العدسة – معتز أشرف:

في زيارة يسبقها الغضب والرفض، يصل، اليوم الأحد، ولي العهد السعودي الذي يحاصره الفشل محمد بن سلمان إلى العاصمة الفرنسية باريس في أول زيارة لفرنسا منذ انقلابه وتعيينه وليًا للعهد في يونيو الماضي، وسط جدول ساخن من المناقشات يتناول الوضع في إيران واليمن ولبنان، يرى فيه بن سلمان أهمية  تعديل مسار العلاقات بين الرياض وباريس إلى نصابها الصحيح بعيدًا عن إيران، بينما يرى ماكرون وفق مقربين منه أنه أمام فتى طائش لابدّ من ضبط العلاقات معه بدقة.

 توتر وترقب!

في جولة جديدة يلاحقها التوتر، يطير الأمير السعودي الطائش  محمد بن سلمان من واشنطن إلى باريس في زيارة رسمية إلى فرنسا في 9 و10 أبريل، ليكون أول لقاء بعد أن التقى ابن سلمان ماكرون قبل أشهر في مطار الرياض قبيل توجه الأخير إلى أبوظبي على خلفية الأزمة التي رافقت إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض.

ووفق التصريحات الرسمية للقصر الرئاسي الفرنسي فإن اللقا يهدف البحث في شراكة استراتيجية فرنسية- سعودية جديدة، بحسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية التي أكدت كذلك  أنها تأمل بتعاون جديد يتمحور بشكل أقل على عقود آنية وبشكل أكبر على استثمارات للمستقبل، لا سيما في المجال الرقمي والطاقة المتجددة، مع قيام رؤية مشتركة بجانب بحث  الأزمات الإقليمية والاستقرار في المنطقة ومكافحة الإرهاب، واستبعد الإليزيه أن يتخلل الزيارة توقيع عقود، وشدد في المقابل على “رؤية جديدة” للتعاون مع السعودية فيما كشفت وكالة “فرانس برس” أن محادثات ولي العهد السعودي ستركز على الشؤون الثقافية والاستثمارات والحرب في اليمن.

وبحسب مراقبين فإنه عندما توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض في زيارة رتبت على عجل لإجراء محادثات مع محمد بن سلمان في نوفمبر كانت الابتسامات هي كل ما ظهر في العلن، لكن خلف الأبواب المغلقة كان النقاش حادًا بشأن إيران مما يشير إلى تغير بين الحليفين، وسوف يتضح أن كان هذا خلاف مؤقت أو تغير طويل المدى عندما يصل الأمير محمد إلى باريس الأحد في زيارة تستغرق يومين ستركز على قضايا اليمن وسوريا وقطر والاتفاق النووي الإيراني، بعد زيارتين لبريطانيا والولايات المتحدة شهدتا توقيع عقود ضخمة، ومن المتوقع إعلان مشروع سياحي مهم بين البلدين، لكن من غير المنتظر أن يوقع الأمير محمد أي عقود كبيرة، فيما كشفت تقارير متواترة أن لقاء نوفمبر هيمن عليه الحديث عن إيران، غريمة الرياض في المنطقة، وسعي فرنسا لتعزيز المصالح التجارية هناك، وهو ما لم يقبله ماكرون الذي يرى أن الأمير محمد شخص خارج نطاق السيطرة، وأن ما يفعله في اليمن وقطر، والحديث بشأن إيران قد يصب مزيدًا من الزيت على النار في المنطقة، لكن وفق تقارير إعلامية ستكون لبنان حاضرة في باريس؛ حيث من المقرر عقد لقاء بين بن سلمان وسعد الحريري رئيس وزراء لبنان بعيدًا من الإعلام.

وقالت صحيفة (جولف نيوز) إن زيارة الأمير محمد بن سلمان تأتي “في لحظة معقدة في مسيرة العلاقات الفرنسية- السعودية”. وكان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قد أقام علاقات أوثق مع دول الخليج العربية، خصوصًا السعودية، فاتخذت باريس موقفًا متشددًا إزاء إيران خلال المفاوضات التي أسفرت عن توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

الملف الاقتصادي!

