العدسة – معتز أشرف

في مطالعة دورية لخبراء مركز كارينجي للدراسات حول القضايا التي تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، تطرقت إلى تقييم الحراك الثوري في سوريا، تحت عنوان “في الذكرى السابعة للانتفاضة السورية، هل كان الأمر يستحق العناء؟”، وأكدت أن سوريا كانت ولا تزال تستحق كل عناء، ولا يمكن التفريط في المكتسبات الماضية ولكن لابد من ضرورة ترتيب بيت المعارضة في هذه اللحظات الفارقة.

تشكيل جديد!

من جانبه أكد إبراهيم حميدي الكاتب المتخصص في الشؤون السورية في صحيفة الشرق الأوسط في لندن أنه في العام 2011، توافرت في سوريا ثلاثة شروط: رغبة وحاجة إلى التغيير، وإلهام “الربيع العربي”، ودعم إقليمي ودولي لرغبة شريحة متصاعدة من السوريين للانتفاضة، وإذا ما كرّر التاريخ نفسه وتوافرت الشروط نفسها، أغلب الظن أن يقوم الشعب بالشيء نفسه كما العام 2011.

وأضاف في المطالعة الدورية لكارينجي التي وصلت”العدسة” أنه مع ذلك، عندما يتأمل المرء في كيفية انطلاق الانتفاضة وما آلت إليه الأمور بعد سبع سنوات، يُصاب بالذعر، فما بدأ على شكل احتجاجات شعبية لتحقيق مطالب محلية تحوّل إلى نزاع مسلّح، ثم إلى حرب بالوكالة استقطبت لاعبين إقليميين ودوليين، والآن، يحارب السوريون حروب الآخرين على أرضهم، وتجري تفاهمات تشمل روسيا وإيران وتركيا من جهة، وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، فضلاً عن دول أخرى أيضاً، وجميعها تُفرض على السوريين في نهاية المطاف نظامًا ومعارضة.

وأوضح أنه على نقيض حالات التغيير الرئيسة الأخرى، مثل أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات، كان من سوء حظ السوريين أن انتفاضتهم تزامنت مع انحسار نفوذ الولايات المتحدة والدول الأوروبية في الشرق الأوسط، وقد استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الساحة السورية” للعودة إلى المنطقة والانتقام لقيام الغرب بإذلال روسيا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي.

وأشار إلى أن سوريا التي نعرفها قد ولّت، ولايمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، سوريا الجديدة بدأت في الظهور، والنزاع الدولي – الإقليمي جارٍ حالياً لتشكيلها.

ثورة مستحيلة!

أما ياسين الحاج صالح المفكّر والكاتب سوري والمُعتقَل السياسي السابق الذي صدر له مؤخرًا  كتاب بعنوان “الثورة المستحيلة: الثورة، الحرب الأهلية، والحرب العامة في سورية” أكد أن السؤال :”في الذكرى السابعة للانتفاضة السورية، هل كان الأمر يستحق العناء؟” يثير فيّ مشاعر متناقضة للغاية، فمن جهة، لديّ أسباب شخصية قوية تدفعني إلى الشعور بالندم على تغييرات طرأت في سوريا وأسفرت عن خسائر كُبرى تكبّدناها أنا وأشخاص أعزّاء على قلبي، وعن معاناة لا تُحتمل، أعني بذلك اختطاف زوجتي سميرة ورفاقها على أيدي جيش الإسلام في دوما؛ وقبل سميرة، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة شقيقي فراس ورفاقه أيضاً، لكن حياتنا كانت بائسة قبل اندلاع الثورة، إذ كنّا محرومين من حقوقنا المدنية والسياسية الأساسية، وكان يتم التعامل معنا كالعبيد سياسياً. أمضينا أنا وزوجتي “المغيّبة” وشقيقتها وصهرها وشقيقاي ما مجموعه 45 عاماً في السجن تقريباً، كانت حصّتي منها أكثر من الثلث ولم يكن هناك سبيلٌ لعيش حياة أخرى في ظل نظام عبّر جهاراً عن نيّته البقاء في سُدة الحكم إلى الأبد، لأن هذا كان سيعني حرباً مديدة ضد المستقبل.

