العدسة – معتز أشرف

التصدي للانتهاكات الإيرانية بحق أهل السنة في البلد الذي يرفع شعار الثورة الإسلامية، برز مؤخرًا في صدارة المشهد الإيراني المتورط في معارك هنا وهناك، وأطلق رموز السنة نداءات وخطابات وبيانات تندد باستمرار الأوضاع المأساوية على ما هي عليه، وهو ما نتوقف عنده ونسلط الضوء عليه لنرصد المسكوت عنه، ونترك الإجابة لأصحاب القرار في طهران، الذين ينددون بانتهاكات الشيعة في السعودية، وهم يمارسون نفس الانتهاكات بل أكثر في إيران، وفقا لتقارير متواترة.

بيان إمام السنة!

آخر قذيقة انطلقت من مدافع أهل السنة، جاءت من منصة أبرز رموز السنة في إيران، الشيخ عبد الحميد إسماعيل زهي، الذي رصد الوجه الآخر لطهران في العديد من البيانات والخطابات والمواقف مؤخرًا، وآخرها بيانه الذي أثار ضجة بعد أن انتقد فرض حظر السفر على بعض كبار علماء السنة في إيران، مشددًا على أنه ليس لأية مؤسسة أو جهة أن تسلب حرية الشعب الإيراني، متطرقًا إلى حظر السلطات لرحلاته إلى سائر المحافظات إلا طهران، ومنعه من الحضور في صلاتي جنازة؛ إحداهما في مدينة “خواف” والأخرى في “تايباد” (في محافظة خراسان الرضوية)، كما منع من السفر إلى منطقة “رمشك” في محافظة كرمان، وكذلك منع أخيرًا من سفره إلى قطر، بعدما عزم السفر إليها إثر دعوة وجّهت إليه في الأيام الأخيرة من البلوش المقيمين في قطر، فضلًا عن منع العديد من كبار علماء أهل السنة في إيران من السفر إلى المناطق السنية.

مشكلات أهل السنة في محافظة خوزستان تطرق إليها الشيخ “زهي” موضحًا -بحسب موقع سني اون لاين الناطق باسم أهل السنة في إيران- أن الدستور أكد حرية الرأي والعقيدة، لكن مع الأسف توجد مشكلات وتصرفات مغايرة للدستور في حاشية البلاد، الدستور لم يسمح أن يتعرض شخص لتفتيش العقيدة، و نرجو أن يعيد المسؤولون النظر في المسائل التي يواجهها سكان مدينتي “أهواز” و”آبادان”.

التشويه الإعلامي نقطة هامة في مشاكل أهل السنة، حيث قال الشيخ “زهي”، الذي يوصف طبقًا لمواقع السنة في طهران بـ”خطيب أهل السنة”: “لقد جيء بأشخاص في بعض القنوات الفضائية أو التليفزيون الرسمي، بصفتهم كأشخاص (مهتدين)، غيروا مذهبهم من أهل السنة إلى الشيعة، ونحن سكتنا تجاه هذا وقلنا إن كان تغيير العقيدة لم يكن عن منافع مادية فهذا حقهم، من حيث القانون، وكما توجد حرية في قضية تغيير العقيدة من السنة إلى الشيعة، يجب أن تكون هناك حرية بالعكس، فالذي يغير عقيدته ويختار مذهب أهل السنة والجماعة، ليس لأحد -وفقًا للدستور- أن يعاقبه، وفي جلسة لمجمع التقريب بين المذاهب عقدت في طهران، تمت موافقة الضيوف من الداخل والخارج على أن الأشخاص أحرار في اختيار المعتقد، وليس لأحد أن يضيق على آخر بسبب العقيدة أو المذهب؛ ولا يستثنى أهالي “أهواز” و”آبادان” وسائر المناطق من هذا القانون المقرر”.

الشيخ زهي تساءل كذلك في حفلة تكريم خريجي جامعة دار العلوم بزاهدان مؤخرًا وبوضوح: “إن لم تحصل الثقة بأهل السنة خلال العقود الأربعة من عمر الثورة، فمتى تحصل؟!”، مؤكدًا على ضرورة الاهتمام بالمطالب المشروعة لأهل السنة من جانب المسؤولين، فيما أشار إلى مكانة أهل السنة لدى الشعب الإيراني قائلًا: الحمد لله، لقد اكتسب أهل السنة شعبية في قلوب الشعب الإيراني، بسبب دورهم في حفظ الوحدة والأمن والمشاركة الواسعة والمنسجمة في المجالات المختلفة، وغالبية الشعب الإيراني بما فيهم الشيعة يحترمون أهل السنة، ويرونهم إخوانهم، كما أن أهل السنة يرونهم إخوتهم، مضيفًا: نحن نطالب بمستقبل زاهر لنا ولأولادنا، ومطلبنا من المسؤولين ألا يمارسوا تمييزًا بين القوميات والمذاهب المختلفة، ولتكن نظرتهم إلى الجميع نظرة عادلة، وليتسخدموا كفاءات القوميات والمذاهب بشكل متوازن ومتساو، ونحن نريد أن يتم توظيف أبنائنا في القوات المسلحة، ومؤسسة القضاء، وسائر الوزارات والمؤسسات الحكومية، لتتوفر لهم خدمة الوطن بجانب الشيعة، نحن نريد أن نكون مساهمين في الحفاظ على وطننا وإعماره.

