العدسة – معتز أشرف:
في تقدير موقف كاشف لمركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط، توقف عند القانون الرقم 10 الذي أصدره الديكتاتور السوري بشار الأسد بشأن الملكية، أثبت المركز أنه قانون جاء للاقتصاص من أعداء الأسد ومكافأة الموالين له، ودعا المجتمع الدولي إلى عدم إعادة إعمار سوريا في مثل هذا السياق، حتي لا يساعد أحد نظامًا يشنّ عمليات تطهير في حق شعبه.

خدعة جديدة!

مركز كارنيجي في تقريره الذي وصل ” العدسة ” يرى أنّ مع دخول نظام بشار الأسد المرحلة الأخيرة من حملته العسكرية لإحكام السيطرة على أجزاء رئيسة من سوريا، يُغيّر قوانين التخطيط المدني، ويرمي إلى خلق وقائع ديموجرافية جديدة، ويأمل على المنوال هذا في ترسيخ مكاسبه على الأرض وإعادة رسم وجه سوريا بشكلٍ يُلائم مصالحه، موضحًا أن المثال الأخير على هذه السياسة هو القانون الرقم 10 الذي أصدره الأسد في الثاني من نيسان/أبريل، والذي يجيز لمدن وبلدات في أنحاء سوريا كلها، بتخصيص مناطق تقع ضمن حدودها الإدارية للتنمية أو إعادة الإعمار، وإنشاء شركات تطوير عقاري تُشرف على تصميم مثل هذه المشاريع وتنفيذها، في خطوة هي الحلقة الأخيرة في سلسلة تعديلات تشريعية تهدف إلى مصادرة أملاك بعض السوريين بشكل دائم، ومكافأة الموالين للنظام..
وأشار إلى أنَّ أكثر ما يثير القلق حول القانون رقم 10 هو ما يترتب عليه في مسألة حفظ حقوق الملكية، وتحديدًا ملكية اللاجئين. وبموجبه، يُفترض بأصحاب الملكية أو شاغليها أن يقدّموا ما يُثبت ملكيتهم، سواء كانت صكوك ملكية أو عقود إيجار، في غضون شهر من تاريخ إدراج منطقتهم في إطار هذا القانون وصدور مرسوم تطويرها العقاري، وبعدها، تُقدَّر قيمة الممتلكات قياسًا على أسعار السوق الحالية، ويُمنح المالكون أسهمًا تتماشى مع القيمة المقدّرة لملكياتهم في شركة عقارية حديثة الإنشاء، وتعود ملكيتها إلى القطاعين الخاص والعام، ولا يملك المالكون موارد الطعن في هذه التقديرات- وهي في أجواء النزاع الحالي أدنى كثيرًا من قيمتها في السوق، وكذلك، ينص القانون الرقم 3 على شروط مماثلة- وهو صدر في العام 2018 ويُعنى بمسألة إزالة الأنقاض والمباني المتضررة في أصقاع سوريا.