وأضاف أنه مع ذلك، فالوضع في سوريا هو مأساة تجد فيها نفسك ممزّقة داخلياً طيلة الوقت، لكن عندما ننحو باللائمة عن كل ما حدث إلى “الثورة السورية”، ألا يعني ذلك أننا ننزلق إلى منطق الجبرية؟ لذا، قد يكون من الأجدى طرح السؤال التالي: هل كان بالإمكان أن نسلك مساراً آخر غير مسار الثورة لتغيير سوريا، في عالمٍ ظلّ يتفرّج طيلة سبع سنوات على الإبادة الجماعية تُرتكب أمام ناظريه ولم يحرّك ساكناً، فيما هو ينهمك في إنكار حدوثها؟”.

صفحة جديدة!

صبحي حديدي الناقد الأدبي السوري يرى أن المعضلة صعبة للغاية وأن تطورات الأمور تنذر بمزيد من المآسى، قائلا: “يحضرني أمام هذا السؤال بيت من قصيدة للشاعر الدمشقي الصوفي عبد الغني النابلسي، يصف فيها بنبرة ساخرة للغاية معضلة رجل أُلقي في البحر مكتوف الأيدي وقيل له: إيّاك أن تبتلّ!”.

وأضاف أنه في العام 2011، أطلق السوريون شرارة الثورة السلمية ضد نظام بربري قائم منذ أربعة عقود على الاستبداد وإرهاب الدولة والفساد وحكم العائلة، ولا شك أن كل ما أعقب ذلك، سواء لحظات النصر الزاهية أو غياهب الهزائم وما تخلّلها من قرارات صائبة وأخرى مُخطئة، كان كلّه نابعاً من حاجة سوريا الماسّة إلى فتح صفحة جديدة.

ويرى حديد أن سوريا تستحق كل عناء لإسقاط النظام المستبد الدموي، وقال: ” نعم، كان الأمر يستحق هذا العناء، وتحديداً عند هذا المنعطف التاريخي الفريد وليس قبله، وأعتقد أن الأمر لا يزال يستحق العناء حتى الآن”.

وتساءل حديدي: “لكن، هل كان يُمكن تجنيب سوريا بعضاً من هذه الفظاعة المُشبعة بالدم؟ وبعضاً من هذا الدمار الوحشي؟ هل كان يُمكن الحيلولة دون وقوعها تحت نير احتلال كلٍّ من إيران وحزب الله وروسيا والولايات المتحدة وتركيا والجهاديين بمختلف أطيافهم؟ لكن من المُلام يا ترى، عدا الضحايا الذين يُلقَون مكتوفين، في لُجّة من الدم!” وفق تعبيره.

التمرد ضرورة!

عمّار عبد الحميد، المحلل السوري والناشط المؤيد للديمقراطية المقيم في واشنطن، يرى أن النظام السوري هو من جعل التمرد ضرورة، وقال: “نزل الناس إلى الشوارع في سوريا لأنهم تعبوا من قمع وفساد النظام الحاكم، إذ إنهم كانوا ينتظرون إقدام بشار الأسد على إجراء إصلاحات جادة لتحسين نوعية حياتهم. بعبارة أخرى، كان قرارهم بالتمرّد ضرورياً بقدر ما كان شرعياً”.

وأضاف أنه بيد أن مجرد تساؤلنا عما إذا كان الأمر يستحق، يمحض النظام انتصاره المطلق من خلال دفعنا إلى التشكيك في شرعية قضيتنا، الهدف من هذا الإدراك المتأخر هو مساعدتنا على أخذ العبرة من أخطاء الماضي لتجنّب تكرارها في المستقبل، وليس لدفعنا إلى الشعور بالندم حيال ما حدث، وما يشعرني بالقلق أكثر ليس قرار التمرّد في حدّ ذاته، بل فشل المعارضة في إنتاج رؤية شاملة لمستقبل سوريا، وفي تأسيس هيئة محترفة قادرة على مواجهة التحديات السياسية للدبلوماسية المحلية والدولية.