العدسة – معتز أشرف

استباحة صهيونية مستمرة لأرض الفيروز “سيناء”، لم يكشفها التقرير الأهم في الساعات الأخيرة لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الذي أكد أن إسرائيل قامت بما يتجاوز 100 غارة جوية في محافظة شمال سيناء المصرية، بموافقة الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، حيث سبق وأن مارست إسرائيل العديد من الخروقات والانتهاكات بحق بوابة مصر الشرقية، بل وأعلنت مسؤولة رفيعة المستوى في الكيان الصهيوني، هي وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جملئيل، بوضوح كامل لا يحتمل أي لبس، أن أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء، بالتزامن مع الحديث الدائم والمتواتر عن تهجير الفلسطينيين في “صفقة القرن” إلى أرض الزيتون، وهو ما يستحق التساؤل بوضوح: هل تلحق أرض الفيروز بصنافير وتيران اللتين ذهبتا في صفقة وصفت مصريا بـ”المشبوهة”، ولكن بطريقة جديدة للكيان الصهيوني، باعتبار أن السعودية وإسرائيل حلفاء أصليين للنظام الحالي المصري؟، وحتى نصل إلى إجابة واضحة لهذا السؤال، يمكن الانطلاق في رحلة البحث عن بقايا أرض الفيروز حاليا، بعد وصول السيسي لسدة الحكم بانقلاب -وفقا لخصومه- وانفتاحه التام علي الكيان الصهيوني بكل أدوات التطبيع المرفوضة عربيا وإسلاميا.

شهادات عديدة

ورغم النفي السريع من قيادة القوات المسلحة المصرية، علي لسان المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، إلا أن شهادات عديدة، وسط المراقبين والباحثين، تؤكد خروقات “إسرائيل “، ومنها ما هو مرصود في جهات البحث الأمريكية كذلك منذ فترة، ووفقا لمعهد واشنطن للدراسات، وفي مارس 2017، و تحت عنوان “مأزق سيناء”، كتب ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، أن في خضم الدمار، كانت إحدى الأخبار الجيدة القليلة من سيناء، هي التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي-المصري المعزز الذي يجري هناك، ففي ما يقارب عشرين مرة منذ عام 2013، وافقت إسرائيل على طلبات القاهرة بنشر معدات وأفراد إضافيين، فيما يتجاوز أحكام الملحق الأمني لمعاهدة السلام، مضيفا: “تقوم إسرائيل الآن بتحليق طائرات مسلحة بدون طيار وطائرات مقاتلة مأهولة في المجال الجوي المصري بإذن من القاهرة، تستهدف إرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» كما تشاء “.
ما اعتبرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية “تعاونًا استثنائيًّا يدشّن لمرحلة جديدة في تطور علاقتهما المشحونة والاستثنائية، فبعد أن كانتا عدوّين في ثلاثة حروب، ثم خصمين في سلام غير مستقر، أصبحتا الآن حليفين سريين في حرب سرية ضد عدو مشترك” صدقته في ديسمبر 2017 إذاعة الجيش الإسرائيلي، حيث نقلت عن مسؤول بوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن تل أبيب كانت معتادة على التعامل مع مطالب زيادة الجنود المصريين تلك بحذر، لكنه في السنوات الأخيرة اتخذت سياسة جديدة للموافقة على المطالب على وجه السرعة لتعكس المصالح والتهديدات المشتركة والصداقة المتنامية بين البلدين .

التاريخ كذلك يكشف السياسة الصهيونية بحق سيناء، والتي لم تتوانَ عن استباحة الأرض المصرية بعد حرب العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر 1973، وكان أبرز الخروقات ما تم في 18 و19 أغسطس 2011، عندما اخترقت مروحية إسرائيلية الحدود المصرية وقتلت 6 جنود، قبل أن تدعي إسرائيل أن المروحية كانت تطارد مهربين فروا إلى مصر، وهو ما أشعل الغضب المصري وأدى إلى حصار السفارة الإسرائيلية في القاهرة وإنزال الغاضبين للعلم الصهيوني وحرقه ووضع علم مصر مكانه، وهو ما تكرر في أغسطس 2013، حيث أغارت طائرة إسرائيلية بدون طيار على مجموعة مسلحة في سيناء وقتلت خمسة منهم، في حين أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى وقوع الغارة بتنسيق مع الجانب المصري، ونفى الجيش حدوث ذلك، إلا أن وكالات عدة نقلت عن مصدر أمني مصري قوله إن طائرة إسرائيلية بدون طيار أطلقت صاروخا تسبب بمقتل خمسة مسلحين وتدمير قاعدة لإطلاق الصواريخ .

