في الوقت الذي يغازل فيه الرئيس الفرنسي اليمين المتطرف في بلاده بتصريحاته المسيئة للإسلام، تلقي ماكرون مؤخراً صفعة مدوية أثناء استقباله للرهينة الفرنسية صوفي بترونين، التي كانت محتجزة لدى جماعات جهادية شمالي مالي، حيث فاجأت الرهينة الفرنسية الجميع بمن فيهم  ماكرون والفريق المصاحب له، بإعلان تحولها للدين الإسلامي وتغيير اسمها إلي “مريم” بدلاً من “صوفي”، ما دعا الرئيس الفرنسي لإلغاء كلمته المقررة، والانسحاب سريعأً، في مشهد رآه كثيرون يعبر عن حجم الصدمة التي تلقاها الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له إزاء هذا الموقف.

من”صوفي” إلي “مريم”

وفي تطور لافت، أعلنت الرهينة الفرنسية صوفي بترونين التي كانت محتجزة في مالي، إسلامها فور وصولها أراضي بلادها.

ونقل موقع “Révolutionpermanente.tr” الفرنسي عن بترونين، قولها إنها ستدعو وتطلب “البركة من الله من أجل مالي”، مؤكدة أنها أصبحت مسلمة واسمها الجديد “مريم”.

وأضافت لوسائل إعلام: “بعد فرنسا، سأذهب إلى سويسرا، ثم أعود إلى مالي لأرى ما يحدث هناك”، وأوضحت أمام الكاميرات: “تقولون صوفي.. لكن أمامكم مريم”.

وأثار إعلان إسلام آخر رهينة فرنسية في العالم غضب اليمين المتطرف، وموجة جديدة من معاداة الإسلام، بحسب ما أظهرت تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأتي الإفراج عن”صوفي” بعد صفقة أجرتها فرنسا بمساعدة الحكومة المالية تضمنت الإفراج عن صوفي بيترونين، بالإضافة إلى سومايلا سيسي، الزعيم السابق للمعارضة البرلمانية والمرشح 3 مرات للانتخابات الرئاسية بمالي، إلى جانب الإيطاليين نيكولا تشياتشيو وبيير لويغي ماكالي، في مقابل إطلاق سراح ما يزيد عن مئتي معتقل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة في مالي، ودفع فدية مالية ضخمة للجماعة الجهادية.

وبالرغم من نفي الإليزيه في بيانه الصحافي صراحة دفع أي مبالغ مالية من جهته، إلا أن صحيفة “لوموند” الفرنسية أشارت إلى أن الفدية المالية التي دفعت، وفق جميع المطلعين على ملف التبادل، كانت ضخمة جداً، لكنها أشارت إلى أنه لم يتم إثبات قيمتها بعد. ونقلت عن أحد المصادر تأكيده: “لتحرير الرهائن، يتطلب الأمر قاعدتين لا تتغيران: الإفراج عن معتقلين ودفع فدية”.

وقال أحد المفاوضين للصحيفة: “حسب معلوماتي، تم صرف 6 مليارات فرنك أفريقي [9.1 ملايين يورو] بعد ذلك في باماكو”.

كذلك كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، نقلاً عن مصدر مطلع أن عملية التبادل، والتي شملت الإفراج عن 206 “جهاديين” ودفع ملايين اليوروهات، كانت “بإشراف مباشر من الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا” الذي أزيح عن السلطة إثر انقلاب عسكري قبل أشهر.

وبحسب الصحيفة فقد تضمّنت الصفقة “كوادر جهادية تابعة لتنظيم القاعدة”.، من بينهم الموريتاني فواز ولد أحمد، الملقب بـ”إبراهيم 10″، الذي اعتقل عام 2016، وبينهم أيضا الموريتاني الملقب بـ “أبو دردار”، الذي اعتقلته لقوات الفرنسية عام 2014؛ وميمي ولد بابا، الذي اعتُقل في يناير/كانون الثاني 2017 في مالي.

تصريحات مسيئة

وتأتي هذه الحادثة في الوقت الذي دأب فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علي إصدار تصريحات معادية للإسلام بين الحين والآخر، حيث قال ماكرون في خطاب له مؤخراً إن: “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم”، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.

جاء ذلك بالتزامن مع استعداد ماكرون لطرح مشروع قانون ضد ما يسميه الانفصال الشعوري، بدعوى مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية.

من جهته قال الأكاديمي البريطاني إتش. إيه. هيلير إن حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أزمة بين المسلمين في فرنسا، هو أحدث مثال على أن سياسيي الوسط في أوروبا أصبحوا يتوددون لليمين المتطرف.

