العدسة _ منصور عطية
تهديدات صريحة بإشعال الحرب في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة جزائريًّا، بعد تعديات قال الرباط إن الجبهة ارتكبتها على نحو يقوض السلام الهش في المنطقة الملتهبة.
فهل يكون المغرب جادًّا في تهديداته أم تعرقله أوضاع اقتصادية صعبة؟ وإلى أي حد يمكن للجزائر أن تستمر في دعم البوليساريو إذا ما نشبت الحرب؟ وما حجم التداعيات والآثار المحتملة لها؟.
تهديد صريح بالحرب
“ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، قال إن البعثة الأممية في الصحراء الغربية “المينورسو” لم تلحظ أي تحرك لعناصر عسكرية في المنطقة الشمالية الشرقية، وذلك في رد على الرسالة التي سلّمها، أمس الاثنين، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة “عمر هلال” إلى رئيس مجلس الأمن الدولي “جوستافو ميازا كوادرا” في هذا الشأن.
وحذر المغرب في رسالته من أن “إقامة أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية -أو أيا كانت طبيعتها، للبوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء- تشكل عملًا مؤديًّا إلى الحرب”.
وأوضح “هلال” أن “انتهاكات البوليساريو المتكررة -التي تمتد الآن إلى عدة مناطق شرق الجدار الأمني الدفاعي في الصحراء- تهدد الأطراف الأخرى بشكل جدي، ولا تعطي أية فرصة لإعادة إطلاق العملية السياسية”.
قبلها بيوم واحد أكد رئيس الحكومة المغربية “سعد الدين العثماني” أن بلاده “لم ولن تسمح بتغيير المعطيات على أرض الواقع بالمنطقة العازلة (في الصحراء الغربية)، خاصة ما يتعلق بتشييد بعض البنايات”.
واعتبر، في تصريحات صحفية، أن أي تغيير للمعطيات في المنطقة المذكورة بمثابة اعتداء على المغرب وسيادته الوطنية، معلنًا تشجيع حزبه الحاكم (العدالة والتنمية) السلطات الرسمية “لتقوم بكل ما يلزم لإزالة هذا الاعتداء”.
وكان وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” قال: إن “هناك استفزازات ومناورات.. الجزائر تشجع البوليساريو على تغيير وضع هذه المنطقة العازلة التي وضعت منذ أوائل التسعينيات تحت مسؤولية الأمم المتحدة”.
وأضاف: “إذا لم تكن الأمم المتحدة مستعدة لوضع حد لهذه الاستفزازات، فإن المغرب سيتحمل مسؤولياته ولن يتسامح مع أي تغيير يمكن أن يحدث بهذه المنطقة”، مؤكدًا أنه إذا لم تكن للأمم المتحدة ومجلس الأمن قدرة على حماية المنطقة “فإن المغرب سيتحمل مسؤوليته”.
ليس هناك فائز
هي الحرب إذن تكشر عن أنيابها بشكل صريح من أكثر من مسؤول مغربي وليس مجرد تلميحات وتهديدات كالتي شهدتها الأزمة على مدار السنوات الماضية.
مراقبون أجمعوا على أن تكلفة الحرب ستكون كبيرة بتداعيات كارثية على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدين كبيرين هما المغرب والجزائر، على اعتبار أن البوليساريو مجرد ميليشيات مسلحة لا يمكنها مجابهة دولة لها عتاد عسكري قوي كالمغرب إلا بدعم جزائري؛ ما سيجعل كلفة الحرب تصل إلى مستويات غير مسبوقة.
ورأى خبراء أن أي نزاع لن يفيد إلا التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة) التي تتحين الفرصة لوقوع انفلاتات أمنية بين الجارين حتى تتمكن من التسلل إلى المنطقة والاستفادة منها عسكريًّا.
ولعل الحرب مع الجزائر لن تكون لساعات أو أيام، وإنما طويلة المدى على شاكلة الحرب الإيرانية العراقية التي دامت لأكثر من 8 سنوات، وهذا من شأنه أن ينعكس على واقع التنمية الداخلية لكل بلد، بحسب مراقبين.
الصراع الدائر في الجزائر بين الساعين لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، يمكنه أن يلعب دورًا هو أيضًا، بحيث تُوظَّف الحرب من قِبل هؤلاء المتصارعين على حساب أزمات البلاد الداخلية.
في المقابل، يقول آخرون إن ورقة التهديد بالحرب في حد ذاتها يمكن أن تعيد الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات، خشية الدخول في متاهات لا يَعلم أحد مداها.
كما تعد تلك الحالة “السلام الهش” أو “اللاحرب” مكسبًا للجزائر والبوليساريو، بحيث تمنحهم الفرصة لالتقاط الأنفاس والمضي قدما في تنفيذ مخططاتهم.