البعد الاقتصادي للزيارة واضح، خاصة أنّه في إطار جولة واشنطن التي استهدفت تبييض وجه الرياض بعد الهجمة الشرسة على رجال الأعمال، وبحسب أرقام شبه رسمية تعد فرنسا شريكاً اقتصاديا رئيساً للسعودية؛ حيث احتلت خلال عام 2012 المرتبة الثامنة من بين أكبر 10 دول مصدرة للمملكة كما احتلت المرتبة 15 من بين الدول التي تصدر لها المملكة، فقد تضاعف حجم التبادلات التجارية بين البلدين ليصل إلى أكثر من 10 مليارات يورو في عام 2014 بزيادة 10 بالمئة مقارنة بعام 2013، وتمثل فرنسا المستثمر الثالث في المملكة، وتصل قيمة أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 15.3 مليار دولار أمريكي في حين بلغت قيمة الاستثمار السعودي في فرنسا 900 مليون يورو، ويعادل الاستثمار المباشر السعودي في فرنسا 3 %من قيمة الاستثمار المباشر الأجنبي السعودي في العالم و30 %من الاستثمار المباشر الأجنبي لدول مجلس التعاون في فرنسا.

كما تحتل الرياض المرتبة الثالثة عالمياً من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية التي استقطبتها المملكة بإجمالي استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار موزعة على 70 شركة فرنسية تستثمر حالياً في المملكة، ومن العقود المهمة التي تبرم بين البلدين: صفقات السلاح، وخصوصًا سلاح الجو، ووفق ما أعلنت عنه صحيفة “لا ترابيون” الفرنسية حول تزويد السعودية بطائرتي تزويد في الجو من طراز “إيه 300-200 إم آر تي تي”، من إنتاج شركة إيرباص، وهي الصفقة التي تعزز أسطول تزويد الطائرات الذي يضم حاليًا 6 طائرات عاملة، تسلمتها الرياض مؤخرًا، لكنها تسعى إلى رفع العدد قريباً أو على المدى المتوسط إلى 12 طائرة.

غضب فرنسي !

وكالعادة لاحق بن سلمان الغضب في زياراته؛ حيث قدم النائب في البرلمان الفرنسي سيباستيان نادو، عن حزب “الجمهورية إلى الأمام”، وهو حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، طلبًا بفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية للحرب في اليمن، وذلك قبل ثلاثة أيام من زيارة ولي عهد المملكة لفرنسا، ويأتي طلب النائب سيباستيان نادو في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط على الرئيس الفرنسي لخفض الدعم العسكري للسعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف الذي يخوض قتالًا ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي تسيطر على معظم المناطق الشمالية في اليمن بالإضافة إلى العاصمة صنعاء.

واعتبر سيباستيان نادو، الذي جرى انتخابه في التشريعيات الأخيرة ضمن مئات البرلمانيين الجدد الذين انضموا إلى حزب ماكرون وأصبحوا يشكلون الأغلبية التي يتمتع بها الرئيس أنه من الضروري إجراء تحقيق بخصوص مبيعات الأسلحة للسعودية، وعلى هذا الأساس فقد تقدم إلى جانب 15 نائبا آخر بطلب رسمي لإنشاء لجنة تحقيق، كما يطالب نادو وزملاؤه بتشكيل لجنة من 30 عضوًا لدراسة التزام فرنسا بالمعايير الدولية فيما يخص تراخيص تصدير الأسلحة والذخيرة، وكذلك التدريب والخدمات اللوجستية والمساعدة التي قدمتها باريس خلال السنوات الثلاثة إلى الأطراف المتناحرة في الصراع اليمني، بالتزامن مع اعلان نتيجة استطلاع أجرته مؤسسة “يوجوف” بأنّ حوالى 75 % من الفرنسيين يريدون تعليق بلادهم لمبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات.

وفي السياق نفسه دعت عشر جماعات حقوقية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للضغط علي بن سلمان لإنهاء حصار الموانئ اليمنية، والعمل على حل دبلوماسي للصراع هناك، وحث خطاب خاص مرسل إلى ماكرون من 12 منظمة دولية غير حكومية الرئيس الفرنسي على الضغط على ولي العهد السعودي من أجل تخفيف الحصار على الموانئ اليمنية وتعليق مبيعات السلاح الفرنسية، وقالت آن إيري من منظمة (هانديكاب إنترناشونال) الدولية المعنية بالمعاقين “قصف المدنيين في اليمن يجب أن يتوقف وندعو كل أطراف الصراع لوقف ذلك على الفور، وقبل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على ماكرون أن يختار: إما حماية المدنيين أو بيع الأسلحة”، وقالت بينيدكتيه جينرود مديرة مكتب فرنسا في هيومن رايتس ووتش “لا يستحق الأمير محمد جوقة الشرق ولا البساط الأحمر. هو يستحق عقوبات”، فيما صفع القضاء الفرنسي طيش الأسرة المالكة في السعودية مؤخرًا، وأصدر مذكرة توقيف بحق الأميرة حصة بنت سلمان شقيقة محمد بن سلمان، للاشتباه في أنها أمرت حارسها الشخصي بضرب حرفي كان يعمل في شقتها بباريس في  سبتمبر 2016.