العدسة – معتز أشرف

جدل بين السلطات المصرية ومنظمة “هيومان رايتس ووتش”، حول الوضع في سيناء، فبين توثيق المنظمة الحقوقية إلى الأزمات المستمرة في أرض الفيروز التي تتطلب إغاثة عاجلة، أكدت منابر عسكرية ومدنية للديكتاتور عبدالفتاح السيسي أن الأمور على ما يرام، وأن المنظمة مغرضة، لكن الأزمة ذات صوت زاعق، وثقها في فترات أخرى نواب ومنابر محسوبة على النظام نفسه وهو ما نرصده.
أزمة إنسانية
في تقرير مطول من منظمة “هيومان رايتس ووتش”، قالت المنظمة: “إن حملة الحكومة المصرية ضد فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضًا بـ”داعش”) في شمال سيناء، خلّفت ما يصل إلى 420 ألف شخص في 4 مدن في شمال شرق البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، منذ 9 فبراير 2018، وعلى الحكومة توفير الغذاء الكافي لجميع السكان، والسماح الفوري لمنظمات الإغاثة مثل “الهلال الأحمر المصري” بتوفير الموارد لتلبية الاحتياجات الحرجة للسكان المحليين”.
وأضافت أن الحملة العسكرية ضد “داعش” في شمال سيناء فرضت قيودًا صارمة على حركة الأشخاص والسلع في جميع أنحاء المحافظة تقريبًا، ونقلت المنظمة التي تلاحقها السلطات المصرية عن السكان قولهم إنهم “شهدوا انخفاضًا حادًّا في الإمدادات المتاحة من المواد الغذائية، والأدوية، وغاز الطهي، وغيرها من السلع التجارية الأساسية، كما حظرت السلطات بيع أو استخدام البنزين للمركبات في المنطقة، وقطعت خدمات الاتصالات أحيانًا لعدة أيام متواصلة، وقطعت السلطات أيضًا المياه والكهرباء بشكل شبه كامل في معظم المناطق الشرقية من شمال سيناء، بما في ذلك رفح والشيخ زويد”.
وكشفت “هيومن رايتس ووتش” ظواهر كثيرة للتعتيم الإعلامي إلا أنها أشارت إلى مقابلتها لعاملين اثنين بالإعلام، يعيشان في شمال سيناء، و13 من سكان شمال سيناء أو أقاربهم، منهم ناشطان، واستعرضت مشاهد فيديو، وصور الأقمار الصناعية، وبيانات رسمية، وتقارير إعلامية، وتدوينات على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وخلصت إلى أنه إذا استمر المستوى الحالي من القيود على الحركة، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة إنسانية أوسع في منطقة هي أصلًا مهمشة اقتصاديًّا، ولا تزال تعاني من العمليات العسكرية المستمرة وهدم المنازل، حيث قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “أي عملية لمكافحة الإرهاب تعرقل وصول السلع الأساسية إلى مئات الآلاف من المدنيين، هي غير قانونية، ومن المستبعد أن تنهي أعمال العنف، تنحو أعمال الجيش المصري إلى العقاب الجماعي، وتكشف الفجوة بين ما يدعي الرئيس عبدالفتاح السيسي أنه يفعله نيابة عن المواطنين والواقع المشين”.

“كله تمام”!

وبالتعبير الحكومي الدارج في المؤسسات المصرية، ظهرت عبارة “كله تمام يافندم” بكثافة، عقب تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الموثق، حيث استنكر العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، المتحدث العسكري للقوات المسلحة، تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الأخير، مؤكدًا أنه جاء مغايرًا للحقيقة تمامًا، ومعتمدًا على مصادر غير موثقة، في سرده للتفاصيل عن العمليات في سيناء، موضحًا في تصريحات إعلامية أن القوات المسلحة توفر كافة السلع الأساسية وتتعامل مع أية طوارئ قد تستجد، وتقوم القوات المسلحة بالتنسيق بصورة مستمرة مع كافة الوزارات المعنية لتوفير الاحتياجات الإدارية والطبية للمواطنين بمناطق العمليات، مؤكدًا أن القوات المسلحة تقوم أيضًا بتامين وصول الشاحنات المحمله بالمواد الغذائية الطازجة ومنتجات الألبان للأهالي، فضلا عن توزيع الحصص الغذائية على الأهالي بمناطق العمليات، وفتح العديد من منافذ الخدمة الوطنية لتوفير أية منتجات غذائية أخرى.

وأشار إلى أن بيانات القوات المسلحة، تضمنت فقرات مصورة عن توزيع آلاف الحصص الغذائية على الأهالي في مناطق العمليات، حيث توزع آلاف الحصص اليومية، بالإضافة لتوفير الأمصال الدوائية والمستخدمات الطبية، وتأمين الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية الطازجة ومنتجات الألبان بصفة مستمرة للوصول إلى الأهالي، كما أن حركة الأهالي لا يوجد بها أي نوع من التضييق، ولكن يوجد فقط إجراءات أمنية لضمان عدم انتقال أية عناصر إرهابية.

