• زيارة المنفي لحفتر تثير الجدل في الغرب..

 

منذ نجاح قائمة محمد يونس المنفي مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي، والأحاديث الصحفية والإعلامية جميعها تذيع أن الأسماء المختارة للسلطة التنفيذية الجديدة ليست على توافق مع الجنرال المنقلب خليفة حفتر، وأنها تقف في الصف المقابل له.

ولأن السلطة الجديدة منوط بها أن تكون حكومة وحدة يلتف حولها الليبيون بمختلف انتماءاتهم وتبايناتهم الفكرية والجغرافية، حتى تحقق الحكومة الانتقالية مهمتها بالوصول بالبلاد إلى الانتخابات العامة المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري. ويبدو أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد، محمد يونس المنفي، يسعى جاهدًا إلى إثبات عدم انتمائه لأي تيارات أو فصال سياسية بعينها.

وفي هذا الإطار، استهل رئيس المجلس الليبي الجديد زيارته إلى الشرق بلقائه بالجنرال المنقلب المثير للجدل، خليفة حفتر، في مقره العسكري في مدينة الرجمة. وللدلالة على نيته، نشر المنفي صورة له بجانب حفتر عقب لقائهما، معلقًا عليها: “نحن لا ندعم أي طرف سياسي، وإنما بدأنا بمصالحة وطنية من الشرق إلى الغرب والجنوب”، ثم دعا النخبة السياسية قائلًا: “أرجوكم لا تلتفتوا لمخربي الوطن و ما يقولون”. كما أكد سعيه إلى لم الشمل وإرجاع الوطن إلى ما كان عليه لحمة واحدة على قلب شعب واحد.

ولكن يبدو أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، أو أنها هبت في الاتجاه العكسي تمامًا، فبدلًا من أن يحيد “المنفي” حفتر وميليشياته، مع حفاظه على تأييد جبهة الوفاق له، بدأت الأصوات تتعالى في الجبهة الغربية منتقدة الزيارة.

وأبرز هذه الانتقادات أتى من عند رأس السلطة في الغرب، حيث صرح رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري، بأن “أول القصيدة كفر”، قاصدًا بها انتقاد زيارة المنفي لحفتر. كذلك شن عضو المجلس الأعلى للدولة، صالح جعودة، هجومًا شديدًا على فعل المنفي، حيث وصفه بالفعل “الشائن والمنكر”، كما طالب بأن لا يمر هذا الفعل.

كما شن عدد من أعضاء مجلس النواب في طرابلس هجومًا عنيفًا على المنفي، حتى وصل البعض إلى نعته بأنه “غير مسؤول”، كما اعتبر آخرون أن الزيارة تهدد بوادر الثقة التي حاولوا زرعها بين كافة الأطراف، بل إنها تهدد مشروع انتقال السلطة برمته، حسب تصريحاتهم. وشددت إحدى البرلمانيات على رفضها لقاء المنفي بحفتر “الذي دمر العاصمة طرابلس”، كما وصفته.

هذه الانتقادات الواسعة التي أتت من أشخاص يعتبرون على رأس السلطة في حكومة الوفاق تشير إلى إشكال حقيقي موجود في بنية التهدئات السياسية الأخيرة، وقد تصل خطورة هذا الإشكال إلى درجة أن يمكن اعتباره قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتدمر مساعي الحل السياسي.

 

  • ما المسكوت عنه؟

 

وبما أن الأزمة المذكورة عاليه كانت -ولا تزال- من الملفات المسكوت عنها في المخرجات المعلنة لمباحثات ملتقى الحوار السياسي، فإننا نجد أنفسنا مدفوعين بضغط الواقع إلى محاولة الإجابة عن سؤال: ما المسكوت عنه في المصالحة الوطنية؟

أول هذا المسكوت عنه هو مآل حفتر ومصيره، فلا أحد يستطيع إنكار الجرائم المنكرة التي ارتكبها حفتر وميليشياته بحق الشعب الليبي وثورته، إلا أنه في نفس الوقت لا ينبغي إغفال أن خطوة المنفي لزيارة حفتر كانت ضرورية في إطار مساعيه للتواصل مع كافة القوى المتواجدة في ليبيا، باعتبار أن حفتر هو الرجل الأقوى في الشرق، وباعتباره كذلك المسيطر على القوة العسكرية الموجودة هناك. وبالتالي، من الممكن القول إن التواصل مع حفتر كان بدهيًا في الإطار السياسي والواقعي الذي تواجهه السلطة التنفيذية الجديدة.

