع المتابعات من جرائم تعذيب في حق محتجزين، أفضى بعضها إلى الوفاة، إلا أنه خفف من وطأة هذه الانتهاكات بالإشارة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة تجاه مثل هذه الممارسات وتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكمات.
وأخيرا، أعلنت منظمة “هيومن رايتس مونيتور” عن تلقيها شكوى من ذوي المعتقلين بسجن شبين الكوم العمومي، تؤكد تعرض السجناء لانتهاكات جسيمة.
الشكوى توضح أن إدارة السجن تقوم بمنع دخول الأطعمة والمشروبات إلا بكميات قليلة جدا بعد العبث بها أثناء التفتيش وإفسادها، كما تمنع دخول الملابس الشتوية والبطاطين، كما تمنع الأدوية عن المرضى.
اضف تعليقا