العدسة– معتز أشرف:
ظهور لافت للأب في أكثر من فعاليات مؤخرًا، وتأخّر للابن وتصريحاته.. وجاء تصريح الملك سلمان عن “الأخذ بنهج الحوار والتصالح والتسامح” ليظهر الخلاف الجذري مع ابنه “محمد” الذي أعلن سياسة الصدام والصدمة.
نسلط الضوء على الصراعات في القصر بين الأب وأبيه، وفق ما ظهر من شواهد وتحليلات.
تناقضات ملفتة!
في تناقضات ملفتة ظهر الأب وابنه يتبادلان الاختلافات، وآخرها تصريح الحوار والتصالح والتسامح الذي أدلى به الملك سلمان بن عبد العزيز خلال استقباله وفد العلماء المشاركين في المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين في أفغانستان، ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية “واس”، عرض الملك سلمان خلال الاستقبال لأفكاره عن حل المشاكل بالتصالح والتسامح، موضحًا أهمية الأخذ بنهج الحوار والتصالح والتسامح “وفق ما يمليه علينا ديننا الإسلامي”.
وعلى الخلاف كان ابنه الأمير محمد، ولي العهد السعودي، يدافع في وقت سابق بوضوح عن الصدام والتهور في سياساته الاقتصادية والدبلوماسية في المملكة والإقليم، قائلًا: إنَّ السعودية كانت تحتاج إلى “علاج بالصدمة” لمواجهة الفساد وموجات التطرف الديني. كما أشار إلى أنَّ ما جرى كان ضروريًا لتحقيق أهداف البلاد ومواجهة أعدائها مثل إيران، على حدّ تعبيره، وذلك في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ولم يكن تناقض التصريحات ملفتًا، بل والقرارات كذلك؛ ففي مطلع العام الحالي وبعد أيام من سريان قرار المملكة بزيادة برفع أسعار البنزين المحلية وفرض ضريبة القيمة المضافة الذي يقف وراءه الابن ضمن خطته الاقتصادية، قرَّر الأب الملك سلمان بن عبد العزيز، صرف بدل غلاء معيشة شهري للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين لمدة سنة.
ووفقًا للمرسوم الملكي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، أصدر الملك سلمان هذه الأوامر بعدما أوضح له نجله وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، أنَّ التدابير الأخيرة “تزيد الأعباء على بعض المواطنين”!!، فيما قالت وكالة ( بلومبيرج)الأمريكية: إن ذلك “كان تفاديًا لوقوع اضطرابات شعبية”، مضيفة أنّ هذه القرارات تُظهِر في الوقت نفسه كيف يُعاني حكام السعودية لتحقيق التوازن بين الحاجة لتفادي الاضطرابات الشعبية واتخاذ الخطوات الصعبة والضرورية للتقليل مما يرَى صانعو السياسات والاقتصاديون أنَّه اعتمادٌ غير مستدام على العائدات النفطية.
وعقب حملة اعتقال الأمراء في السعودية في أواخر العام الماضي، ظهرت صور للملك سلمان بن عبد العزيز وهو يقبِّل يد شقيقه والد الأمير الوليد بن طلال المعتقل ضمن حملة السلطات وقتها التي أشرف عليها ابنه محمد بن سلمان للتحقيق في مزاعم بقضايا فساد، ووفق الصور التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ظهر الملك سلمان وهو ينحني ويقبّل يد شقيقه الأمير طلال بن عبدالعزيز “خلال عزاء شقيقته الأميرة مضاوي بنت عبدالعزيز”.
ولم يتوقف الأمر عند تقبيل يد الأخ، بل تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة على نطاق واسع، صورًا تظهر الملك سلمان مع الملياردير الأمير الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وزير الحرس الوطني السعودي السابق، بعد إطلاق سراحهما، في محاولة لتخفيف الاحتقان الذي حدث بسبب قيادة ابنه للحملة بصورة مهينة للأمراء، وفق ما يتردد.
وفي يونيو 2017 كشف تقرير عربي أنَّ العائلة الحاكمة في السعودية تشهد انقسامًا وخلافات حادة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنَّ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لا يعلم شيئًا عن الحملة ضد دولة قطر، وأنَّ من يديرها هو نجله محمد بن سلمان والمخابرات السعودية والإماراتية، موضحة أنَّ انقلابًا ناعمًا ووشيكًا ستشهده الرياض، سيتم خلاله استبعاد الأمير محمد بن نايف وآخرين، وهو ما حدث بالفعل في وقت لاحق.
