4 سيناريوهات باتت تحكم مسار الحراك الجزائري بعد جمعة الرحيل الأخيرة وتراجع عناصر قيادية في الحزب الحاكم عن فكرة الندوة الوطنية ومطالبتها بإجراء الانتخابات فورا ، ما يعزز مكاسب جديدة للمتظاهرين ويثير مخاوف باتت قاب قوسين أو أدنى.
“العدسة” يتوقف أمام هذه السيناريوهات والتي باتت لا تخرج عن الانتصار الكامل واستمرار الحراك في تحقيق أهدافه وامتداده عربيا أو المناورة السلطوية والالتفاف على مطالبه أو ظهور الجيش في مشهد الحكم علنا بدعم من تحالف الثورة المضادة أو الانتقال الديمقراطي الآمن كما يصفه البعض.
انتصار وتمدد
تعزز تجارب الموجة الأولى من الربيع العربي وخبراتها فرص الانتصار الكامل للحراك الجزائري المتصاعد وفق مراقبين ، يرون كذلك إمكانية تمدده عربيا .
ويستند سيناريو” الانتصار والتمدد” إلى التراجع المستمر من فريق الرئيس الجزائري المريض عبد العزيز بوتفليقة بالتزامن مع نية واضحة من المتظاهرين في تغيير النظام بالكامل ، وهو ما ظهر في عدد من الشعارات في جمعة الرحيل خاصة والتي تكشف خارطة طريقهم وفي مقدمتها :” لا ندوة لا تأجيل.. الرحيل يعني الرحيل، ترحلوا.. يعني ترحلوا، بوتفليقة.. ما تزيدش دقيقة، ارحل”.
ويرى مراقبون أن الرئاسة الجزائرية خرجت عن “المشروعية الدستورية” بعد قرارها تأجيل الانتخابات باعتراف أعضاء من فريق” بوتفليقة” ما يجعل كل القرارات التي يطلبها الشعب بعد الخروج من “المشروعية الدستورية” مبررة “بالشرعية الشعبية”.
وفي محاولة لتفادي أي مخاطر محتملة كما حدث في مايو 1991 اقترحت أحزاب وشخصيات وطنية من المعارضة الجزائرية في لقاء تشاوري، الأحد 24 مارس ، خريطة طريق تتضمن مهلة مدتها ستة أشهر، وحلا سياسيا في إطار الشرعية الشعبية يتضمن ضرورة إقرار مرحلة انتقالية قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر بعد انتهاء العهدة الرئاسية الحالية، تُـنقل خلالها صلاحيات ” بوتفليقة” إلى هيئة رئاسية، استنادا إلى الشرعية الشعبية المنصوص عليها في المادة السابعة من الدستور، وتعمل على تشكيل حكومة لتصريف الأعمال، وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، إضافة إلى تعديل قانون الانتخابات.
ويتوقع محللون سياسيون التجاوب مع مثل هذه الاقتراحات في إطار حرص السلطة على تقديم مزيد من التنازلات للحراك الشعبي لخلق أرضية توافقية، تعطي صلاحية أكبر للحراك الشعبي ليختار قيادة تمثله بحكومة انتقالية.
وفي هذا الاتجاه يعتبر مراقبون و رموز للموجة الأولى للربيع العربي أن نجاح الحراك الجزائري المرتقب فرصة كبيرة لتمدده عربيا ، وتدشين الموجة الثانية للربيع العربي ، في ظل ظروف مأساوية ترتبت على انحسار الموجة الأولى وقمعها.
مراوغة النظام
وفي اتجاه آخر يرى البعض أن النظام الجزائري لن يمرر بسهولة مطالب المتظاهرين ، وبالتالي سيلجأ لسيناريو المراوغة والالتفاف على المطالب.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى التراجع من قبل الحزب الحاكم الجزائري عن ندوة الحوار الوطني والاتجاه إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية فورا بحسب حسين خلدون عضو هيئة تسيير حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، والذي أكد أنه لا جدوى لعقد الندوة الوطنية.
ويربط البعض هذا التراجع بالحديث عن أن النظام جهز بالفعل المرشح البديل، ومن يروج لهذا يقول إن المظاهرات لا تنادي بإسقاط النظام بل ترفض عهدة خامسة لبوتفليقة ، وظهر اسم شقيقه “سعيد” في الكواليس بشدة فيما يروج البعض اسم عبد المجيد تبون، الوزير الأول الأسبق، واسم رئيس البرلمان السابق السعيد بوحجة رغم أن البدلاء لا يتمتعون بتأييد كبير.
ويرى أستاذ العلوم السياسية المصري المقرب من الأجهزة المخابراتية طارق فهمي، أن سعيد بوتفليقة، هو الورقة الأخيرة التي سيتم طرحها في اللحظة الأخيرة، لافتًا إلى أن شقيق الرئيس لا يريد أن يتم الزجّ به إلا في النهاية، لأنه لا يحظى بتأييد كل القوى السياسية.
ويطرح البعض في هذا المسار إمكانية اختراق السلطة للحراك الشعبي من خلال جذب مجموعة من الناشطين أو رموز في هذا الحراك والتفاوض معهم ، من أجل أن يكونوا واجهة للحراك في تطبيق خارطة الطريق المقترحة حكومياً ، وذلك بعد إدخال مكوّنات الحراك الشّعبي في معارك إثارة النّعرات الشخصية أو الحزبية أو الأيديولوجية وفق ما حدث في مصر.
