العدسة_ مؤيد كنعان

دخول ستيف بانون، مستشار ترامب السابق للشؤون الاستراتيجية والمحسوب على اليمين المتطرف، والذي التقى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد منذ نحو شهر، على خط الأزمة بين دول الحصار وقطر، يعني أن الأزمة في طريقها للحل.

هكذا وبدون مقدمات تبدو أبرز الدلالات، ومن التصرفات تستكشف المآلات، ومن المعروف أن إلقاء أثقل الأوراق وأشدها يكون قبل نهاية اللعبة بقليل.

ظهور “بانون” في هذا التوقيت بهذا التصعيد الكبير على مستوى التصريحات، لدرجة تأكيده أن قطر الآن أخطر من كوريا الشمالية، يشير بوضوح إلى أن حل الأزمة المرتقب لن يكون كما أرادت دول الحصار أو خططت، لا نقصد هنا التخطيط للانتصار على قطر، بل التخطيط للخروج من تلك الأزمة بدون إراقة ماء الوجه، والفرق بين الأمرين كبير.

ستيف بانون و ترامب

“ستيف بانون” و “ترامب”

اعترافات

تصريحات ستيف بانون جاءت بمثابة اعترافات قد تبدو غير جديدة، لكن سردها بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت وفي ذلك المكان (مؤتمر “مواجهة التطرف العنيف: قطر وإيران والإخوان المسلمون”، استضافه معهد هدسون، وهو مركز بحثي معروف بميوله الصهيونية) يوحي بأن الأمور وصلت إلى حدها الحرج.

خلال المؤتمر المذكور، كشف “بانون” أنّ زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية، في مايو الماضي، كانت وراء الحصار المفروض على قطر، والتغييرات داخل المملكة نفسها، وأن قمة ترامب مع القادة العرب في الرياض، في مايو الماضي، كانت نقطة انطلاق التصعيد الإقليمي ضد قطر.

وقال بانون: “ذهبنا إلى القمة مع الإمارات والسعودية وغيرها، والشيء الأول هو أنّه يجب علينا أن نهتم بهذا التمويل للإسلام الراديكالي، وأنّه لا يمكن أن يكون هناك المزيد من ذلك، كما قال الرئيس ترامب”.

وتابع “لا يمكنك أن تكون على طريقين؛ لا يمكنك من جهة أن تقول إنك صديق وحليف، ومن جهة أخرى تموّل جماعة الإخوان المسلمين أو حماس”.

واعتبر بانون أنّ زيارة ترامب للرياض، أظهرت أنّ الرئيس الأميركي يرغب في الانخراط مع العالم الإسلامي، وأثبتت أنّ ترامب ومساعديه ليسوا من “الإسلاموفوبيين”.

وقال “لا أعتقد أنّها مجرد مصادفة أنّه بعد أسبوعين من هذه القمة، رأيتم الحصار الذي فرضته الإمارات والبحرين ومصر والسعودية على قطر”.

ووصف بانون الوضع في قطر بأنّه “القضية الأهم التي تجري حالياً في العالم”.

” ستيف بانون “

 

” الأمير تميم بن حمد “

 

الرئيس الفعلي

في فبراير الماضي، ظهرت صورة عملاقة لـ “بانون” على مجلة “التايم”، بعدها بساعات ناقش برنامج “مورنينج جو” الأسبوعي الجماهيري في الولايات المتحدة صورة المجلة، قائلا إن “بانون” هو الرئيس الفعلي لأمريكا وليس ترامب، قبلها بساعات أيضا كان “تريفور نوح”، _مقدم برنامج “ذا ديلي شو” خلفًا لجون ستيوارت، وهو برنامج سياسي أمريكي ساخر_، قد نفذ لعبة بعنوان “من هو الرئيس الفعلي”، وكان “ستيف بانون” على رأس القائمة.

بعد تلك التطورات أطل ترامب بتغريدة بدت منزعجة عبر حسابه على “تويتر”، مؤكدا أنه الرئيس الفعلي لإدارته وأن هناك وسائل إعلام تنشر الشائعات.

ووفقًا لتقرير مجلة “ذاي ديلي بيست” فقد ذكرت “نيويورك تايمز” في تقرير لها أن بانون قد وضع نفسه في مجلس الأمن القومي دون أن يطلع الرئيس على هذه الخطوة، كما أفاد تقرير لموقع “إي بي سي نيوز” أنه المهندس الفعلي والدافع بقرار حظر دخول المسلمين من 7 دول إلى الولايات المتحدة.