خطة ممنهجة

هي خطة ممنهجة بحسب التحليل الصادر عن مركز كارنيجي، الذي أوضح أن القانون الرقم 10 هو امتداد للمرسوم التشريعي الرقم 66 الصادر في العام 2012 لـ”تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي” في أنحاء سوريا. ويقدّم هذا المرسوم نموذجاً ملموساً لكيفية تطبيق القانون الرقم 10 من طريق تحديد منطقتين تنظيميتين في دمشق وجوارها- بساتين الرازي في منطقة المزة في العاصمة، ومنطقة أوسع تشمل بلدات تمتد من داريا والقدم في الشرق- للتطوير في مشاريع قيمتها ملايين الدولارات وتعكس صورة جذابة لدمشق في المستقبل، حيث أجاز المرسوم الرقم 66 مصادرة أراضٍ مدرّة للربح، وتدمير مساكن عشوائية في بساتين الراز، ويقع مثل هذه المساكن في مناطق أُنشئت فيها الوحدات السكنية على أرض لا يملك شاغلوها فيها حقوقًا قانونية أو حقوقًا مثبتة، أو حيث المساكن تخل بخطط التنظيم المدني وقوانين البناء، وكان معظم السكان نازحين ريفيين انتقلوا إلى العاصمة منذ الستينيات وصاعدًا، وهم لا يملكون أي إثبات يوثق ملكيتهم للأرض أو المنازل حيث يعيشون- وستصبح مناطقهم موقع مشروع تطوير عقاري أطلق عليه اسم “ماروتا”. وتتولى إدارة هذا المشروع- وهو ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص- شركة دمشق الشام القابضة، التي أنشأتها محافظة دمشق ويُموّلها مستثمرون من القطاع الخاص مقابل أسهم في المشروع، واستحوذ رجال أعمال تابعون للنظام على معظم الأسهم.
وأشار التحليل إلى أنّ هذا المشروع يوحي بوهم التحسين المدني، غير أن نقل آلاف من أفقر سكان العاصمة، ومنح عقارات من الدرجة الأولى للبورجوازية المدنية الثرية وصفوة الطبقة الوسطى، يُشكّلان سويا محاولة تطهير سياسي واجتماعي-اقتصادي، فيما كانت المناطق التي سيطالها القانون في صدارة الاحتجاجات على النظام في العام 2011، ومواقع التمرّد المسلّح في العام 2012، وكذلك، فإن مناطق داريا والبلدات الشرقية التي شُرِّعت على إعادة التطوير كانت مراكز التظاهرات في أول أيام الانتفاضة وصارت معاقل المعارضة المسلّحة، وحوصر سكان هذه المناطق طوال سنوات، وغادر معظمهم بسبب اتفاقات استسلام فرضها النظام، ونُزعت منهم منازلهم من دون توفير سكن بديل، ولم يشمل المرسوم 66 منطقة عشوائية أخرى تقطنها في الغالب جماعات موالية للنظام السوري، على غرار المزة 86.
وأضاف أنه تم الإعلان عن شركة قابضة مماثلة لدمشق الشام- ولكنها أوسع نطاقًا- في محافظة حمص، وهي منطقة تمتد من الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية وهي غنية بالمعادن وغيرها من الثروات؛ حيث ساهم المرسوم التشريعي الرقم 19 الصادر في 30 أبريل 2015، في تيسير إنشاء هذه الشركات، فهو يجيز للبلدات والمدن إنشاء شركات قابضة خاصة لإدارة الأصول والممتلكات المدينية أو المناطقية، ويشمل المرسوم، فيما يشمل، تشييد البنى التحتية، ومنح رخص البناء، وإدارة المعاملات المالية في البلدات والمحافظات، وستتولّى شركات فرعية تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص، تنفيذ هذه المهام.

طلب المستحيل

وأشار التقدير إلى أن عودة ملايين اللاجئين إلى سوريا لإثبات ملكياتهم على ما ينص القانون الجديد الرقم 10- هذا إذا توفّرت هذه الإثباتات- هي بمثابة مهمة انتحارية، فالذكور مطلوبون من النظام بتهمة الفرار من التجنيد الإجباري، في وقت يُرجّح أن السجن ينتظر غيرهم بتهم المشاركة في نشاطات معارضة، وثمة سوريون لا يملكون ما يثبت ملكياتهم، وبالتالي من المستحيل تقديم الأدلة عليها، وأُكْرِه كثيرون على الفرار من سوريا بسبب النزاع في مناطقهم من دون حمل أوراق ثبوتية، ومنها سندات الملكية. والتحدي ضخم في محافظة مثل حمص، حيث لم يتبقَ من سكان ما قبل النزاع سوى 26 إلى 50 %.
وأضاف أنّ الذي يفاقم صعوبة الأمور تحديات قانونية وثيقة الصلة بحقوق الملكية، فقبل النزاع، حيث كان ما يقارب 40 % من السوريين يعيشون في مناطق سكن عشوائية، وعليه، كانت حيازتهم سندات قانونية معترفًا بها تثبت الملكية، محدودة، وفي القوانين الجديدة، تميل الكفة نحو الشكليات القانونية الرسمية في حقوق السكن والأرض والملكية، ويقوض هذا الانحياز حقوق وحياة ملايين من السوريين المقيمين في العشوائيات، وبالنسبة إلى سوريين آخرين، يترتب على ضعف آليات فرز وتقسيم المناطق وتطبيق قوانين التنظيم المدني في مرحلة ما قبل النزاع، عدم تسجيل ملكياتهم رسميًا، في وقت لا يزال كثيرون منهم يملكون صكوكًا تعود إلى العهد العثماني أو الفرنسي، وبالنسبة إلى المتحدّرين من مناطق لحقها ضرر كبير وتغيّرت السجلات العقارية فيها، يطيح القانون الرقم 10 أي أمل في العودة والمطالبة بملكياتهم.