وفي هذا السيناريو أضاف رئيس حركة مجتمع السلم د.عبد الرزاق مقري أن هناك جناحا في السلطة يريد السيطرة على الحكم بتزوير الانتخابات مجددا ، وحذر المتظاهرين من وقف الحراك الشعبي والذهاب للانتخابات بدون إصلاحات.
السيناريو الأسوأ
ولا زال يلوح السيناريو التفزيعي في المشهد ، وهو الإتجاه بالحراك بعد انتصاراته الجزئية المتتالية إلى ورقة “سوريا” الدامية كما لوح البعض ، وظهور الجيش في سدة القرار بعد الحكم من خلف الستار بدعم من تحالف الثورة المضادة بقيادة الإمارات.
هذا السيناريو يستند إلى بث المخاوف حالياً من التدخلات الخارجية على غرار حملة التفزيع الأولي في الربيع العربي عام 2011 ، حيث يروج البعض الآن لتدخلات مباشرة لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي سيكون هذا المستند مبررا لظهور الجيش الذي يدير الأوضاع حالياً من وراء الستار، خاصة إذا تصاعد الحراك الشعبي بصورة أكبر.
وكشف تسريب مسجل بين اثنين من كبار المسؤولين الموالين للرئيس الجزائري المريض عبد العزيز بوتفليقة، في مطلع مارس الجاري مدى استعداد النظام لاستخدام القوة ضد الرافضين للتجديد للرئيس بالتزامن مع تصريحات لرئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى رفع فيها ما وصفه المعارضون بـ”فزاعة تكرار السيناريو السوري في الجزائر” حيث قال في البرلمان :”لقد سمعت من يقول إن المحتجين سلموا وروداً لرجال الشرطة، لكن في سوريا أيضاً بدأت الأحداث بورود، وانتهت بأنهار من الدماء”.
وفي هذا المربع تقف كلمات نائب وزير الدفاع الوطني، الفريق أحمد قايد صالح، الموالي للإمارات، حيث وصف دعوات الخروج إلى الشارع بـ “النداءات المشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة بل غير مؤمنة العواقب وهي مسالك لا تؤدي لخدمة مصلحة الجزائر ولا تحقيق مستقبلها المزدهر”، على حد تعبيره.
نور الدين لعراجي، رئيس تحرير صحيفة “الشعب” الجزائرية، يرى أن الفرصة مناسبة لذلك حيث أن موقف الشارع متفاوت، ويتواجد فيه من لهم أغراض أخرى، مع تغير الآلية من مسيرات سلمية إلى الدعوة إلى عصيان مدني في عموم الجزائر ، بجانب تعدد دوائر التربص بالجزائر من العصابات وأجهزة الاستخبارات وغيرهم من أصحاب الأهداف التي لا تريد الاستقرار للجزائر” بحسب رأيه.
في هذا الإطار يتوقع المحلل التونسي في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري أن يقود الجيش مسارا انتقاليا عبر مجلس تأسيسي وانتقالي يديره الجيش مع حوار وطني مع تصعيد الجنرال المتقاعد علي غديري ليكون شخصية توافقية بحسب رأيه لهذا المجلس بجانب إمكانية حصول انفتاح سياسي جزئي تستفيد منه الأحزاب السياسية، وهو الرأي الذي يبدو أن تحالف الثورة المضادة الإماراتي يتبنه جيدا وفق تواتر الحديث عنه في منصاته لكن البعض ذهب إلى طرح اسم “قايد صالح” بدلا لـ”غديري”
الانتقال الديمقراطي الآمن
وفي سيناريو آخر ، نشره الموقع الرسمي لحركة مجتمع السلم الجزائرية تحت عنوان ” الانتقال الديمقراطي الآمن ” قبل أيام ، ذهب فيه كاتبه ناصر حمدادوش، عضو المكتب التنفيذي الوطني للحركة إلى تأكيد أهمية “الانتقال الديمقراطي الآمن ” عبر “التوافق الوطني” ، والإرادة المتبادلة بين أطراف معادلات التحوّل الديمقراطي، برؤيةٍ وطنية تتجاوز الأنانيات الشّخصية والحلول الحزبية والمصالح الفئوية.
هذا السيناريو الذي يعززه ثقل حركة “مجتمع السلم” في المشهد الجزائري يرى أنّ ” الانتقال الأسلم هو الذي يصرّ على “السّلمية الموحّدة” وليس على “العنف المتشظّي” بحسب تعبيره ، مؤكدا أن “الانجذاب المستعجل نحو “الديمقراطية المثالية” والتغيير الجذري دون مراعاة توازنات الواقع الذي يحكمه قد يجعله مجرد طرحٍ رومانسيّ لها، وقد يهدّد بالرّدة عنها أصلاً وهو ما حدث في مصر وفق الموقع.
وأوضح السيناريو خطواته ، حيث أكد أن “من ضمانات نجاح الانتقال الديمقراطي: ظهورُ تحالفاتٍ لقوى سياسية ومدنية، تتوافق على رؤيةٍ جماعيةٍ للانتقال الديمقراطي، وتتفاوض بإجماعٍ على الانتقال السّلس للسّلطة، ولها القدرة على تولّي الحكم دون الصّدام مع الجيش أو الخارج، وتتجنّب حالات الانقسام والاستقطاب والاصطفاف”.
رئيس حركة مجتمع السلم د.عبد الرزاق مقري أكد هذا السيناريو الذي نشره موقعها الرسمي قائلا : “نحن محتاجون لمرحلة انتقالية قصيرة للقيام بالإصلاحات الدستورية و إنشاء الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات”.
اضف تعليقا