تدفع الفصائل والحركات الفلسطينية بشكل جاد في إتمام مصالحة حقيقية تؤدي في نهايتها إلى إخراج قطاع غزة المحاصر من عزلته المفروضة عليه قسرا.

وازدادت نغمة التفاؤل بنجاح هذه المصالحة بحضور حكومة الوفاق الفلسطيني بقيادة رامي الحمد الله إلى القطاع وعقد أول اجتماع لها منذ 2014 في غزة.

لكن الخطاب الصادر عن الحمد لله اعتبره البعض مخيبا للآمال بعد دعوته العالم والولايات المتحدة لرفع الحصار عن غزة ورفضه اتخاذ قرارات من جانبه في هذا الاتجاه، وتأجيل تلك القرارات إلى ما بعد اجتماعات القاهرة المرتقب عقدها منتصف الأسبوع المقبل.

تشير المعطيات إلى أن حماس قدمت كل ما لديها لكن السلطة لازالت تتعامل بحذر وتتباطأ في اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تعيد اللحمة إلى الشعب الفلسطيني وترفع الحصار عن غزة، ما ينبئ بأن المستقبل القريب ربما يشهد بعض العقبات أمام إتمام تلك المصالحة.

تخوفات من تصدير العقبات

يشير طلال نصار الناطق باسم الائتلاف العالمي لنصرة القدس إلى أن الأجندات الخارجية وغير الوطنية ربما تكون أبرز المعوقات التي يمكن أن تقف أمام إتمام المصالحة.

واعتبر “نصار” خطاب الحمد الله خلال اجتماع الحكومة في غزة مخيبا للآمال وأضاف: “كنا نأمل من الحمد الله أن يتحدث عن إجراءات حقيقية لكنه رفض اتخاذ قرارات بحاجة إلى توقيعه، فيفتح المعبر وترفع المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني وتأتي الكهرباء ويتم مد وزارة الصحة بما يلزم للمرضى ودمج موظفي غزة مع موظفي السلطة”.

واستنكرفي تصريحات خاصة للعدسة الحديث الذي يدور حول سلاح المقاومة، مشيرا إلى أن “الجميع يعتبر السلاح خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال”، وطالب السلطة الفلسطينية أن تعود إلى رشدها بعيدا عن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

ويرى مخلص برزقعضو هيئة علماء فلسطين في الخارج أن الاختلاف على الهدف من المصالحة والدافع إليها هو الذي يعيقها، فبرنامج طرفي المصالحة مختلف إلى حد التضاد، بين من يتبنى مشروع المقاومة لتحرير الأرض المغتصبة وبين من يتبنى خيار السلام مع المحتل، بالإضافة إلى وجود اختلاف في توصيف الثوابت والمتغيرات لدى الطرفين إلى الدرجة التي لا يمكن تخيل برنامج مشترك لأي حكومة منهما يمكن أن يلبي تصورات كل طرف.

وبالعودة إلى تاريخ المصالحات المتعثرة يقول “برزق”: “يمكننا بسهولة معرفة الطرف المعرقل لها ودوافعه التي كانت تنطلق من الرضوخ للعوامل والضغوط الخارجية والتي ازدادت ولم تنحسر كما أن الظروف الدولية والإقليمية الحالية التي تغري بتطويع حركة حماس وتركيعها سيفتح شهية محمود عباس وهو ما سيجعل المطالب منها تعجيزية، ولن تستطيع تلبيتها إلا إن رضيت بالانتحار طوعا”.

الموقف الأمريكي الإسرائيلي

لكن المحلل السياسي الفلسطيني صلاح الدين العواودة اعتبر أن أهم معوق أمام المصالحة هو الموقف الإسرائيلي والأمريكي وما يتناغم معه من موقف فلسطيني أو عربي بما في ذلك مصر، والذي يتمثل باستبعاد حماس من السلطة ونزع سلاح المقاومة، وبالتالي ستواجه المصالحة خطر تجميد الأموال والحصار الاقتصادي للحكومة والسلطة على الأقل من جهة إسرائيل.

