العدسة – مؤيد كنعان

تشير الأحداث والتطورات المتلاحقة في المملكة العربية السعودية إلى أن ولي العهد الشاب محمد بن سلمان يحاول تقمص طموح محمد بن زايد، ولكي يحقق ما حققه، يجب أن يتحلى بالشراسة نفسها التي أظهرها “بن زايد”، لخصومه جميعا، حتى وإن كانوا يشتركون معه في نفس الدم.

ومنذ بداية إظهاره لطموحه في عرش المملكة، يتخذ “بن سلمان” من “بن زايد” قدوة ونبراسا، ليس فقط في الخطوط العامة، ولكن يبدو أنه يقلده أيضا في أدق التفاصيل، وبعد أن سار خلفه في مسألة شن الحرب في اليمن دون جاهزية بشرية كافية، وتصعيد الخلاف مع قطر ليتحول إلى قطيعة تمت حتى بأسلوب متسرع جعل موقف الدوحة أقوى لدى الحلفاء الغربيين، وأيضا في واشنطن (عدا ترامب)، يبدو أن بن سلمان قرر استخدام نفس توليفة “بن زايد” للوصول إلى العلامة الكاملة للنفوذ.

نفس الطريقة

هل افتتن “بن سلمان” بطريقة “بن زايد” في التخلص من خصومه؟ يبدو هذا السؤال شديد الأهمية الآن، قياسا إلى التطورات التي شهدتها المملكة، منذ أيام، والتي بدأت لشن حملة اعتقالات مفاجئة طالت كافة مراكز القوى في الأسرة الحاكمة، دون اعتبار لأية خطوط حمراء، وفي الحقيقة تبدو فلسفة هذا الأمر ليست مستمدة فقط من “بن زايد”، لكن جزءا معتبرا منها يبدو متأثرا بطريقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي انتهج فلسفة “الصدمة والرعب” طريقة للتعامل مع خصومه، ويرى كثيرون أنها أثبتت نجاعتها.

ذروة الأمر تمثلت في التقارير التي تحدثت عن تورط مباشر لـ “محمد بن سلمان” في حادثة مقتل الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة عسير، والذي سقطت به مروحية من طراز “بلاك هوك”، كان يستقلها، رفقة مسؤولين بإمارة عسير، هم مدير الزراعة بالإمارة المهندس “فهد الفرطيش” ومحافظ محايل عسير “محمد بن سعود المتحمي”، وأمين ومدير شرطة عسير، في محمية “ريدة”، بالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة.

محمد بن زايد

محمد بن زايد

اغتيال

بعد سقوط الطائرة بيوم واحد، نقل موقع “الخليج الجديد” عما أسماه “مصادر خاصة مقربة من الأسرة السعودية”، تأكيدهم أن طائرة بن مقرن “تم إسقاطها عمدا”، مشيرة إلى أن الأمير الراحل منصور بن مقرن كان معارضا لتوريث حكم المملكة لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، موضحة أنه قام، مؤخرا، بإرسالة رسالة إلى نحو ألف أمير من شباب الأسرة الحاكمة يدعوهم لاتخاذ خطوة ضد “توريث بن سلمان”، مشيرا إلى أن الأمراء الكبار لا يعول عليهم،  ومن ثم يجب على شباب الأسرة التحرك.

وأشارت المصادر إلى أن إسقاط الطائرة يهدف إلى إرسال رسالة لباقي أفراد الأسرة أنه لا خط أحمر في التعامل مع من يعارض صعود “بن سلمان” لقيادة المملكة.

بعدها بيومين، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تقريرا أكدت فيه أن مقاتلة تابعة لسلاح الجو السعودي هي التي أسقطت مروحية “بن مقرن”، بعدما اقتربت من الحدود بين السعودية واليمن، في محاولة منها للهرب من البلاد، فقام سلاح الطيران الحربي السعودي بإسقاطها، بناء على تعليمات “محمد بن سلمان”، والذي حظر أي تحرك للطيران الخاص أو المروحي لمنع هروب بقية الأمراء ورجال الأعمال الذين لم يتم القبض عليهم بعد.