تخطيط مسبق

في يونيو 2012، وبالتزامن مع وصول الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم، قبل أن يطيح به السيسي في يوليو 2013، توقع العميد متقاعد مايكل هيرتسوج زميل ميلتون فاين الدولي في معهد واشنطن، ومقره في إسرائيل، والذي شغل سابقًا منصب رئيس شعبة التخطيط الإستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي ورئيس موظفي مكتب وزير الدفاع، انفجار الأوضاع في سيناء، قائلا في تقرير نشره معهد واشنطن للدراسات: “إن برميل البارود في سيناء سوف ينفجر قريبًا”، وهو ما حدث بالفعل، وأكد أنه من الواضح أن السلطات المصرية قد فقدت السيطرة القوية على أجزاء كبيرة من سيناء، فأصبحت شبه الجزيرة مساحة يكتنفها الغموض، وهو ما يكشف تدخلات إسرائيل المستمرة حاليا في سيناء، خاصة وأن الرجل تولى شعبة بحجم التخطيط الإستراتيجي في جيش إسرائيل، والذي أكد في تقريره المهم، أن السلطات المصرية تقف عاجزة في وجه الفوضى، وكشف “مايكل هيرتسوج” قراءة إسرائيل المبكرة للوضع الذي دفعها للإطاحة بالدكتور محمد مرسي بمساعدة وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي، حيث أكد أن إسرائيل تواجه واقعًا جديدًا، وهو أن حدودها مع مصر التي كانت سلمية ذات مرة، قد تحولت إلى بقعة ملتهبة، حيث إن التحصن الإسلامي الفوضوي والعنيف في سيناء يجعل من شبه الجزيرة تهديدًا أمنيًّا متصاعدًا ضد إسرائيل على عدة جبهات، وفي مفاجأة مدوية، كشف رئيس شعبة التخطيط الإستراتيجي الأسبق في جيش الدفاع الإسرائيلي في تقريره عن اتخاذ بلاده قرارا باختراق الحدود المصرية والسيطرة علي سيناء، قائلا: ” تشعر إسرائيل أن أيديها مكبّلة جزئيًّا في مواجهة التهديدات القادمة من سيناء، ورغم أنها لا تريد أن تنتهك السيادة المصرية أو بنود اتفاقية السلام، إلا أنه يبدو أن القاهرة غير قادرة على السيطرة على الوضع، غير أن الهجوم المدمر عبر الحدود يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إجبار إسرائيل على العمل في شبه الجزيرة نفسها”، مؤكدًا أن أحد أهم إجراءات الحل هو مواصلة التنسيق مع إسرائيل وراء الكواليس، وهو ما يجري الآن على قدم وساق .

مستقبل أرض الزيتون

وفي ظل هذا الانتهاك الفج، ومع استمرار الحديث عن الفشل الحكومي الحالي في حماية سيناء، مازال الحديث -بحسب المراقبين- دائرا في الكواليس وخلف الغرف المغلقة، عن التنازل عن قطعة من سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية، يدور الكلام كثيرا عن مستقبل أرض الزيتون.
الإنقاذ، هو السيناريو الأول الذي يتحدث عنه الجميع سواء من المعارضة أو النظام، ولكن جاء الكاتب الصحفي فاروق جويدة المحسوب علي جهات سيادية في مصر في مقاله له في جريدة الأهرام الرسمية، ليسجل اعترافا نادرا بفشل مؤسسات الدولة وتحملها المسئولية، حيث ذكر أن “الدولة المصرية الآن أدركت بعمق كل أخطاء الماضي، ما بين الإهمال والتآمر، ولكن المطلوب جدية أكثر لإقامة تنمية حقيقية لمواجهة ما يراه من إخلاء مستقبلي للأرض من الأهالي “، وهو الاتجاه الذي كثيرا ما تنادي به بيانات جماعات المعارضة ورفضِ الانقلاب كذلك، في بيانات المواقف التي تهاجم تورط النظام العسكري الحالي في إهدار سيناء .

السيناريو الثاني، أن تخضع سيناء للتفريط وله وجهان؛ الأول، تناولته مجلة السياسية الدولية للدراسات التي تصدر عن جريدة الأهرام الحكومية بعرض مستفيض، حيث أكدت أنه ليس سرًّا أن هناك مخططا معلنا، يجري الترويج له منذ عقود، هدفه تفتيت مصر إلى 4 دويلات (سيناء وشرق الدلتا، تهيمن عليهما إسرائيل لاحقًا.. دولة نوبية، تشمل جنوب مصر وشمال السودان.. دولة قبطية، عاصمتها الإسكندرية، تمتد من جنوب أسيوط مرورًا بجنوب بني سويف، والفيوم، والصحراء الغربية.. دولة مسلمة، عاصمتها القاهرة، تشمل الجزء المتبقي)!، مشيرًا إلى أن ذلك المشروع المشبوه، يعتمد في واقع الأمر على ما طرحه المُستشرق الأمريكي، برنارد لويس، قبل عقود، ويجري تنفيذه وفق سيناريو محدد، تدعمه قوى إقليمية ودولية، بهدف زيادة حالة الاحتقان بين أهالي سيناء والحكومة (عبر أنشطة إجرامية، وإرهابية، تغذيها عناصر محلية ضالعة في المؤامرة) على أمل أن تبادر الحكومة برد فعل عنيف ضد أهالي سيناء، يفتح جبهة صراع، ويصل بالعلاقة بين الطرفين إلى مرحلة اللاعودة.

