إسرائيل تنتقد “السلام البارد” مع مصر

في تصعيد جديد، شنت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى مصر، أميرة أورون، هجومًا حادًا على القاهرة، متهمةً إياها بإدارة “سلام بارد” مع إسرائيل، في ظل تصاعد الغضب الشعبي تجاه الاحتلال، خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة.

جاء ذلك في دراسة بحثية نشرها معهد “ميتفيم” الإسرائيلي، أعدتها أورون بمشاركة البروفيسور إيلي بودا، حيث زعمت أن الخطاب المصري شهد فترات تقارب مع إسرائيل، لكن حرب غزة أعادت العداء الإعلامي تجاه تل أبيب إلى مستويات غير مسبوقة.

وأشارت الدراسة إلى أن مصر، رغم توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، لم تقدم صورة إيجابية عن الكيان الصهيوني في وسائل إعلامها أو مناهجها الدراسية، بل استمرت في نشر “صور سلبية عن إسرائيل والصهيونية”، وصلت إلى حد بيع “بروتوكولات حكماء صهيون” في المكتبات المصرية، وهو ما اعتبرته دليلًا على استمرار معاداة السامية في المجتمع المصري.

كما انتقدت الدراسة تناول الإعلام المصري للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مؤكدة أنه ينحاز بشكل كامل للفلسطينيين ويتجاهل “الضرر الذي يلحق بالإسرائيليين”، على حد زعمها.

تناقض نظام السيسي 

رغم هجوم الدراسة الإسرائيلية على الإعلام المصري، فإنها لم تخفِ الدور الذي يلعبه النظام المصري في حماية الاحتلال، مشيرة إلى أن القاهرة تؤدي دور الوسيط الدائم بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وتسهم بشكل رئيسي في ضبط الأوضاع داخل قطاع غزة.

وأوضحت أن النظام المصري، على الرغم من السماح بانتقادات حادة لإسرائيل في الإعلام، إلا أنه في الواقع يعمل على تأمين الحدود مع الكيان المحتل، ويمنع تصعيد المقاومة، ويدير وساطات متكررة لوقف إطلاق النار، مما يعكس تناقضًا صارخًا بين خطابه الإعلامي وسياساته الفعلية.

كما أشارت الدراسة إلى محاولات مصرية لتعديل صورة إسرائيل في المناهج الدراسية، حيث قامت وزارة التربية والتعليم المصرية في عام 2018 بإدخال تعديلات شملت إزالة بعض التعبيرات السلبية تجاه اليهود، وتعزيز قيم “التعايش والسلام”. 

لكن بحسب الدراسة، فإن هذه الجهود تراجعت بشكل حاد بعد اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، حيث تصاعدت النبرة المعادية لإسرائيل في وسائل الإعلام المصرية، واحتلت القضية الفلسطينية حيزًا كبيرًا في المشهد السياسي والإعلامي المصري، مما زاد من فتور العلاقات بين الطرفين.

الشعب المصري يرفض التطبيع والنظام يسير عكس إرادته

كشفت الدراسة أن صورة إسرائيل في الإعلام المصري تستند إلى عدة محاور رئيسية، من بينها تصويرها كدولة استعمارية متغطرسة، تتجاهل القانون الدولي، وتمارس العنف المفرط ضد الفلسطينيين. 

كما أشارت إلى أن الإعلام المصري يعكس مخاوف شعبية حقيقية من الدور الإسرائيلي في زعزعة استقرار المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمخططات التهجير القسري لسكان غزة نحو سيناء، وهي النقطة التي أثارت غضبًا واسعًا في الشارع المصري.

وبينما تحاول الحكومة المصرية الموازنة بين التزاماتها تجاه الاحتلال الإسرائيلي وموقفها الرسمي من القضية الفلسطينية، فإنها تجد نفسها في مواجهة رفض شعبي قوي لأي شكل من أشكال التطبيع. فقد ظلت المشاعر المعادية لإسرائيل متجذرة في الشارع المصري، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تظهر رفضًا واسعًا للعلاقات مع إسرائيل، حتى بعد مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع اتفاقية السلام.

ويبدو أن هذا التناقض بين النظام والشعب هو ما يثير قلق الدوائر الإسرائيلية، حيث تختتم الدراسة بالإشارة إلى أن إسرائيل، رغم نجاحها في بناء علاقات وثيقة مع بعض الأنظمة العربية من خلال اتفاقيات التطبيع الأخيرة، فإن الرأي العام في هذه الدول يظل قوة مؤثرة لا يمكن تجاهلها، محذرةً من أن استمرار تصاعد العداء الشعبي تجاه إسرائيل في مصر قد يشكل عائقًا أمام أي تطور في العلاقات الثنائية.

خلاصة: نظام يهادن الاحتلال وشعب يرفضه

تكشف الدراسة الإسرائيلية الأخيرة مدى القلق داخل الأوساط الصهيونية من تصاعد الخطاب المناهض لإسرائيل في مصر، وهو ما يعكس حقيقة أن التطبيع الرسمي لا يعكس الإرادة الشعبية.

فبينما ينخرط النظام المصري في سياسات تحافظ على أمن الاحتلال وتمنع تصعيد المقاومة، يواصل الشارع المصري التعبير عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، في مشهد يعكس حجم الفجوة بين السلطة والشعب.