مجرد مسجد!

الأزمة وصلت في إيران إلى أن بناء مسجد في الجمهورية التي توصف بالإسلامية بات أحد المطالب المهمة للسنة، وهو ما عبر عنه الدكتورجليل رحيمي جهان آبادي“، رئيس كتلة نوّاب أهل السنة في البرلمان الإيراني، الذي رفع مطلب أهل السنة بمسجد جامع في العاصمة طهران مؤخرًا، وقال: يريد أهل السنة أن يكون لهم مسجد في العاصمة لأداء الصلاة فيه، وبصفتنا كأهل السنة، لنا مشكلات أساسية، المشكلة الأولى لنا في حق العبادة وبناء المساجد في المدن أو المناطق التي يعيش فيها أهل السنة، لاسيما مدينة طهران، حيث نطالب ببناء مسجد جامع ومكان لإقامة الصلاة، والمشكلة الأخرى هي في توظيف أهل السنة، حيث لا يكون التوظيف حسب الكفاءات، كما أقول إن أهل السنة يفتقدون المناصب وفرص العمل لأجل المسائل المذهبية.

رئيس كتلة نوّاب أهل السنة في البرلمان الإيراني، أكد أيضًا أنه ليست هناك استثناءات وتقييدات في الدستور لتوظيف أهل السنة إلّا في منصبي القيادة ورئاسة الجمهورية، لكن في سائر المناصب كالسفارات ورئاسة المحافظات ونيابة الوزراء، لا توجد تقييدات ولا استثناءات، لكن لا يوظف أهل السنة فيها، وفي الكثير من المناطق مثل خراسان، لا يوجد حاكم واحد للمدينة من بين أهل السنة، رئيس محافظة خراسان الرضوية، لم يختر مستشارًا واحدًا من أهل السنة، هذه مسائل تثير الاستياء بين المواطنين، ويجب أن نملأ الفراغات، مشيرًا إلى أنه وجّه أخيرًا مذكرة إلى رئيس الجمهورية ووزراء العلوم والداخلية في موضوع استخدام نخب أهل السنة، مؤكدًا أنه على الدولة أن تنتخب من كفاءات أهل السنة في إدارة شؤون البلاد.

تنديد حقوقي

التنديد بالانتهاكات المتواصلة ضد أهل السنة في إيران لم يتوقف، وفي تقرير مهم نشرته في وقت سابق منظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن الحكومة الإيرانية لم تف بوعودها بتحسين إجراءات حقوق الإنسان للسنة، مؤكدة أنه ينبغي أن يشمل هذا السماح للمسلمين السنة، وهم أقلية في إيران التي يهيمن عليها الشيعة، بالتجمع والصلاة بحرية في المساجد الخاصة بهم في طهران وغيرها من مناطق البلاد، وأضافت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “ينبغي أن يتم السماح للسنة في إيران بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، كما هو الحال بالنسبة إلى نظرائهم الشيعة. ويجب أن يكون إنهاء التمييز الديني من بين أهم أولويات الرئيس “روحاني”، فأعوان الأمن يمنعون المسلمين السنة من الصلاة في المساجد الخاصة بهم”.

ووفقا لمنظمة “هيومان رايتس ووتش، فإن الحصول على عمل في الخدمة الحكومية أو النشاط السياسي أكثر صعوبة بالنسبة لأهل السنة، ففي عام 2003 وجه 18 نائبًا برلمانيًّا من السنة خطابًا مفتوحًا إلى المرشد الأعلى في البلاد، شكوا فيه من أن أهل السنة يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وتساءل النواب، لماذا لم يتم تعيين وزراء أو حكام أقاليم أو سفراء من السنة حتى ذلك الحين؟!، وفي عام 2015 جرى لأول مرة تعيين سفير سني للبلاد، كما ذكرت وسائل إعلام فارسية.

المناشدات والإدانات الدولية من قبل منظمة العفو الدولية “أمنيستي” ومؤسسة “هيومن رايتس ووتش”، ظهرت بقوة مع وصول اضطهاد أهل السنة إلى الإعدام بلا تحقيقات مقنعة، ومن أبرز الإعدامات ما قامت به السلطات الإيرانية بحق الناشط البلوشي السني المعتقل في سجن زاهدان المركزي، ياسين كرد، بتهمة “محاربة الله ورسوله”، من قبل محكمة الثورة الإيرانية، الذي اعتقل من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني المعروف بالاطلاعات مع مجموعة من النشطاء البلوش من أهل السنة، الذين يطالبون بحقوقهم المدنية والسياسية والدينية العادلة في بلوشستان.

وفي تقرير لصحيفة “دي دويتشه فيله” الألمانية البارزة، أكدت أن “السنة في إيران ليسوا أفضل حالًا من الشيعة في السعودية”، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تنتقد فيه إيران تهميش الشيعة في السعودية، فإنها تمارس التمييز ضد الأقلية السنية بين الإيرانيين، حيث يتهدد عدد منهم خطر الإعدام، ولا يتعلق الأمر هنا بالمذهب الديني فقط، بل بالانتماء العرقي أيضًا.