لكن بما أن الانتقادات برزت من أفواه مسؤولين كبار في الدولة على أمر بدهي كهذا، فمن الطبيعي أيضًا التساؤل؛ إذن فعلام كان الاتفاق؟ ما هو تصور الساسة الليبيين لحل الأزمة ما دام التواصل مع حفتر مرفوضًا حتى الآن؟

يبدو أن هذه النقطة الحرجة والحساسة كان متعمَّدًا السكوت عنها أو تخطيها بشكل أو آخر في مباحثات ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية أممية، فلا وثيقة حتى الآن ولا أنباء ولا أي شيء يشي بأن هناك اتفاقًا على دور حفتر في المرحلة القادمة، سواء أكان الدورُ استمرارًا بشكل ما في المسؤولية أو في السلطة، أو كان الخروج منها مع ضمان حماية شخصية، أو الخروج والمحاكمة، أو بأي شكل آخر.

وثاني هذه الملفات المسكوت عنها هو ما يتعلق ببند إخراج القوات والمرتزقة الأجانب، فالجميع -حتى هذه اللحظة- يتحدث عن ضرورة إخراج المرتزقة من الأراضي الليبية، كما أن هذا من أولى المهام المنوطة بالحكومة الجديدة، إلا أنه لا أحد يتحدث عن كيفية إخراج هؤلاء المرتزقة.

إشكالية أخرى كامنة في في هذا البند، ألا وهي عدم وجود تعريف متوافق عليه بين المجتمعين في ملتقى الحوار على ماهية وكينونة المرتزقة، فالحكومة الشرعية في الغرب وحلفاؤها وداعموها يرون أن المرتزقة هم قوات “فاغنر” الروسية والجنجويد والسودانيون والسوريون وغيرهم، بينما يرى انقلابيو الشرق وحلفاؤهم وداعموهم  أن القوات التركية التي دخلت باتفاق رسمي علني مع حكومة الوفاق الشرعية هم المرتزقة والقوات الأجنبية.

وبناء على هذه الإشكالية، يحاول كل طرف الضغط على الآخر من خلال هذا البند، وكان آخر هذه الضغوط ما صدر عن مصر واليونان وفرنسا -الداعمين لحفتر- من دعوة للحكومة الجديدة بنقض الاتفاقات الموقعة بين الحكومة الشرعية والدولة التركية، متجاهلين كل المرتزقة الآخرين الذين دخلوا البلاد متسللين داعمين للميليشيات الانقلابية. وهو ما قد يسبب في المستقبل أزمة قد تهدد مسار الحل السياسي برمته.

ملف آخر مسكوت عنه متمثل في مطلب توحيد القوات المسلحة والشرطة الليبية تحت قيادة واحدة، وأيضًا هذا مطلب عمومي غير معلوم -حتى الآن- ماهيته ولا كنهه، فمجرد زيارة “المنفي” لحفتر، قائد الميليشيات العسكرية في الطرف الشرقي، قوبل بهجوم كبير من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الطرف الآخر، فكيف الحال إذا تم التوحيد تحت قيادة واحدة؟ وإلى من تؤول القيادة؟ للشرق أم للغرب؟ ما مصير الدماء التي سُفكت؟ هل يستطيع المعسكران المتحاربان المتقاتلان بالأمس أن يتوحدا تحت قيادة واحدة؟ كلها أسئلة لا يبدو من واقع الحال أن لها إجابة واضحة حتى الآن في أذهان الساسة الليبيين رغم أهميتها وحساسيتها الشديدة.

كذلك يعد ملف مقر الحكم إشكالًا آخر، فأين سيكون مقر الحكم؟ هل في طرابلس أم سرت أم طبرق أم بنغازي؟

تبقى هذه الملفات أو التساؤلات -على أهميتها- بلا إجابة واضحة حتى تجيب عنها الأسابيع والأشهر القادمة، وعلى أساس بوادر إجابات هذه الأسئلة يمكن التنبؤ بمصير ومآل الحل السياسي الليبي.

اقرأ أيضًا: فوز قائمة الثورة وخسارة داعم حفتر.. هل انتهت الحكاية؟