وصول مثير
علامات استفهام كثيرة أحاطت تولي الملك سلمان العرش بعد أخيه عبد الله، رغم أنَّ سلمان يبلغ من العمر 79 عامًا، إذ وُلد في 31 ديسمبر عام 1939 ويقال إنه مصاب بمرض الزهايمر، وفي بعض الأحوال ظروفه الصحية لا تناسب دوره كملك، وقد أصيب بجلطة دماغية في وقت سابق، ولضمان استمرارية الحكم تم الإعلان عن خليفته في فبراير عام 2013 الأمير مقرن بن عبدالعزيز، قبل أن يصل له ابنه محمد بعد الإطاحة بالأميرمحمد بن نايف.
ووفق مراقبين، فإنَّ وصول محمد بن سلمان إلى العرش مسألة وقت، على اعتبار أن أباه مجرد استراحة بين مرحلتين؛ مرحلة كان فيه الأب يدعم وهابية الدولة والمؤسسة الدينية وصورة السعودية المتشددة، ومرحلة جديدة أعلن عنها الابن تتحدث عن علمنة الدولة السعودية بكافة الصور.
ويتحدث المتابعون للوصول المثير لابن سلمان إلى سدة القرار في ولاية العهد، بأنَّ صراع القصر حاضر في تفاصيل هذا الصعود، الذي جاء بقوة وسرعة أدَّت إلى تخوف البعض في داخل العائلة المالكة من الاندفاع الكبير لدى الأمير الشاب، لاتخاذه قرارات مهمة تتعلق بأمن السعودية وسياستها الخارجية، ولجهة إظهار نفسه على أنه الأمير الكفْء القادر على إدارة وقيادة البلاد أكثر من الأمراء الذين يكبرونه سنًا، وتوظيف ذلك في سياسته وسياسة والده الملك سلمان لتهيئة الظروف من أجل وصوله إلى رأس هرم السلطة في السعودية على حساب باقي الأمراء من أبناء العمومة، وهذا ما نجح فعلًا الملك سلمان فيه.
وفي أغسطس 2017، كشفت تقارير صحفية عربية وسعودية عديدة عن تأخر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن مصافحة والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بعد إجازته في المغرب، وأظهر مقطع الفيديو الخاص بوصول سلمان، أنَّ نجله الأمير محمد بن سلمان وولي عهده، لم يكن أول شخص يستقبله على باب الطائرة، ولم يكن أول مصافحيه، وهو ما أثار حديثًا واسعًا عن سرّ التأخر والصراع الدائر، رغم أنَّ صحف الموالاة تحدثت في سياق آخر في التعتيم على ذلك الصراع.
وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية منذ أواخر العام الماضي عن احتمالية تنحِّي الملك سلمان بن عبد العزيز لصالح ابنه، محمد بن سلمان، وهو ما أكده تقرير صدر عن “معهد شؤون الخليج” في واشنطن، أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يخطط للتنازل عن العرش لصالح ابنه، فيما يرَى متابعون للشأن السعودي أنَّ الأمير محمد بن سلمان يتصرف في الوقت الحالي، وكأنه الحاكم الفعلي. مشيرين إلى إمكانية أن يقدم الملك سلمان بن عبد العزيز على خطوة أخرى يمكن أن تجعل الأمير الشاب ملكًا للسعودية أثناء وجود والده على قيد الحياة.
مستقبل غامض
ورغم التطمينات الرائجة بوصول “ابن سلمان للعرش، لكن هناك مستقبل غامض، قد يبدّد كل شيء، وفي هذا الإطار حذر جهاز الاستخبارات الألمانية الخارجية مما وصفه بـ”سياسة الاندفاع والتسرع” في التدخل للقيادة الجديدة في السعودية التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار في العالم العربي، حسب ما جاء في تقرير تحليلي لأوضاع المنطقة.
ووفق المعهد البولندي للشؤون الدولية في تقرير له عن تقييم الأداء العام لتوجهات المملكة الخارجية خلال العام 2017، فإنَّ “سياسة السعودية الخارجية الجديدة لا تخلو من المخاطر”، محذرًا من المخاطر المترتبة على بعض القرارات التي تم اتخاذها من قبل الرياض على يد الأمير الشاب، فيما أكّد أن الكثيرين داخل الإدارة الأمريكية الحالية- رغم التنسيق الواضح مع الرياض- يعتريهم قلق شديد قرارات الأمير المتهورة.
وفي تقدير موقف نشره المعهد المصري للدراسات، يشكّل وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد البداية الفعلية لانتقال الحكم في السعودية من جيل أبناء المؤسس إلى جيل الأحفاد، وإظهار الصراع الداخلي إلى العلن، مؤكدًا أنَّ المرحلة المقبلة مرهونة بترابط داخل الأسرة المالكة؛ حيث يرى البعض أنَّ وصول سلمان جنّب المملكة صراعًا متوقعًا بين أجنحة العائلة المالكة، فيما يرى البعض أنه بداية النهاية، ما يعني أنَّ الصراع تحت الرماد، وأنه يتحرك في انتظار الوقت المناسب.
اضف تعليقا