العدسة – جلال إدريس

من جديد عاد ملف السجون السرية بالإمارات يطفو على السطح في اليمن، وذلك بعد أن طالبت الحكومة اليمنية، في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي، قوات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية وحليفتها الإمارات، بتسليم كل أماكن الاعتقال والسجون السرية للسلطة الشرعية.

الحكومة اليمنية أكدت في رسالتها أن “قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية– التابعة للإمارات – لا تتبع للشرعية، وتحدث تمزقًا للمجتمع”، مؤكدةً أنها “طالبت قوات التحالف بالعمل على ضم قوات الحزام الأمني والنخبتين لسيطرة الحكومة الشرعية”.

الرسالة أعادت الحديث عن “السجون الإماراتية” في اليمن، وعما يحدث فيها من انتهاكات، وعن تورط التحالف العربي بقيادة السعودية، في الصمت على تلك السجون والانتهاكات، وكذلك تورط الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة تلك السجون.

ووفقا لتقارير حقوقية ودولية، فإن هذه السجون يتم الزج فيها بـ”المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وكذلك بعض المعارضين للتواجد الإماراتي والسعودي في اليمن، وكذلك يتم الزج فيها ببعض الحوثيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم في ساحات القتال، فضلا عن اعتقال المئات ممن يرفضون القتال إلى صفوف قوات التحالف”.

18 سجنا سريا جنوب اليمن

وبحسب تحقيق سابق نشرته وكالة “أسوشيتد برس”، قبل عدة أشهر، عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن تلك السجون تنتشر في المناطق المحررة في اليمن، والتي تسيطر عليها قوات تابعة لميلشيات مؤيدة للإمارات.

الوكالة أكدت في تقرير لها أنها وثقت وتحققت من حوادث لاختفاء مئات الأشخاص في هذه السجون السرية بعد اعتقالهم بشكل تعسفي في إطار ملاحقة أفراد تنظيم القاعدة.

وبحسب المعلومات التي أوردتها الوكالة، فإن هذه السجون كانت تشهد حالات تعذيب وحشية تصل إلى حد “شواء” السجين على النار.

وأقر عدد من المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بأن واشنطن شاركت في استجواب محتجزين في هذه المعتقلات السرية التي تشرف عليها قوات يمنية وإماراتية، وبأنها تستطيع الوصول بشكل دائم إليها، وهو ما قد يشكل انتهاكا للقانون الدولي.

وأوضح تحقيق “أسوشيتد برس” أن هذه السجون توجد داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، بل حتى في مبان سكنية.

وأشارت الوكالة إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنا سريا في جنوب اليمن، تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.

أمريكا تستجوب والإمارات تعذب!

تشير التقارير الحقوقية إلى أن عددًا من المسؤولين الأمريكيين في وزارة الدفاع الأمريكية، يشرفون على عمليات التحقيق مع المعتقلين في سجون “الإمارات” السرية، وبعضهم يحقق بنفسه مع المعتقلين، وتقدم أسئلة إلى آخرين للحصول على إجابات، وتتلقى ملفات التحقيق بالفيديو والصور من حلفائها الإماراتيين.

وتؤكد التقارير أن القادة العسكريين الأمريكيين على علم بمزاعم التعذيب في السجون باليمن، ولكنهم كانوا مرتاحين، لأنه لم يكن يحدث أي تعذيب في حضورهم.

لكن المثير في الأمر، أن الأمريكيين يشرفون على عمليات التحقيق، بينما يشرف مسؤولون إماراتيون على عمليات التعذيب ضد السجناء، ويبتكرون في طرق التعذيب، لاستخراج اعترافات وفيديوهات ملفقة.

وبحسب التقرير السابق لـ” أسوشيتد برس”، فإن المعتقلين في السجون اليمنية السرية بالإمارات يتعرضون لشتى أصناف وألوان العذاب، على يد خبراء متخصصين في الإيذاء والتعذيب البدني والنفسي.

وحسبما نقل موقع “الجزيرة نت”، فقد أكد سجناء سابقون في مركز احتجاز رئيسي بمطار ريان في مدينة المكلا الجنوبية، أنهم كانوا محاصرين في حاويات شحن تلطخ بالبراز وهم معصوبو الأعين لأسابيع، وأضافوا أنهم تعرضوا للضرب و”الشواء” والاعتداء الجنسي.

وبحسب أحد أفراد قوات النخبة الحضرمية -وهي قوة أمن يمنية أقامتها دولة الإمارات العربية المتحدة- فإن القوات الأمريكية كانت في بعض الأحيان على بعد بضعة أمتار فقط.