ووفقا للصحيفة، فإن الأمير منصور بن مقرن أعلن عن رغبته “فجأة” في إجراء جولة تفقدية في منطقة عسير جنوب المملكة، فوجه محمد بن سلمان سلاح الجو بمراقبة المروحية جيدا، وعليه تم اتخاذ قرار قصفها عندما اقتربت من الحدود اليمنية.

منصور بن مقرن

منصور بن مقرن

الأمير عبد العزيز بن فهد

وبينما كان عزاء الأمير منصور بن مقرن منصوبا في الرياض، تحدثت تقارير أخرى عن مقتل الأمير عبد العزيز بن فهد، نجل الملك السعودي الأسبق، وتعددت الروايات حول مقتله، فقال البعض إنه قتل خلال مقاومته عملية اعتقاله بأمر من “بن سلمان”، بينما أشار آخرون إلى أنه تم تسميمه داخل أحد مراكز الاحتجاز، بعد توقيفه بأوامر ولي العهد، منذ أسابيع.

الأنباء السابقة نفتها السعودية رسميا، حيث أصدرت وزارة الإعلام، يوم الثلاثاء 7 نوفمبر بيانا يؤكد أن الأمير عبد العزيز بن فهد بصحة جيدة، لكن المفارقة أن الأمير نفسه لم يظهر حتى الآن ليؤكد هذه الأنباء، وهو ما صب في خانة أنه قد قتل بالفعل، ولا تريد الرياض الإعلان حاليا، بسبب سخونة الموقف، لاسيما بعد حادثة الأمير منصور بن مقرن.

بن سلمان

بن سلمان

أحمد وناصر بن زايد

طريقة التخلص من منصور بن مقرن، كانت هي نفس الطريقة تقريبا التي تم استخدامها للتخلص من الشيخين أحمد بن زايد وناصر بن زايد، حيث سقطت طائرة شراعية كان يستقلها الأول في المغرب، الجمعة 26 مارس 2010، بينما سقطت مروحية كان على متنها الثاني في 2 يونيو 2008.

الأمير أحمد بن زايد، قبل وفاته كان يتولى منصب رئيس صندوق أبو ظبي الاستثماري السيادي، الأكبر في العالم، وهو شقيق محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي الحالي، ولكن من أم أخرى، وتحدثت تقارير عن أن “محمد بن زايد” كان يعارض تعيين “أحمد” في رئاسة الصندوق السيادي، والذي يشكل أكبر قوة عالمية وإقليمية لإمارة أبو ظبي ودولة الإمارات بشكل عام، وذلك في إطار الصراع بين “الفاطميين”، وهم أبناء فاطمة بنت مبارك، أقرب زوجات الشيخ زايد وأكثرهن نفوذا، والتي أنجبت محمد بن زايد، وهزاع بن زايد، وحمدان بن زايد، وعبد الله بن زايد، وبين باقي أبناء زوجات زايد الأخريات، لذلك اتهمت تلك التقارير محمد بن زايد بالتورط في اغتيال شقيقه أحمد، لا سيما أن الطيار الذي كان معه في الطائرة الشراعية التي سقطت نجا بجروح طفيفة.

مصادر إماراتية غير رسمية أشارت أيضا إلى تورط محمد بن زايد في اغتيال الشيخ ناصر بن زايد، بسبب توسع نفوذ الأخير بشكل كبير، وتشكيله قوة دعم معنوي كبيرة للشيخ خليفة، رئيس الدولة، في مواجهة أبناء “فاطمة بنت مبارك”، لا سيما محمد بن زايد.

وفقا لتلك الوقائع، ومع التأكيد على العلاقة الحميمة التي تجمع محمد بن سلمان بنظيره “بن زايد”، فإننا ربما نسمع عن وفيات جديدة في صفوف “شباب” الأسرة الحاكمة في السعودية، وهم بالتأكيد الآن يعلمون ذلك جيدا، ولأن الكبار يبدو أنهم قد خرجوا من دائرة هذا الصراع الشرس، فإن شباب الأسرة السعودية مطالبون بالتعلم من دروس “التاريخ القريب” التي تتكرر شبرا بشبر وذراعا بذراع.