من ناحية أخرى يرى العواودة أن هناك تخوفا من السلطة نفسها بأن يتشبث عباس بموضوع المصالحة تحت تأثير إسرائيل والأطراف الإقليمية والدولية ويدخل مع حركة حماس في مكاسرة بشأن سلاح القسام والمطالبة بنزع هذا السلاح وقد يتم افتعال أحداث أمنية هنا أو هناك لإثارة النزاع أو اشتباكات مسلحة بين عناصر عسكرية من الطرفين لتصبح هناك مطالبة بنزع السلاح حتى يتجنب الفلسطينييون القتال.

ويوافق هذا الرأي أيضا المحلل السياسي الفلسطيني محمد مشينيش الذي صرح “للعدسة” بأن أهم إشكالية في الوقت الحالي هي كيفية إدارة العلاقة بين سلاح المقاومة في القطاع ووضع آلية له مع الحكومة خاصة في ظل وجود رغبة عالية في أن يتم إدخال هذا السلاح تحت سيطرة جهاز الأمن الفلسطيني.

وأشار إلى وجود إشكاليات أخرى من بينها الموظفون الذين تم تعيينهم خلال عشر سنوات ماضية وجدية الحكومة في حل أزمة الكهرباء.

دحلان.. الوجه القبيح

ومما يزيد التشابك والتخوفات المتصاعدة وجود محمد دحلان المدعوم من بعض الدول العربية التي تعتبر حماس حركة إرهابية داخل تلك المصالحة.

ويبرز هنا الدعم الإماراتي والمصري والسعودي لدحلان الذي يسعى من خلاله للعودة إلى غزة لأنه لا يستطيع العودة إلى الضفة في ظل وجود عباس.

وربما لم يظهر دحلان حتى الآن في الصورة لكنه ليس ببعيد عنها بحسب “العواودة” الذي يرى أن دحلان لم يتخل عن خططه للوصول إلى السلطة مشيرا إلى وجود علاقات قوية بينه وبين قيادات في فتح وداخل اللجنة المركزية للحركة ينتظرون اللحظة التي يتخلصون فيها من عباس لمبايعة دحلان.

وأشار إلى أن حركة حماس اضطرت للتحاور معه في ظل الحصار الخانق المفروض عليها من مصر وعباس.

أما “برزق” فاعتبر أن اللقاء الذي جمع بين دحلان وحماس في القاهرة قبل شهرين أدى إلى استشاطة غضب أبو مازن الذي خشي أن يسحب البساط من تحته، فاتجه إلى تركيا للتلميح للسيسي بأن لديه خيارات بديلة عنه، وهو ما جعل السيسي يتجاوب بسرعة مع أبو مازن كي لا يفقد فرصة سانحة لجني ثمار حصار قطاع غزة.

وأضاف: “ولا يعني ذلك أن دحلان لن يكون له نصيب وافر إن سارت الأمور كما يخطط لها، وسيتم فرضه مصريا وإماراتيا على بنود أي اتفاق أو توافق بين الأطراف المتخاصمة”.

 ضغوط إسرائيلية

وفي ظل هذه التخوفات عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رفضه المصالحة بدون الاعتراف بإسرائيل وحل الجناح العسكري لحركة حماس وقطع علاقتها مع إيران.

وتخوف العواودة من ابتزاز إسرائيل عباس لإفشال المصالحة والضغط عليه للمطالبة بنزع سلاح حماس وبالتالي يقع صدام بين الحركتين، بالإضافة إلى الضغط على حماس للاعتراف بإسرائيل، مستبعدا في الوقت ذاته أن يشن الاحتلال حربا في القطاع خلال الوقت الحالي.

فيما يرى “مشينيش” أن الكيان الصهيوني يريد القول من خلال المناورات التي يجريها على حدود غزة بأنه مستعد لشن حرب مهما كان الثمن وأنه لن يقف مكتوف الأيدي تجاه أي تحركات تمس أمنه.