وفي المقابل تتهم جهات عديدة النظام نفسه ومؤسساته التي تروج لمثل هذه السيناريوهات علي منابرها شبه الرسمية، بتورط نظام عبدالفتاح السيسي وأجهزته ببيع سيناء لإسرائيل، واستندوا لوثائق كثيرة وأحداث وتقارير، منها تقرير لصحيفة “ماكور ريشون” الإسرائيلية، نشره موقع “nrg”، ودعت فيه السيسي للتنازل عن سيناء للفلسطينيين لإقامة دولة فلسطينية مقابل الحصول على الكثير من “الشواكل” (الشيكل هو العملة الإسرائيلية ويساوي 2.34 جنيه مصري)، قائلة بوضوح: ” اتضح هذا الأسبوع، عكس ما اعتقدنا حتى الآن، أن الأرض لدى العرب أيضا ليست شيئا مقدسا، أثبت الرئيس المصري السيسي، أنه على استعداد للتخلي عن أراض ليس فقط مقابل السلام، أو أراض بديلة، بل مقابل المال فحسب، فسوف تحصل مصر من السعودية على أموال هائلة مقابل تيران وصنافير”.
ودار الحديث عن “صفقة القرن” في مبادرة “سلام” كشفت عنها إذاعة جيش الاحتلال في 8 سبتمبر 2014، وقالت إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طرحها على نظيره الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، لكن الأخير رفضها بشدة، وتقضي تلك المبادرة بإقامة دولة فلسطينية على أجزاء واسعة من سيناء، مقابل تنازل الفلسطينيين عن حدود ما قبل 5 يونيو 1967، ووفقًا للتقرير الإسرائيلي، فإن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قدم هذه المبادرة لعباس خلال لقاء جمعهما مطلع سبتمبر 2014 بالقاهرة، وعرض عليه مضاعفة مساحة قطاع غزة 5 مرات داخل سيناء.
السيناريو الثالث، اقترحته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، حيث دعت في 12 أبريل 2016 إلى محاكاة نموذج تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بتأجير سيناء للفلسطينيين، وقال “أمير أورن” المحلل العسكري للصحيفة إنَّ صفقة تنازل مصر عن الجزيرتين “جيدة” بالنسبة لإسرائيل، إذ يمكن محاكاتها ليس فقط لحل النزاعات مع الفلسطينيين، بل لإعادة تقسيم الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصلحة جميع اللاعبين، عبر تأجير مصر جزءًا من سيناء وضمه لقطاع غزة، واستئجار إسرائيل قطاعًا من الجولان السوري.

السفير المصري السابق، وأستاذ القانون الدولي عبدالله الأشعل، أكد أن عين إسرائيل الثابتة على مصر ومدخلها سيناء، وعلى من يريد التثبت من هذه الحقيقة فليدرس مذكرات الساسة اليهود والمصريين، خاصة المتصلين مباشرة بالمسألة، وأخص بالذكر الدكتور محمد حسين هيكل الجزء الثالث، والجمصي ومحمد إبراهيم كامل وإسماعيل فهمي وكمال حسن علي، مشددا علي أن الخطة الثابتة لإسرائيل هي أن سيناء في النهاية لها، وتستشعر فرص تحقيق أهدافها دون أن يقيدها شيء، مشيرا إلى أن إسرائيل ترى أنه يجب عليها أن تدخل سيناء لكي تحارب الإرهاب فيها قبل أن يستفحل خطره ويصل إليها، ولا تتورع إسرائيل عن أن تطوع نظريات القانون الدولي بما يسند مزاعمها، على الأقل فيما يتعلق بنظرية التدخل الاستباقي، وهي التي أسست لهذه النظرية عام 1967، ضمن محاولتها تطوير نظرية الدفاع الشرعي، وأن الإسهام الإسرائيلي كان الأساس الذي قامت عليه نظرية بوش في الضربة الاستباقية التي أعقبت مسرحية 11 سبتمبر.
وأوضح أن القصة من أولها هي أن إسرائيل تخطط على أساس أن سيناء بالغة الأهمية لها، ما دامت جزءا مهملا من القاهرة، وأنها منطقة صحراوية لا تحتاجها مصر، ومعظم أراضيها صحارى، كما أن سيناء ضعف مساحة فلسطين، وبها كل الخيرات الاقتصادية، وتستطيع أن تحل مشاكل مصر كلها، كما يمكن أن تكون دولة قائمة بذاتها، مضيفا أن سيناء في مرمى أطماع إسرائيل، وهي مكشوفة في الوقت ذاته، ولذلك حذرنا عشرات المرات بمختلف السبل من أن لإسرائيل صلة ومصلحة بالإرهاب في سيناء، على الأقل منذ عام 2004 في حادث طابا، ثم 2005 في حادث شرم الشيخ، ثم 2006 في حادث دهب، حتى تاريخه، موضحا أن إسرائيل التي أنشأت الإرهاب في جنوب سيناء أولا، قد نقلته إلى شمال سيناء لسبب واضح، وهو الربط بين مسرح الإرهاب المصري وبين غزة، ودفع أصابع الاتهام نحو حماس للسيطرة .