وأضاف هيلير الباحث المشارك في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي –في مقال له بموقع “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركي- أن تصريحات ماكرون عن المسلمين في بلاده هي مجرد محاولة لجذب الناخبين اليمينيين قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2022، حيث يواجه منافسة قوية من زعيمة التجمع الوطني اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي لا تخشى إلقاء اللوم على المسلمين في كل فرنسا، مشيرا إلى أن ماكرون يلوّح بالتشدد ضد الإسلام في بيئة سياسية شعبوية على حساب الأقلية المسلمة الفرنسية المحاصرة بالفعل.

وأكد هيلير أن ماكرون ربما يكون مؤمنا حقا بما يقول عن المسلمين، لكن هذا لا يهم، بل ما يهم هو أن الكثير من السياسيين البارزين في الاتحاد الأوروبي، لم يعودوا يترددون في إلقاء اللوم على الأقليات المسلمة في المشكلات الاجتماعية، من أجل الحصول على المزيد من الأصوات.

وأوضح الكاتب أنه قبل عقدين من الزمان، لم يكن بين السياسيين -باستثناء اليمينيين المتطرفين- من يقول إن الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم وإن الحجاب “لا يتوافق مع حضارة بلدنا”، لكن ماكرون قال ذلك قبل عامين.

ونسب “هيلير” إلى ريم سارة علوان الخبيرة القانونية الفرنسية بجامعة تولوز1 كابيتول، ملاحظة أن ماكرون لم يذكر مرة واحدة خطر التفوق الأبيض واليمين المتطرف، على الرغم من أن النظرية العنصرية المزعومة “للبديل العظيم” قد تم تطويرها في فرنسا، واستخدمها الإرهابي الذي ارتكب المذبحة المروعة في كرايست تشيرش بنيوزيلندا.

تأديب تركي 

ورداً علي تصريحات ماكرون المسيئة والتي هاجم فيها الإسلام، وبخ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام، معتبرا إن تصريحاته تعد “استفزازا صريحا وتفتقد للاحترام”.

واعتبر أردوغان في كلمة بفعالية بالمجمع الرئاسي، حديث الرئيس الفرنسي عن إعادة هيكلة الإسلام بأنه “وقاحة وقلة أدب”.

وقال بهذا الخصوص: “تصريح ماكرون بأن الإسلام متأزم، في مدينة ذات كثافة سكانية مسلمة، استفزاز صريح فضلًا عن كونه قلة احترام”.

وأشار الرئيس التركي إلى أن العديد من الدول الغربية أصبحت “راعية للعنصرية ومعاداة الإسلام”، ولفت أردوغان إلى أن الذين يتهربون من مواجهة العنصرية وكراهية الإسلام يرتكبون أكبر إساءة لمجتمعاتهم.

وأشار أردوغان إلى أن سموم العنصرية والتمييز والإسلاموفوبيا تنتشر في البلدان الغربية، حيث تتعرض أماكن عمل المسلمين في البلدان الغربية إلى هجمات فاشية كل يوم تقريباً، كما تتعرض النساء المسلمات إلى اعتداءات لفظية وجسدية في الشوارع والأسواق والمدارس بسبب حجابهن، نتلقى كل يوم تقريباً أخبارا عن اعتداءات وهضم للحقوق وإخراج من العمل لأهلنا لكونهم من الأتراك والمسلمين”.

وتابع: “إلى جانب المسلمين تتأثر المجموعات الأخرى ذات الهوية العرقية والمظاهر والانتماءات الدينية المختلفة أيضًا بمثل هذه الممارسات، ويستهدف إرهاب النازيين الجدد، مواطنينا والمهاجرين الأفارقة والآسيويين، والمسلمين “.

وأكد الرئيس أردوغان أن الهجمات التي تستهدف المساجد وصلت إلى أبعاد لا يمكن تصورها في البلدان الغربية، وأوضح أن الهجمات التي تطال قيم ومقدسات المسلمين يتم تجاهلها تحت ذريعة حرية الفكر.

ولفت الرئيس التركي إلى أن المجرمين الذين يهاجمون المساجد وأماكن عمل المسلمين “لا تتم حتى ملاحقتهم”، وأضاف أن كيانات النازية الجدد، نظمت نفسها بحرية داخل الجيش وقوى الأمن، والإعلام الغربي كأنما يؤدي دور العلاقات العامة لتلك التنظيمات.

وأكد أن الدول الأوروبية تتخذ مواقفها وفقاً لمرتكبي الأعمال الإرهابية، ولفت أردوغان إلى أن مهاجمة المسلمين باتت أحد أهم الوسائل التي يستخدمها السياسيون الأوروبيون من أجل التغطية على فشلهم، وبعض الرؤساء ورؤساء الوزراء يتجهون الآن إلى هذه السياسة الرخيصة التي طبقتها الجماعات الفاشية في السابق لجمع أصوات الناخبين، وماكرون أصبح آخر اسم ينضم إلى هذه القافلة”.