العدسة – ياسين وجدي:

“طحن” بائع السمك الشاب المغربي محسن فكري في العام  2016 فجر موجة غضب ، أشعلها الحراك الريفي  والتي لازالت آثارها تتمدد وتتوهج وسط ظروف غير إنسانية يواجهها الشباب المغربي خاصة ، ومازاد الغضب غضبا قصة إنهاء حياة الشابة “حياة بلقاسم” برصاص جندي حكومي أثناء محاولتها الهجرة السرية هربا من جحيم الفقر والعار.

“العدسة” يسلط الأضواء على الواقع المغربي ، والتي تذهب إلى احتمالية تزداد يوما بعد يوم وهي انطلاق موجة غضب جديدة في ظل أيقونات الغضب التي تتوالي من كل حدب وصوب، وفي ظل هتافات هادرة ترددها الجماهير خاصة الشباب ترفع لافتة : “في بلادي ظلموني”.

 الغضب الدفين !

شهدت السنوات الأخيرة في المغرب ، احتجاجات تعلو وتهبط ، لكن الفترة الماضية كان صوت الغضب فيما يبدو أقوى بحسب المراقبين، في ظل أحداث تغذيه بين حين وحين.

في نوفمبر من العام 2016 ، اشتعلت المغرب غضبا وانطلق ما سمي الحراك الريفي ، بعد أن لقي بائع السمك الشاب محسن فكري مصرعه سحقا في شاحنة نفايات عندما حاول استرداد بضاعته من السمك بعدما صادرتها الشرطة في مدينة الحسيمة، شمالي المغرب، بحجة بيع سمك يحظر صيده في هذه الفترة من السنة وألقت بها في النفايات، واشتعلت الشعارات تستهدف المخزن“، وهو تعبير يشير إلى بنية السلطة في المغرب، كما يحمل دلالة مفهوم “الدولة العميقة” في بلدان أخرى.

 

 

 

السلطات المغربية ، تعاملت بخشونة وعنف مع الحراك الذي يطالب بالإصلاح ومقاومة الفساد وتصدره ناصر الزفزافي ، وألقت بالطاولة على الغاضبين بعد وقت قصير وأحالت عدد بارز من قيادات الحراك الريفي إلى محاكمة وصفت بالتعسفية ، انتهت إلى اصدار أحكامها في يونيو الماضي ضد زعيم “حراك الريف” ناصر الزفزافي وثلاثة من رفاقه بالحبس لمدة 20 سنة بعدما دانهم بتهمة “المشاركة في مؤامرة تمسّ بأمن الدولة”، في حين حكم على 49 متهما آخر بالسجن لفترات تتراوح بين عامين و15 عاما واكتفى بفرض غرامة مالية على متهم واحد، لتتعقد الأمور أكثر بحسب المتابعين للشأن المغاربي.

 

 

 

ولم تكن تهدأ الأمور قليلا مع شدة القمع ، إلا وجاءت أخبار قتل الشابة حياة بلقاسم ، لتفجر موجة جديدة من الغضب ، ففي 25 سبتمبر الماضي كانت حياة بلقاسم تستعد للهروب من أزمات المغرب والهجرة إلى أحلام أسبانيا ، عبر ركوب زورق قبل أن تنتهي حياتها في البحر جراء إصابتها برصاصة أطلقها جندي مغربي، لتتأجج مشاعر الاستياء والغضب في صفوف المغاربة، وتصدر المشهد الشباب خاصة من مشجعي فريق “المغرب التطواني” لكرة القدم ، ووصل الغضب إلى رفع العلم الأسباني احتجاجا على الأوضاع.

على صفيح ساخن!

الأمور على صفيح ساخن ، كما يؤكد كثير من المراقبين ، وجسدتها أغنية “في بلادي ظلموني”، التي ترجع إلى مشجعي نادي الرجاء البيضاوي المغربي ، الذين أطلقوها صرخةً مدوية في وجه المسؤولين، تنادي منذ المقطع الأول “لمين أشكي حالي… شكواي للرب العالي”، وترصد المعاناة بكلمات مغربية عامية بسيطة “بهذه البلاد نعيش في غمامة طالبين السلامة انصرنا يا مولانا”.

 

 

واعتبر مراقبون عرب بحسب موقع اليوم 24 المعارض في المغرب ، أن الاغنية هي التحذير الأخير قبل الانفجار، ووصفها الفيلسوف التونسي، أبو يعرب المرزوقي، بحسب الموقع  تحذير لمدبّري الشأن العام، لاتخاذ إجراءات تخفّف من وطأة الضغط الاجتماعي والسياسي، الذي قد يعصف باستقرار وأمن المملكة المغربية.

