العدسة – معتز أشرف
واصلت قطر الصمود في وجه الحصار مثلما لم يملّ الرئيس الأمريكي دونالد “ترامب” من اتصالاته مع قطر ودول الحصار الأربع، لوضع حد للأزمة الخليجية، ومن يوم إلى يوم، يتقدم الأمير تميم بن حمد آل ثاني بقطر في مسار الانتصار، وسط علاقات إستراتيجية خطها مع أمريكا التي تتجه -وفق مراقبين- لوضع تصور للحل الخليجي في الزيارة المرتقبة بين الأمير تميم والرئيس “ترامب”، مع تأكيد الشراكة الاقتصادية العسكرية في منطقة لا تهدأ ولا تسكت فيها أصوات المؤامرات.
اتصالات مستمرة!
البيت الأبيض أعلن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجرى اتصالًا هاتفيًّا بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ثم بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، لمناقشة الأزمة بين الرياض والدوحة، وذكر البيت الأبيض في بيان أن “ترامب” تحدث مع الملك عن الخلاف في مجلس التعاون الخليجي مع قطر، بالإضافة إلى قضايا إقليمية أخرى، بما في ذلك سوريا واليمن، فيما ناقش مع أمير قطر التهديد الذي تشكله إيران، مؤكدًّا أيضًا على أهمية حل الخلاف بين الدوحة والدول المحاصرة لها، وهو ما يمكن ربطه بزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن وما جرى فيها من مداولات قد تكون شملت حلًّا للأزمة الخليجية، وفق البعض.
وبحسب وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، تأتي المباحثات الهاتفية قبل زيارة مرتقبة لأمير قطر إلى واشنطن في وقت لاحق من الشهر الجاري، وجرى خلال الاتصال “استعراض العلاقات الإستراتيجية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيزها وتنميتها بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، كما تم “مناقشة عدد من القضايا الراهنة لاسيما مكافحة التطرف والإرهاب وجهود الدولتين المشتركة في هذا المجال، كما تبادل الزعيمان “وجهات النظر حول مجمل الأحداث والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية”.
وفي يناير الماضي تلقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيًّا مماثلا من “ترامب”، أشاد فيه الأخير بـ”دور الدوحة في مكافحة الإرهاب، وذكرت صحيفة “الشرق” القطرية أن “الجانبين استعرضا العلاقات بين واشنطن والدوحة، وسبل تعزيز التعاون الثنائي ولاسيما في مكافحة الإرهاب، كما بحثا آخر التطورات الدولية ومستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، ودعم وحدة مجلس التعاون الخليجي.
شريك إستراتيجي!
في يوليو 2017 عقب دول الحصار بدء تفعيل المقاطعة ضد دولة قطر على خلفيات مزاعم بدعم الإرهاب وهو ما تنفيه الدوحة مرارًا، اتجهت قطر إلى واشنطن لتجهض الحملة الشرسة ضدها من مهدها، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين قطر والولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، وأعلن وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن قطر هي أول دولة توقع على برنامج تنفيذي هو الأول من نوعه مع واشنطن لمكافحة الإرهاب، داعيًا دول الحصار للانضمام مستقبلًا إلى هذا البرنامج!، فيما أعرب وزير الخارجية الأمريكي حينها ريكس تيلرسون عن تقديره لاستجابة قطر لمبادرة مكافحة تمويل الإرهاب.
في نفس الإطار تحظي قطر بقدم راسخة في البيت الأبيض، دفعت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية للتأكيد -علي هامش حوار رفيع المستوى بين الدوحة وواشنطن عقد في الولايات المتحدة الأمريكية في يناير الماضي- أن الدوحة شريك إستراتيجي لواشنطن، كما ناقشت جلسات الحوار العديد من مجالات التعاون بين بلدينا بما فيها مجالات التجارة والاستثمار والدفاع والأمن والقانون ومكافحة الإرهاب وتنظيم حركة الطيران ومواجهة تنظيم الدولة والأزمة الخليجية وملفات سوريا وإيران والعراق وأفغانستان، وهو ما يضع العلاقات القطرية الأمريكية في مستوى متميز ومتوازن، بحسب المراقبين.
وقد بحثت كل من دولة قطر والولايات المتحدة في هذا الاجتماع الأزمة الخليجية، وأعربتا عن ضرورة الحل الفوري لها بشكل يحترم سيادة دولة قطر، وعبرت الحكومتان عن قلقهما بشأن التأثيرات الأمنية، والاقتصادية، والإنسانية الضارة للأزمة، كما أعربتا عن القلق كذلك بشأن السلام والاستقرار في الخليج وبشأن الالتزام بالقانون الدولي فيما أكدت دولة قطر تقديرها للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في التوسط في النزاع دعمًا لجهود سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وأكدت كل من دولة قطر والولايات المتحدة عن مساندتهما لمجلس تعاون خليجي قوي يركز على مجابهة التهديدات الإقليمية ويكفل مستقبلاً آمنًا ومزدهرًا لكل شعوبه.
