العدسة: محمد العربي

في تمام الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة من صباح الأربعاء الموافق 14 أغسطس 2013، انطلقت أول رصاصة من قوات الانقلاب العسكري تجاه المعتصمين السلميين بميدان رابعة العدوية، ومع كل رصاصة يطلقها جنود رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي، كانت هناك رصاصات من نوع مختلف في وسائل الإعلام التي سخرها الإنقلاب ضد الرئيس محمد مرسي ومناصريه، وبعد 11 ساعة متصلة من القصف البري والجوي انتهت واحدة من كبري المجازر البشرية في التاريخ راح ضحيتها طبقا للتقارير الرسمية المصرية أكثر من 1300 قتيل، بينما أشارت تقارير حقوقية أخري أن الرقم يصل إلي ثلاثة آلاف ما بين قتيل وجريح، بخلاف آلاف أخري من المعتقلين.

وبعد خمس سنوات من المجزرة التي مازالت حية في الضمير الإنساني، فإن لعنة رابعة العدوية أصابت أطراف كثيرة سواء من الذين شاركوا في هذه المجزرة، أو من الذين أيدوها ودعموها وهللوا لها من أنصار السيسي، وفي السطور القادمة نستعرض أبرز الذين أصابتهم لعنة مجزرة رابعة العدوية:

البداية علمانية يسارية

كانت بداية اللعنة مع واحد من الذين دعموا الاتقلاب العسكري وقدموا له غطاءا شرعيا علي أمل أن يكون علي رأس السلطة بتوافق الأحزاب العلمانية وهو الدكتور محمد البرادعي ورغم أن الرجل استقال من منصبه كنائب للرئيس المؤقت عدلي منصور، بعد المجزرة مباشرة وهرب من مصر، إلا أن التاريخ لن يغفر له أن كان سببا في الانقلاب العسكري وداعما له، حتي لو اعترف بخطأه بعد ذلك.

وقد تعرض البرادعي لحملة تشويه ممنهجة من الإعلام الإنقلابي وصفته بالجبن والعمالة، ثم تطورت الحملة إلي قانونية باتهامه بالخيانة في بلاغات رسمية كانت سببا في وضعه علي قوائم الترقب، ومع كل تغريدة للبرادعي يفضح فيها مسئولية نظام السيسي عن مجازر رابعة كلما ازدادت الحملة ضده والتي كان آخرها شطبه من جداول نقابة المحامين والمطالبة بنزع الجنسية المصرية منه.

ثم امتدت اللعنة لواحد من أكثر الذين دعوا المجزرة وبرروها وقدموا لها كل الضمانات القانونية والرسمية ودافعوا عنها كرها وشماتة ليس في الذين قتلوا بل في التيار الإسلامي ككل، وهو الدكتور حازم الببلاوي رئيس أول حكومة بعد الإنقلاب، وهي الحكومة التي أصدرت قرارا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

وقد تم الترويج للببلاوي باعتباره المنقذ للاقتصاد المصري وأن الإخوان رفضوا أكثر من مرة الاستعانة به، وقد منح الببلاوي تفويضا قانونيا لكل من وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة لشئون الأمن وقتها عبد الفتاح السيسي ومعه وزير الداخلية محمد إيراهيم تفويضا بفض اعتصام رابعة العدوية، ولم يمضي علي الفض ستة أشهر حتي تحول منقذ الاقتصاد المصري إلي واحد من أفشل الذين تولوا الحكم بمصر، وبسبب سياسته الاقتصادية خرجت المظاهرات المطالبة بإقالته بعد محاصرته بمقر حكومته، وشنت الصحف حملة شرسة علي الببلاوي وحكومته الإجرامية أدت لإقالتها بشكل مهين في ابريل 2014، لتكون أول من يدفع ضريبة المجزرة.

الوزير المجرم:

وامتدت اللعنة لتصل إلي واحد من أهم الشركاء في المجزرة وهو اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الذي وضعه السيسي في مقدمة المشهد باعتبار أن الشرطة هي التي قامت بالفض مع دعم محدود من القوات المسلحة، ونتيجة لذلك شعر إبراهيم أنه شريك حقيقي وليس دمية في مسلسل الإنقلاب وما تلاه، وبالتالي خرجت تصريحاته الإعلامية بأنه شريك في إنجاز 30 يونيه و3 يوليو و14 أغسطس، وانه مستمر في مكانه وزيرا للداخلية إلي آخر عمره وأن السيسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2014 لن يجرؤ علي إزاحته، إلا أن السيسي لم يصبر كثيرا علي الوزير الهش، وقام بإقالته بشكل مهين في مارس 2015 وعين مكانه اللواء مجدي عبد الغفار الذي كان يعمل مسئولا عن تأمين مقر الأمن الوطني.

