إبراهيم سمعان
حذّر موقع “ستوك نيوز كولر” من أزمة إنسانية حادة تلوح في الأفق بشمال سيناء، على خلفية الحرب التي تشنها القوات المصرية ضد الإرهاب في سيناء.

أوضح الموقع أنَّ الحصار الذي تفرضه مصر من أجل الحد من الإمدادات التي تصل إلى الإرهابيين المنتمين لداعش، بالإضافة إلى منعهم من الفرار من المنطقة، بمثابة عقاب جماعي يؤثّر على جميع السكان المدنيين، وليس فقط المقاتلين.

كما حذر الموقع من تأثير هذه الأزمة الإنسانية على سير المعركة ضد الإرهاب، قائلًا: “نتيجة لإبعادهم وحرمانهم، قد يلجأ سكان شبه الجزيرة بشكل متزايد إلى داعش لتزويدهم بالضروريات الأساسية. في مثل هذا الاحتمال قد تجد القاهرة نفسها تقاتل ليس فقط إرهابيي “داعش”، ولكن أيضًا المواطنين المصريين”.

وإلى نص التقرير:

بينما تواصل مصر حملتها العسكرية لإخماد تمرد تنظيم “داعش” في شبه جزيرة سيناء، حذّرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن حوالي 420 ألف مدني في 4 مدن في الإقليم الشاسع، وغير الخاضع لسيطرة القانون، هم في أمسِّ الحاجة للمساعدة الإنسانية، ويفتقرون إلى الطعام والماء وغير ذلك من الخدمات الأساسية.

أصبح الصراع، الذي بدأ في أعقاب انتفاضة الربيع العربي، أكثر عنفًا بالتدريج. في البداية، نفّذ تنظيم “أنصار بيت المقدس” هجمات، مستغلًا الوضع الفوضوي في مصر لإضعاف السلطة المركزية، في عام 2014 تعهد التنظيم بالولاء لـ”داعش”، وأعاد تصنيف نفسه كتنظيم “داعش” في ولاية سيناء.

بعد ذلك بوقت قصير، شنَّ التنظيم هجومًا منسّقًا قتل فيه 33 من أفراد الأمن المصري، مما أدَّى إلى إعلان القاهرة حالة الطوارئ في شبه الجزيرة، وهي الحالة التي مازالت سارية المفعول.

ازدادت حدة التوترات في نوفمبر عندما أعلن تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عن مذبحة حصدت أرواح أكثر من 300 مصلٍّ في مسجد الروضة الواقع شرق بلدة بئر العبد في محافظة شمال سيناء.

تعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لانتقادات بسبب فشله في القضاء على الإرهاب، وبشكل متزايد للأزمة الإنسانية المتنامية في المنطقة الناتجة عن الاضطرابات.

قال عمرو مجدي، المتحدث باسم “هيومان رايتس ووتش”: “هناك قيود كبيرة على جميع أنواع البضائع وعلى حركة الناس في سيناء. لقد رأينا عائلات منفصلة، والمرضى الذين يحتاجون إلى علاج طبي يواجهون فترات انتظار لمدة أشهر، حتى يتسنَّى لهم ترك مناطقهم للحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها، وقد أدَّى هذا الحصار إلى أزمة غذائية شديدة للغاية ونقص حادّ في المياه والكهرباء”.

وتابع بقوله: “القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أنه في حالة الحرب يكون على الحكومة الالتزام بالسماح بحرية الحركة للمدنيين”، مضيفًا “يجب أيضًا توفير الغذاء المناسب للمدنيين في مناطق النزاع. من الواضح أن الحكومة انتهكت هذه الإجراءات؛ لأن جميع الأشخاص الذين قابلناهم قالوا إن أي مساعدات ليست كافية”.

تبرر القاهرة الحصار كإجراء ضروري من أجل الحدّ من الإمدادات التي تصل إلى الإرهابيين المنتمين لداعش، بالإضافة إلى منعهم من الفرار من المنطقة. لكن “مجدي” يؤكد أن هذا في الواقع عقاب جماعي على شعب شمال سيناء، لافتًا إلى أن القيود تؤثر على جميع السكان المدنيين، وليس فقط المقاتلين.

وعزّز “يورام شويتزر”، رئيس برنامج مكافحة الإرهاب والصراع منخفض الشدة في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي، هذه الفكرة مؤكدًا أن الجيش المصري لا يعامل المدنيين بطريقة إنسانية وأخلاقية؛ لأنه يشك في أنهم قد يتعاونون مع الإرهابيين.

وتابع “شويتزر” بقوله “لذلك، فإن هؤلاء الناس يعانون من كلا الجانبين؛ لأن عمليات الجنود المصريين تعرقل بشكل واضح قدرتهم على العيش، في حين يتعرضون للوحشية من قبل قوات داعش. الناس في المنطقة يشعرون بأنّ الحكومة المصرية أهملتهم منذ فترة طويلة” .

وأضاف “وهذا يؤثر سلبًا على مكافحة الإرهاب، خاصة في مكان صعب مثل سيناء. وبدون المساعدة اللازمة من السكان، من المرجح أن تكون أي عملية لمكافحة التمرد غير ناجحة، والصراع سيستمر”.

ما يضاعف الأمور هو أنّ شمال سيناء متخلفة إلى حد كبير، مما يجعل الكثير من السكان المحليين يشعرون بالتهميش.

هذا الإحساس بالانفصال، إلى جانب انعدام الفرص الاقتصادية، أدّى إلى دعم داعش. في هذا الصدد، وبحسب “هيومن رايتس ووتش”، فإنّ العقوبة العشوائية التي تفرضها الحكومة على الناس هي التي خلقت أرضًا خصبة للتطرف.

وفي محاولة لفهم الوضع على الأرض بشكل أفضل، جرى التواصل مع لجنة شعبية في شمال سيناء، وهي مجموعة تدعو إلى الدفاع عن السكان المحليين.

ومع ذلك، رفضت المنظمة التعليق بالنظر إلى أنّ العرض قد تَمّ من خلال مكتب للأخبار يقع في إسرائيل، متناسية أن الدعم العسكري الحاسم يقدمه الجيش الإسرائيلي لحكومة السيسي.

مع عدم وجود نهاية متوقعة للتمرد، فإنّ الوضع الإنساني عرضة للتدهور، ومما يزيد الطين بلة رفض الحكومة المصرية السماح للمنظمات الخارجية بإجراء تقييمات مستقلة لخطورة الظروف، وهو ما يحدّ بدوره من قدرة المجتمع الدولي على التخفيف من مِحنة السكان بأية طريقة مهمة.

نتيجة لإبعادهم وحرمانهم، قد يلجأ سكان شبه الجزيرة بشكل متزايد إلى داعش لتزويدهم بالضروريات الأساسية. في مثل هذا الاحتمال، قد تجد القاهرة نفسها تقاتل ليس فقط إرهابيي “داعش”، ولكن أيضًا المواطنين المصريين.