4 أهداف

وبحسب تقدير الموقف فإن حاجات سوريا إلى إعادة الإعمار ضخمة، ويُرجّح أن تناط بالقانون الرقم 10 أدوار متعدّدة في هذا الصدد حيث يقدّر البنك الدولي أن حوالى 30 % من الوحدات السكنية تدمّرت جزئياً أو كلياً، وتشير التقديرات إلى أن كلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 100 مليار دولار و350 مليار دولار، وهذه فاتورة تتجاوز قدرات سوريا، في وقت لم يُبدِ أي من حلفائها أو المجتمع الدولي استعدادًا لتسديدها، إلا أن القانون الرقم 10 يخدم أربعة أهداف من وجهة نظر النظام، فهو، أولاً، يسمح له بالبدء في أنشطة إعادة الإعمار في مناطق محددة من سوريا يملك فيها مصالح استراتيجية سياسية أو اقتصادية، وثانيًا، يعزّز القانون هذا آليات غربلة النظام للعائدين وقدرته على مصادرة أصول معارضيه السياسيين، أما اللاجئون الذين يعتبرهم النظام خونة في الغالب، فهذا القانون يفاقم خطر نزع ملكياتهم ودوام بقائهم في المنفى، وثالثًا، يسمح هذا القانون للنظام بترسيخ قاعدة نفوذه من طريق إسكان الموالين له في المناطق الاستراتيجية، وكذلك، يشكّل هذا القانون، في الوقت نفسه، أداة تمنع عودة من قد يكون في المستقبل مصدر مقاومة. وأخيرًا، يوفّر هذا القانون إمكانيات در الأموال لتمويل أنشطة النظام، سواء كانت عسكرية أم لا، ومكافأة الموالين له عبر السماح لهم بشراء حصص في مشاريع عقارية قيّمة بأسعار أدنى من أسعار السوق، وقد يُفوَّض رجال أعمال مقرّبون من النظام بإعادة إعمار وتطوير هذه المناطق.
وأوضح التقرير إلى أنّ المناطق الثلاث التي اختيرت لتطبيق القانون الرقم 10 لا تترك مجالاً للشك في أنه سيُستخدم لمعاقبة معارضي النظام، وبحسب حسين مخلوف، وزير الإدارة المحلية، هذه المناطق هي باب عمرو والسلطانية وجوبر في حمص، ومناطق سكن عشوائي في حلب وفي منطقة حرستا شرق الغوطة، على مقربة من دمشق، وهذه المناطق كلّها كانت نواة معارضة نظام الأسد وفرضت عليها الحكومة استراتيجية الحصار والتجويع، وأُخلي باب عمرو من سكانه كلّهم، وسُوّي بالأرض، وتشير تقارير إلى أنه تم التلاعب بالسجلات العقارية لسلب المالكين ممتلكاتهم، وهو ما يراه التقرير يضعف الأمل في تحقيق مصالحة وطنية مستقبلية في سوريا، ويُعبِّد الطريق أمام اقتلاع سكاني واسع النطاق.