ربى الطاهر       

الفشل، الفقر، العجز، المرض… أسباب كلها قد تجعل من يعانيها يقدم على الانتحار.. وعادة ما يتخيَّل البعض أن الأثرياء يتمتعون بالطبع بالنجاح الباهر، ولا يشكون من آلام الفقر، وبالتالى فلا شىء يعجزهم، ولديهم من الأموال التي تمكِّنهم من علاجهم في حالة المرض.. لذا فمن غير المعقول عدم إقبالهم على الانتحار.

إلا أن الواقع يثبت دائمًا عكس الافتراضات التى يضعها الإنسان كنظريات وقواعد؛ فالسعادة هى سر الاكتفاء الروحي بما تؤتي به الحياة… والمال ليس سببًا في تحقيق هذه السعادة، ولذلك فليس كل ذي مال سعيد، وهذه الحقيقة أكدتها قصص حياة الكثير من مليارديرات العالم الذين ملّوا الترف وانتهت حياتهم بالوحدة والاكتئاب وبأزمات نفسية حادة انتهت بهم وللأسف إلى الانتحار.

ومن أشهر تلك القصص المروِّعة والمزلزلة قصة الملياردير البريطاني بيتر لورنس سميدلي، رجل الأعمال الشهير والذي كان يملك ثروة طائلة وممتلكات لا تُحْصى، ومنها أشهر فنادق بريطانيا، والذي انتحر بمساعدة أسرته  أمام الكاميرا بعدما اتجه مع أسرته لإحدى العيادات المختصة بالانتحار بعدما تقدّم به السن، وأصيب بمرض العصاب الحركي ورفضه العلاج، وقرر الانتحار بمساعدة زوجته بعد أن أصيب باكتئاب حادّ.

وقد وُجِد الفنان والمليونير روين وليامز الممثل الكوميدي الحاصل على جائزة أوسكار مشنوقًا في منزله بعد أن  شنق نفسه بحزام بنطلونه  بعدما عانى الوحدة والانعزال عن الناس رغم شهرته وثروته الطائلة.

وهذه كريستين أوناسيس ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس التي وُجِدت ميتة على أحد الشواطئ الأرجنتينية، بعدما تناولت عددًا من الحبوب المنومة.

وكذلك الملياردير وعازف البوب العالمي مايكل جاكسون الذي عاش نهاية حياته وحيدًا بلا أصدقاء يثق فيهم تحت حراسة دائمة ومشددة  أصابته بالاكتئاب والقلق وانتهت بالانتحار.

وفارون يونغ المغني الأمريكي وعازف الريف الذي انتحر عام 1996 بطلق ناري في الرأس.

ديندار بيكرام ولي عهد نيبال الذي انتحر بعدما أطلق النار على جميع أفراد أسرته.

 الموت الرحيم

والأدهى من ذلك أن عددًا ليس بالقليل من أغنياء العالم بات يسافر إلى سويسرا طلبًا للموت الرحيم، حيث يسمح هناك بوجود عيادات طبية مختصة بهذا الغرض، والتي تدور حولها شبهة الابتزاز للأغنياء قبل مساعدتهم على الانتحار، ومنهم رجل الأعمال والملياردير سايمون بينر الذي ذهب لعيادة مختصة هناك حيث أنهى حياته فيها.

ففي مقال كاشف للكاتب باتريك فوستر، مراسل ذا تليجراف البريطانية، اتهم فيه هيئة الإذاعة البريطانية بتحريض المواطنين على الانتحار بعد بثّها فيديو انتحار الملياردير  سايمون بينر، وقالت الإذاعة: إن الفيديو جزء من فيلم وثائقي يتم إعداده وعنوانه الموت على طريقة سايمون ومدته 90 دقيقة، وقد عاني الملياردير المذكور من مرض عصبي منعه من الكلام، وعجز عن علاجه، فأنهي حياته في هذه العيادة  في نفس يوم ميلاده.

 

  المليونير دائمًا وحيد

وببحث أسباب انتحار الكثير من المليارديرات لاحظ الباحث ابريك  كراي، أن أغلبهم عانوا اكتئابًا شديدا ووحدة وانعزالًا شبه تام عن كل الناس ، وأنهم كانوا يخشون إقامة علاقات من أصدقاء أو ناس عادية، لأسباب ذكرها في دراسة له نشرها موقع اميزنغ جوي، قال فيها: إن وحدة المليونيرات ترجع لصعوبة حصول المليونير على صديق حقيقي يثق فيه يتعامل معه لشخصه ودون أطماع في ثروته.

وفي دراسة بعنوان المخاوف السرية لمليونيرات العالم نشرها موقع أتلانتك أكدت أنّ نسق وطبيعة حياة الأثرياء التي تفرض عليهم مسئوليات ضخمة وساعات عمل شاقة والمرور بأزمات كثيرة وخوفهم على عائلتهم، تصيبهم دائمًا بالقلق والاكتئاب والأمراض النفسية والعصبية التي تفقدهم لذة وجمال الحياة الطبيعية التي يتمتع بها الفقراء رغم امتلاكهم كل أسباب الترف والسعادة التي يحلم بها الفقراء.

 سياحة الانتحار

تعتبر سويسرا واحدة من أكثر الدول التي يسمح فيها بتلك السياحة المشئومة أو سياحة الموت، حيث تنتشر بها عيادات الانتحار بمساعدة الغير، لعدم وجود تشريعات بها تجرم هذا الفعل وتعتبر قِبلة للكثير من أغنياء العالم الراغبين في إنهاء حياتهم عن طريق مشروب قاتل يشربونه في إحدي العيادات.

ويقدم المنتحر على الموت، لفقدانه الرغبة في الحياة أو لإصابته بالشيخوخة أو بمرض عضال، أو لأنه ملّ وشبع من الحياة، أو لمروره بأزمات نفسية شديدة عجز عن تجاوزها، أو لكثرة الأعباء والمسئوليات التي يتحملها؛ فهو يعيش دائمًا وحيدًا ومحملًا بالمخاوف.

ومن هذه المؤسسات أو العيادات السويسرية التي تسهل الانتحار الاختياري للراغبين مؤسسات مثل: Dignitas  و Exit وترى تلك المؤسسات أن حق الإنسان في إنهاء حياته هو حقه الإنساني الأخير، وأنه ينبغي أن نحترم رغبة هؤلاء الأشخاص في التخلص من حياتهم، وأن نعاملهم باحترام ودون ازدراء.

وأنها تساعد المرضى الذين تتوافر لديهم رغبة أكيدة في الموت، وتؤكد أن الحق في الموت لابدَّ أن يُحترم.

وفي عام 2014 تقدمت 583 حالة لمركز كانتول بازل الذي يجري هذه العملية فسمح بالانتحار الاختياري لـ 60 حالة فقط.