أصل الأزمة وتطوراتها
وبطبيعة الحال، فإن الحديث عن أزمة الصحراء المغربية ودورها في تأجيج الخلافات بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل تمتد إلى عقود مضت، وتحديدًا في 15 يوليو 1972، عندما وُقعت اتفاقية تقسيم الحدود بين الرئيس الجزائري هواري بومدين، والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني.
وبعد إعلان تكوين جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء المعروفة باسم “البوليساريو”، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء المغربية بالجنوب عام 1973، كدولة مستقلة، قامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريًّا ولوجستيًّا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.
أزمة المنطقة الحقيقية بدأت قبل انسحاب الاحتلال الإسباني للمنطقة في أكتوبر1975، حيث طالبت المغرب باسترجاع الصحراء الغربية قبل انسحاب الاحتلال منها، معتبرة أن الصحراء الغربية جزء من أراضيها.
طلبت المغرب إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها، وقد أقرت محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975، بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاءِ عددٍ من القبائل الصحراوية لحاكم المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى.
إلا أن المحكمة أقرت كذلك أنه لا توجد أية روابط تدل على السيادة الإقليمية بين الإقليم وبين المغرب أو موريتانيا وقت الاحتلال الإسباني، وأن الروابط المذكورة سلفًا لا تكفي بأية حال من الأحوال بمطالبة أي من الدولتين بضم الصحراء الغربية إلى أراضيها.
فقضت المحكمة الدولية بأن السكان الأصليين أهل الصحراء هم مالكو الأرض، وبالتالي؛ فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير، غير أنه وبعد ساعات من صدور حكم المحكمة، أعلن ملك المغرب حينها الحسن الثاني عن تنظيم “مسيرة خضراء” لإعادة الصحراء الغربية إلى الوطن الأم.
بعدها بأيام بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل، لينتهي الأمر في يوم 14 نوفمبر 1975 بتوقيعهما وموريتانيا اتفاقية في مدريد استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أغسطس 1979، تخلت موريتانيا عن جميع مطالبها بشأن نصيبها من الصحراء الغربية وتنازلت عن هذه المنطقة إلى البوليساريو، ولكن المغرب سيطرت عليها.
بطبيعة الحال، رفضت جبهة البوليساريو الاتفاقية، وطالبت باحترام قرار محكمة العدل الدولية بشأن حق تقرير المصير وإجراء استفتاء شعبي.
ومنذ هذا التاريخ، شهدت المنطقة نزاعات مسلحة بين الطرفين، وبعد أن هَزم الجيشُ المغربي قوات البوليساريو، بعد عناء في عام 1980، اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين.
استمرت الاشتباكات حتى عام 1991، حيث أشرفت بعثة لحفظ السلام، تابعة للأمم المتحدة، على إلزام الطرفين بوقف إطلاق النار، وكانت السنوات التالية شاهدة على أحداث دامية بين شباب جبهة البوليساريو والحكومة المغربية، متمثلة في أحداث العيون عام 1999، وأحداث السمارة 2005، وأحداث كديم ازيك عام 2010.
وفي أبريل 2007، قدمت المغرب للأمم المتحدة اقتراحًا بشـأن نظـام للحكـم الذاتـي للجبهـة، وظلت المشاورات قائمة منذ هذا التاريخ، دون حسم بين زيارات لمبعوثين من الأمم المتحدة واجتماعات لمجلس الأمن.
وفي نوفمبر 2014، شدد الملك محمد السادس، في الذكرى الـ39 لإحياء انطلاق المسيرة الخضراء، على أحقية المغرب التاريخية فى الصحراء الغربية.
جبهة البوليساريو ردت هي الأخرى باستعدادها للعودة إلى الكفاح المسلح، التهديد الذي تكرر في أبريل 2016 على لسان الأمين العام للجبهة “محمد عبدالعزيز” باحتمال استئناف القتال مع المغرب إذا لم تنجز بعثة الأمم المتحدة في هذه المنطقة مهمتها بالكامل.
وعلى مدار جميع المراحل والتطورات التي تشهدها الأزمة، استمر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب، واعتبر ذلك ولا يزال تآمرًا على وحدته الترابية.
تاريخيًّا، فإن جذور الأزمة بين البلدين تمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي “الحاسي والبيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر، حينها.
بعد استقلال الجزائر عام 1962، ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادًا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.
إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.
وازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر 1963، سميت بـ”حرب الرمال”.
تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الإفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما، في 20 فبراير 1964.
اضف تعليقا