بالإضافة إلى إن القوات المسلحة نسقت مع العديد من وسائل الإعلام لعمل معايشة للعملية الشاملة على أرض الواقع، والتواصل مع المواطنين في موضوعات تم نشرها وفق ما قال.
اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء، دخل على الخط الساخن في مصر، زاعمًا أن “الأهالي يعيشون حياة طبيعية”، مؤكدًا أن “القوات المسلحة تهتم بتأمين مواطني المحافظة، خلال عملية التخطيط لتنفيذ العملية الشاملة بسيناء”، مؤكدًا أنه تم افتتاح قاعدة تجارية بالقنطرة (شرق) وقاعدة تجارية داخل مدينة العريش، ويتدفق يوميًّا نحو 37 طنًا من المواد الغذائية، وتوزيعها بأسعار مخفضة لمواطني شمال سيناء، من خلال القوات المسلحة، كما يوجد طريق شركة السلع الغذائية ووزارة التموين لضمان التدفق شبه اليومي لجميع المتطلبات اليومية من السلع الغذائية والخضروات والجبن والبيض والدواجن على مدار اليوم، حيث يدخل المحافظة ما يقرب من 100 طن يوميًّا، وعبَّر -في مزايدة واضحة- عن الزيادة المفرطة في الأشياء قائلا: “السمك مش لاقين اللي يشتريه.. والكهرباء متوفرة، والدواء متوفر في الصيدليات والمستشفيات الحكومية”، وبعبارة أخرى: “كله تمام”!.

وزير التموين علي مصيلحي لم يفوت هو الآخر الفرصة، ودخل في كادر الصورة، حيث زعم أن “الإسقاطات التي ذكرها التقرير غرضها واضح”، مؤكدًا أن أهالي سيناء أكدوا على شعورهم بالأمن أكثر مما يشعرون به في الفترة الحالية، مؤكدًا أن الأسبوع الأول من عملية سيناء 2018، كان به نقص في بعض المواد الغذائية الطازجة، لكنه تم التنسيق مع قوات الأمن ومحافظ شمال سيناء لتوريد الخضروات الطازجة ومنتجات الألبان بعد ورود شكاوى من الأهالي، في اعتراف واضح بوجود أزمة، مشيرًا إلى إدخال عدد (21) عربة محملة بالألبان والسلع الغذائية والتموينية أسبوعيًّا، وأصبحت المواد الغذائية بشمال سيناء يتجاوز توافرها أية محافظة أخرى في الجمهورية، وعن نقص الدقيق، نفى نقص جرام دقيق واحد، والخبز متواجد بوفرة، وتم تحضير المخازن المتواجدة في العريش وبئر العبد لتوفير الخبز.
أين الحقيقة؟!

في تقرير حديث لجريدة الحياة اللندنية، التي لا تصنف بموقف سلبي من النظام المصري، أبرزت ما أسمته “جهودًا رسمية لمواجهة أزمات السكان في محافظة شمال سيناء، بالتزامن مع العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018» للقضاء على الإرهاب”، أشارت إلى الأزمات التي تناولها تقرير “هيومان رايتس ووتش”، ونقلت عن النائب عن مدينة العريش، حسام رفاعي، تسميته لعدد من الأزمات التي وصفها بأنه يعاني منها أهالي سيناء، ومنها: “إغلاق الطرق ومحطات الوقود، ومنع بعض السلع”، وأشار، في شهر فبراير الماضي، إلى «تأكيد مستشاري الرئيس حل هذه الأزمات في أقرب وقت ممكن»، ما يعني أنها كانت مستمرة حتى هذا الوقت.

أزمة أخرى، وهي أزمة طلاب الشهادة الثانوية في نطاق محافظة شمال سيناء، من بينها إتاحة مواقع إلكترونية لمتابعة الطلاب دروسهم، بعد أن أعلنت الوزارة تعطيل الدراسة في مدارس العريش كافة، بالتزامن مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة في 9 فبراير الماضي، حيث أعلن وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، وقتها، بحث الوزارة عن حلول.
الأزمة ببعض ما رصدته منظمة “هيومان رايتس ووتش” جاءت في بيان برلماني عاجل تناول “تفاقم المعاناة وارتفاع أصوات أهالي شمال سيناء”، فيما وعد رئيس البرلمان على عبدالعال نواب سيناء بالتدخل والتواصل مع قيادات الجيش والشرطة؛ من أجل رفع المعاناة عن أهالي سيناء خلال تنفيذ العملية العسكرية.

البيان العاجل الذي قدمه نائب شمال سيناء رحمي بكير، كان بشأن ما يواجهه أهالي المحافظة؛ بسبب العملية التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة، وقال النائب “بكير” فيه: “إن أهالي سيناء يؤيدون جهود القضاء على الإرهاب، ولكن هناك العديد من المشكلات التي تؤثر على المواطنين المقيمين فيها، من بينها نقل الطلاب من محافظة شمال سيناء إلى محافظات السويس والإسماعيلية وبورسعيد، وهو ما يمثل صعوبة عليهم، بالإضافة إلى معاناة مئات المرضى الذين أصبحوا ممنوعين من الخروج والدخول من وإلى سيناء”، فيما طالب “بكير” الحكومة بضرورة تسهيل الدخول والخروج من وإلى سيناء؛ حرصًا على مصالح المواطنين.
الأزمة السيناوية قديمة في البرلمان كذلك، ففي يناير 2017، أثار أعضاء مجلس النواب عن محافظة شمال سيناء، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، اليوم الاثنين، عددًا من الملفات الأمنية المتعلقة بأهالي المنطقة، إذ طالبوا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن ما تشهده سيناء، وإخلاء سبيل أبنائها المحتجزين من غير المتورطين في أحداث عنف.
وبحسب تقارير متواترة، فلم تشهد المناطق الشرقية في سيناء واقعًا من قبل كالذي تعيشه منذ تولّي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زمام القيادة عقب الانقلاب العسكري الذي جرى بقيادته في 3 يوليو 2013، إذ اختفت مظاهر الحياة الصحية والتعليمية والأمنية من ربوع أرض الفيروز، ما جعل كثيرين ينتابهم القلق على مصير سيناء.