الشيخ الشرير

ومن أكثر الذين لحقهم دم الشهداء في رابعة العدوية شيخ الجامع الأزهر احمد الطيب، والذي قدم للانقلاب غطاء شرعيا لم يكن يحلم به، ومع أول ساعات تولي السيسي لمنصبه كان شيخ الأزهر هدفا مميزا لمرمي نيران السيسي وإعلامه، حيث اتهمه السيسي بأنه يقف كحجر عثرة أمام تطوير الخطاب الديني، ليفتح الباب أمام وسائل الإعلام لكسر الهيبة التي بذل الشيخ مجهودا كبيرا في صناعتها لشخصه، وبدلا من أن تتلاقي خطط السيسي مع الطيب بعلمنة الأزهر، كانت الحملات المنددة بتصرفات الشيخ تتصاعد الواحدة تلو الأخري، إلي الحد الذي وصل لبعض اتباع السيسي بوصف الشيخ بأنه داعم للإرهاب، وقدم آخرون تشريعا يسمح بعزله، ولم يجد الطيب مفرا من مواجهة الحملة سوي بالانعزال في قريته بمحافظة الاقصر، وهرغم أن العزلة هدأت من الحملة ولكنها في الوقت نفسه نالت من هيبة الأزهر وشيخه.

هنا المجلس العسكري

وربما كان من أكثر الذين أصابتهم اللعنة هم شركاء الدم الحقيقيين، والمقصود بهم هنا أعضاء المجلس العسكري الذين منحوا السيسي قوة لم يكن يطمع فيها في الانقلاب علي الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعاملوا مع السيسي باعتباره مندوبا لهم في مؤسسة الرئاسة، وهم يمثلون مجلس الحكم، ولكن الرجل خيب ظنهم، رافعا شعار ان من ينقلب لمرة سوف يكررها بعد ذلك حتي مع المقربين منه، وبالتالي بدأ السيسي يتخلص منهم الواحد تلو الآخر رغم تحصين القانون لهم من العزل إلا انه مارس معهم نفس اللعبة التي مارسها مع رئيسه المنتخب، ولم تمض أشهر قليلة حتي كان محمد العصار مهندس الإنقلاب خارج المشهد العسكري بتعينه وزيرا للإنتاج الحربي، ثم عزل عبد المنعم التراس قائد الدفاع الجوي ومعه أحمد وصفي وأسامة عسكر قائدة الجيشين الثاني والثالث، وكانت الضربة الكبري بعزل محمود حجازي العقل المفكر للانقلاب والذي كان يثق به السيسي ثقة كبيرة، ما دفعه لتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة بعد انتخاب السيسي رئيسا للجمهورية وتصعيد صدقي صبحي وزيرا للدفاع، ولكن تنازع الطموح دفع بالسيسي للتخلي عن أشد المقربين منه من أجل الحفاظ علي مجرم الداخلية الجديد مجدي عبد الغفار، وإن كان السبب الظاهري لإقالة محمود حجازي في أكتوبر 2017 هو حادث الواحات الذي راح ضحيته 15 ضابطا، إلا أن المقربين من الأحداث يؤكدون ان حجازي الذي كان قبل إقالته بالولايات المتحدة قدم نفسه كبديل للسيسي يستطيع إنهاء حالة التوتر السياسي التي تشهدها مصر.

وكان آخر الذين أصابتهم رابعة بلعناتها رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الفض ثم وزير الدفاع بعد ذلك، الفريق أول صدقي صبحي الذي كان أحد أهم أسباب نجاح انقلاب السيسي، بفرض قبضته علي القوات المسلحة وسماحه للقوات الجوية والمجموعات القتالية المعنية بمواجهة الإرهاب في المشاركة باعمال الفض، ودعمه لكل خطوات السيسي الرامية للقضاء علي مخالفيه وخاصة جماعة الاخوان المسلمين، ولذلك كانت إقالته لا تقل سوءا عن أفعاله، حيث فوجئ بقرار إقالته ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية ومعاملته كأي ضابط صغير في القوات المسلحة.

الكنيسة تتحدث

وكما أصابت اللعنة أحمد الطيب شيخ الأزهر، امتدت للأنبا تواضروس الثاني بابا الأقباط، والذي تشهد كنيسته حالة من الارتباك والصراع وصلت لحد قتل أسقف دير أبو مقار علي يد أحد الرهبان، ومحاولة راهب آخر الانتحار، وتصاعد الحديث عن صراعات فكرية عاصفة داخل الكنيسة وصلت لحد اتهامات الرهبان لبعضهم البعض بالخيانة والكفر وسرقة اموال التبرعات، وهو ما أدي لاهتزاز المجتمع القبطي بشكل لم تشهده الكنيسة من قبل، مع توقعات للمتابعين بأن تزداد مشاكل الكنيسة التي كان له دورا كبيرا في دعم إنقلاب السيسي.

إعلاميون فاشلون

ومن ضمن الذين أصابتهم اللعنة مجموعة من الإعلاميين الذين هللوا لعملية الفض واتهموا الشهداء بالمتطرفين وشوهوا حقيقة ما حدث لتجميل وجه السيسي والذين حصلوا قبل أيام من حلول الذكري الخامسة للفض علي استمارة استغناء مهينة، ومن أبرزهم تامر عبد المنعم وتامر أمين والمعتز بالله عبد الفتاح وعمرو الليثي، ومن قبلهم آخرون تم إجبارهم من البداية علي ترك الإعلام السياسي والتوجه للإعلام الترفيهي مما أفقدهم البريق الذي صنعوه خلال حكم مبارك وثورة 25 يناير، وكان من أبرزهم محمود سعد وإبراهيم عيسي ومني الشاذلي، بينما تم حجب الإعلام المصري عن عمرو أديب الذي انتقل للإعلام الخليجي، بينما مازال الوضع غامضا مع زوجته لميس الحديدي الذي حصلت علي إجازتها السنوية والتي ربما سوف تمتد لإجازة مفتوحة.