وتحدث محتجز سابق اعتقل لمدة ستة أشهر في مطار ريان عن صرخات المعتقلين وأجواء الخوف، فضلا عن إصابتهم بالأمراض، مشيرا إلى أن أي شخص كان يشكو يؤخذ إلى غرفة التعذيب.

ورغم أن جميع من قابلتهم “أسوشيتد برس” لم يقروا بأن المحققين الأمريكيين كانوا متورطين في التعذيب، فإن الحصول على المعلومات الاستخباراتية التي قد تأتي من خلال التعذيب من قبل طرف ثالث، يعد انتهاكا لقانون جنيف، وقد يرقى ذلك إلى جريمة حرب، وفق البروفيسور، ريان جودمان، من جامعة نيويورك.

تدهور صحة المعتقلين

وفي تقرير سابق نشره العدسة ، فإن كثيرا من المعتقلين في سجون الإمارات السرية باليمن قد تدهورت صحتهم بشكل كبير، جراء دخولهم في إضرابات مفتوحة عن الطعام، لإيصال صوتهم للعالم ووقف الانتهاكات المستمرة بحقهم.

ووفقا لمصادر يمنية، فقد تم نقل عدد من المعتقلين اليمنيين المضربين في سجن تديره أبوظبي في مدينة عدن إلى المستشفيات، وذلك في أكتوبر الماضي بعد تدهور حالتهم الصحية جراء الإضراب المفتوح عن الطعام الذي دخلوا فيه.

وقال مصدر من داخل السجن: إن “120 معتقلًا في سجن ما يعرف “بئر أحمد” غربي عدن، الذي تشرف عليها القوات الإماراتية المشاركة ضمن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، يعيشون ظروفا صعبة للغاية، بسبب الانتهاكات التي يتعرضون لها على مدى أكثر من عامين.

وأكد المصدر أن الإضراب تسبب في تدهور بعض المعتقلين الذين تم نقلهم إلى المستشفيات من قبل قوات أبوظبي وحلفائها المحليين، دون أن يكشف عن عددهم.

وزعم المصدر، أنه يتم معاملة السجناء الذي أعلنوا إضرابًا مفتوحًا عن الطعام قبل أيام، معاملة سيئة جدًّا، يتعرضون فيها لكل أساليب التعذيب النفسي والجسدي، والتي انتهت بوفاة أحد المعتقلين ويدعى “البراء”.

وأشار المصدر أنه تناوب على إدارة السجن، شخصيتان يمنيتان مواليتان لحكومة “أبوظبي”، الأول “عبدالله الفضلي” والحالي “غسان العقربي”، على حد تعبيره.

وقفات ونداءات بلا جدوى

وبين الحين والآخر تنظم أسر وأهالي المعتقلين في السجون السرية بالإمارات وقفات احتجاجية في عدن والمدن المحرر للمطالبة الذي تديره أبوظبي، وقفة احتجاجية في عدن، المدينة التي تتخذ منها الحكومة الشرعية مقرا لها، تضامنا مع أبنائهم الذين أعلنوا إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، قبل أربعة أيام، وسط تأكيدات بتدهور الأوضاع الصحية لبعضهم.

وطالب الأهالي في بيان صادر عنهم، بتقديم ذويهم للمحاكمة، وتحديد تهم ضدهم ومعاقبتهم أو إطلاق سراحهم.

وحمل البيان قوات التحالف العربي وأبوظبي والحكومة الشرعية المسؤولية الكاملة عن صحة وسلامة المعتقلين، خصوصا بعد تردي أوضاعهم الصحية جراء الإضراب ونقل جزء منهم إلى مستشفيات خارج السجن.

واتهم البيان إدارة السجن بممارسة انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين لإجبارهم على إنهاء الإضراب، محذرا من التمادي في الانتهاكات وحملتهم مسؤولية سلامتهم.

كما ناشدت الأسر والأهالي كل المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية بـ”إنقاذ حياة” المعتقلين المضربين عن الطعام في سجن بئر أحمد.

ورغم تلك الوقفات والنداءات، فإن الإمارات تواصل من التوسع في سجونها باليمن، وربما ستبدأ خلال الفترة المقبلة لنقل سجنائها من الإمارات نفسها إلى “اليمن”، حتى تخلي بلادها من انتهاكتها الواسعة لحقوق الإنسان، تماما كما كانت تفعل أمريكا مع بلدان أخرى.

ولا تتوقف الدعوات المطالبة بالتحقيقات في تلك الانتهاكات، ومن أبرزه ما دعت إليه منظمة العفو الدولية من إجراء تحقيق بقيادة الأمم المتحدة لدور الإمارات والأطراف الأخرى في إنشاء شبكة التعذيب “المروعة” وفي مزاعم استجواب الولايات المتحدة للمحتجزين أو تلقيها معلومات ربما تم الحصول عليها من خلال التعذيب، لكن بلا جدوى.