المعاناة بارزة في رصد طرفي المشهد الحاكم ، سواء في القصر أو في الوزارة ، حيث استأثرت بطالة الشباب المغربي بمضمون الخطاب الأخيرللملك محمد السادس، ولكنه ألقى بالكرة في ملعب حكومة سعد الدين العثماني وطالبها باتخاذ تدابير لمحاربة البطالة وتشغيل الشباب في أقرب الآجال، وفتح باب الثقة والأمل في المستقبل، ليرد “العثماني” في 16 نوفمبر الجاري بأنه حقق إنجازات لكن يواجه تحديات وإخفاقات.

 

رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إدريس الأزمي الإدريسي، يستشعر بالأزمة أكثر فيما يبدو من رئيس الحكومة الموالي له ، وأطلق تصريحات مؤخرا ذات دلالة ، حيث أكد أن الوضع الذي تعيشه المغرب يتطلب توفير التفاعل الاستباقي والإيجابي مع مطالب المواطنين، وما تحمله من رسائل تثير الانتباه ودعا إلى “معالجة الإشكاليات، بالتصالح والمعالجة الشمولية للتوترات الاجتماعية”، فيما أقر رضا بوكمازي، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، بأن الشباب المغربي يواجه ثلاث تحديات أساسية، يتداخل فيها الاجتماعي بالسياسي، لكنها، جميعا، تتعلق بتحقيق كرامته وهي البطالة ، والفراغ ، وعدم الاحتواء السياسي.

 

 

في المعسكر المتابع للاحتجاجات ، رصدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اتساع دائرة الاحتجاجات المطلبية الاقتصادية والاجتماعية بالعديد من المناطق والقرى التي تعيش فوق صفيح ساخن، بحسب وصفها ، مضيفة في تقرير حديث لها أن تلك التحركات الغاضبة تأتي على وقع تذمر شعبي كبير، بسبب تردي الخدمات العمومية الضرورية لضمان كرامة المواطنين، وهو ما يدق ناقوس الخطر بسبب ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالعديد من المناطق.

ربيع جديد

التوقعات باتت رائجة على نطاق واسع في المغرب بعودة الربيع العربي حيث نجحت السلطة المغربية بحسب الصحفي المغربي علي أنوزلا في عام 2011 في احتواء غضب الشارع بوعود من الإصلاحات لم تؤتي أكلها والنتيجة هو ما يشهدها المغرب اليوم، ومع موجة الربيع الجديد لن يكفي السلطة تقديم وعود جديدة، لأن لا أحد سيصدقها، وإنما عليها أن تأتي بأفعال على أرض الواقع تعيد الثقة إلى المحتجين في وعودها وتعهداتها،  وغير ذلك سيكون مجرد استمرار نزيف الوقت الذي لن يزيد الشارع إلا احتقانا وحقدا يصعب احتواؤه أو التنبؤ بعواقبه خاصة أن خيار المقاربة الأمنية أدخل السلطة في دوامة بلا نهاية، حيث تجد نفسها، مرة أخرى، وجها لوجه أمام الشارع الغاضب.

 

 

ووفق الصحفية الفرنسية روزا موساوي المتابعة للشأن المغربي ولملف حراك الريف واحتجاجات جرادة، فإن جملة من الأسباب تجعل المغرب على صفيح اجتماعي ساخن أبرزها غياب التوزيع العادل للثروات الوطنية على مختلف المناطق، إذ تعاني العديد منها من التهميش والإقصاء ولم تأخذ نصيبها من التنمية، وهو ما ترجم في حراك الريف في مدينة الحسيمة، واحتجاجات مدينة جرادة التي تعد من أفقر المناطق المغربية.

 

 

الاحتجاجات الأخيرة وفق روزا موساوي ليست سوى امتداد للأزمة السياسية سنة 2011، في إطار الربيع العربي الذي تمخض عنه ولادة دستور جديد وإقرار إصلاحات سياسة وتقديم وعود تنموية لم تترجم على أرض الواقع، بل تم في المقابل “تكريس الفوارق الاجتماعية” عبر استفادة النخبة الاقتصادية المقربة من السلطة من عدد من الامتيازات، يقابلها” تفقير الفئات الهشة” وارتفاع نسب البطالة خاصة في صفوف الشباب، وهو ما يلهب الأجواء في طريقها لموجة غضب لا تتوقف بحسب كثيريين.