بانون والإمارات

كان لافتا أن يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن، هو أول المحتفين بتصريحات “بانون” ضد قطر، واصفا إياه بـ “المتحدث اللبق وصاحب الرؤية الثاقبة” في رسالة بريد إلكتروني مسربة جديدة له تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل.

قبل تصريحات “بانون” في مؤتمر “هدسون” بساعات، كشف موقع “مكلاتشي” الأمريكي أن دولة الإمارات وظفت شركة أمريكية لها علاقات وثيقة مع ستيف بانون، لشن حملة على دولة قطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع أنباء بأن “بانون” زار أبو ظبي، قبل شهر تقريبا، واجتمع بـ محمد بن زايد لساعات هناك.

” يوسف العتيبة “

بعد ربط الخيوط، نستطيع القول إن هذه دلالات ومآلات تصريحات “بانون” في مؤتمر “هدسون”:

– يبدو الأمر كمحاولة يائسة وغير متكافئة من الإمارات لإلقاء حجر في مياه الأزمة الراكدة، لتحريكها لصالحهم، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي غضبه من التعنت السعودي الإماراتي في الأزمة، بعد جولته الخليجية منذ أيام، قائلا: إن واشنطن لم تعد قادرة على فرض أي حل على أطراف الأزمة، بينما جدد وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن استعداد بلاده للحوار.

– تدخل “بانون” يأتي ربما لقطع الطريق على استكمال أية محاولة للخارجية الأمريكية لتنفيس الأزمة، وهذا التدخل وإرهاصاته ربما دفعت الإمارات والسعودية إلى مزيد من التصلب، اعتقادا منهما بأن موقف بانون يعد دعما غير مباشر من ترامب للرياض وأبو ظبي لاستكمال تصعيدهما ضد الدوحة، وهو ما قد يكون أغضب “تيلرسون”

– مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي عن غضبه وخيبة أمله، كان أمير الكويت يحذر، بدوره، من احتمالية تفاقم الأزمة الخليجية خلال الفترة المقبلة، بما يهدد أمن ومستقبل دول الخليج وشعوبها، قائلا إن “التاريخ وأجيال الخليج والأجيال القادمة وأجيال العرب لن ينسوا من يسهم ولو بكلمة في تأجيج وتصعيد الخلاف الخليجي”، وهنا يأتي “بانون” كهدف مشروع لحديث أمير الكويت، رغم أن تصريحات “بانون”جاءت بعده.

– ستيف بانون شرع في معركة تصفية حسابات مع ترامب والحزب الجمهوري، وبات له قواعد داخل الحزب، وهدد بخوض معركة الكونغرس في العام القادم بمرشحين منافسين لمرشحي الحزب في كافة الولايات والدوائر الانتخابية، وقياسا إلى المفاجأة التي حققها ترامب في الرئاسة قد نرى مثلها من بانون في الكونجرس، وهو ما سيغير توزان القوى داخل الإدارة الأمريكية مجددا، وربما تكون السعودية والإمارات في انتظار تلك اللحظة.

بشكل عام، لا يجب إغفال حقيقة أنه حتى بعد تصريحات “بانون” الأخيرة، أصبح موقف قطر أقوى، فمن يرون مرونتها أمام تشدد دول الحصار هم دول وحكومات إقليمية وعالمية، مقابل مستشار سابق لـ “ترامب”، ومثير للمشاكل داخل أمريكا نفسها، علاوة على نظرياته وممارساته المعادية للمسلمين بشكل عام، وليس “التطرف الإسلامي”، كما يحب أن يقول.

لا يجب أن ننسى موقف الأوروبيين شديدي الاستياء من التصعيد الخليجي ضد قطر، ومن ترامب نفسه، خاصة ألمانيا وفرنسا، وكذلك بريطانيا.

لكن رغم كل ما سبق، قد يشير ظهور بانون ـ الجديد على خط الأزمة ـ إلى ما يمكن اعتباره صراعا متجددا داخل الإدارة الأمريكية من التعاطي مع الأزمة الخليجية، وهو أمر إن لم يتم حسمه من الخارجية والبنتاجون سيتسبب في تفاقم الأزمة في أكثر نقاط العالم حساسية.