ووفق وكالة “بلومبرج“، فإن “ترامب” يفضل التوصل إلى حل تفاوضي للأزمة، فيما يرى البعض أنه من غير المرجح أن تصل الأزمة القطرية إلى حل نهائي ما لم تتمكن الولايات المتحدة من الضغط على أي من الجانبين للتنازل عن بعض القضايا العديدة التي تفرق بينهما، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك بعد.
وفي الجهة المقابلة، فإن وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية، صرح في وقت سابق أن الرئيس الأمريكي دونالد “ترامب”، هو الشخص الوحيد الذي يستطيع على حل الأزمة الخليجية الحالية بـ”مكالمة هاتفية”، وقال العطية في حوار أجراه مع مؤسسة “هيريتيج” في العاصمة الأمريكية واشنطن: “واجهت قطر محاولة انقلابية في 1996 من قبل جيراننا، وجاءت الولايات المتحدة لمساعدتنا… لم ننس موقف الولايات المتحدة في 1996، وفتحنا قلوبنا وأذرعنا لأننا لم ننس ما فعلتموه، والعلاقات بين الدوحة وواشنطن “ليست قصيرة الأمد، بل قد تصل إلى 60 أو 70 عامًا، لكن لا نقبل أية إملاءات، ولكننا منفتحون على مناقشة أية نقطة يعتقدون (المسؤولون في دول الحصار) أنها مبعث قلق لهم”.
الزيارة المرتقبة
رؤية الانتصار المبكر هي الحاضرة عند قطر، وهي المرشحة لمؤازرة الدوحة في أحاديث الأمير تميم مع الجانب الأمريكي في الزيارة المرتقبة خلال الشهري الجاري، وهو ما عبر عنه وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية حين علق علي “الحصار” المفروض على قطر منذ 5 يونيو 2017 من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر: “بعض الدول ظنت أن حصارها لقطر سيحرمنا من الطعام أو الدواء لكننا تجاوزنا الأمر خلال 24 ساعة”.
ويرجح أن تكون الزيارة المرتقبة هي زيارة الترتيب للحل، وهو ما ذهبت إليه وكالة “رويترز” نقلا عن مسؤول أمريكي كبير -لم تسمه- حيث أكد أن أمير قطر، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، يعتزمون جميعًا زيارة الرئيس “ترامب”، في مارس وأبريل المقبلين، مضيفًا أن جدول الأعمال سيشمل عقد قمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، حيث تأمل واشنطن أن تُعقد في وقت لاحقٍ من هذا العام، فضلاً عن مناقشة جهود السلام في الشرق الأوسط وإيران، كما ترجح أوساط إعلامية أن تكون تلك الزيارات المنفصلة المرتقبة التي بدأت بولي العهد السعودي ثم تنتظر أمير قطر، كإجراءات تمهيدية لعقد قمة خليجية أمريكية في مايو القادم، ففي 19 فبراير الماضي قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إنه “لا توجد مساعٍ جديدة الآن (لحل الأزمة الخليجية) سوى مساعي الولايات المتحدة، لاسيما ما يرتبط بقمة كامب ديفيد”، لافتًا إلى أن “القمة لم تتم الدعوة إليها بعد”، بالتزامن مع أنباء متواترة عن عقد قمة خليجية أمريكية في مايو المقبل، برعاية الرئيس دونالد ترامب، فيما لم يتم الإعلان رسميًّا من قبل واشنطن عن توجيه أية دعوات لتلك القمة.
ومن المتوقع أن تتصدر عبارات الإطراء المشهد، فقد كانت هي أول ما عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو 2017، بعد لقاء مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش قمة الرياض بالمملكة العربية السعودية، حيث عبر عن سعادته الكبيرة لعقد اللقاء، وقال خلال القمة التي جمعتهما: “إنه شرف عظيم لي أن ألتقي الشيخ تميم، وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن الرئيس “ترامب” قال خلال لقائه أمير دولة قطر: “إن قطر والولايات المتحدة دولتان صديقتان منذ وقت طويل”، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك استثمارات تجارية بين البلدين، وهو ما قد يتكرر في الزيارة المرتقبة، ووفق مراقبين، فقد يتحدث “ترامب” عن استمرار الشراكة مع استمرار الاستثمارات على هامش ترتيبات حل الأزمة الخليجية، فبحسب إحصائيات رسمية قطرية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 6.3 مليار دولار، كما أكدت ورقة بحثية لمركز الجزيرة للدراسات بعنوان: “قطر والولايات المتحدة الأمريكية: نحو شراكة جديدة”، حرص البلدين على التزامهما المتبادل بالعمل لتحقيق شراكة أقوى وتوفير منطقة أكثر أمنًا وتسوية العديد من النزاعات والأزمات الإقليمية على أساس عادل.
اضف تعليقا