العدسة – معتز أشرف:

مراكز بحثية ولوبيات ترفع شعارات التغيير ، لكن تحركها دفاتر شيكات سعودية في الكواليس ، كي تقدم استشارات القمع والمواجهة والصدمات لولى عهد السعودية الملاحق دوليا محمد بن سلمان.

وبعد الكشف الخطير عن تقديم مجرم الحرب توني بلير لاستشارات إلى ابن سلمان ، نسلط الضوء أكثر على “بلير” ونرصد دوائر اللوبيات الأكثر أهمية لابن سلمان في بريطانيا وأمريكا والمتواطئة في الاستشارات المدمرة التي باتت تهدد السعودية.

استشارات المحتال !

صحيفة “تليجراف” أوضحت حقيقة حفلات المدح التي كان يقيمها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، حيث كشفت ابرامه صفقة مع السعودية بقيمة 12 مليون دولار لتقديم الاستشارات لها في إطار تنفيذ رؤية المملكة  2030، عبر  “معهد التغيير العالمي” التابع لبلير وقالت إن معهده  تلقى 10 ملايين دولار في يناير الماضي مقابل خدمات موظفي معهده المقيمين في الشرق الأوسط.

توني بلير تحدث من الرياض بشكل علني عن دعمه في سبتمبر الماضي لخطة ولي العهد السعودي للتغيير بالمملكة والتي تحمل اسم “رؤية 2030″، واعتبرها مشروعًا طموحًا من أجل بناء اقتصاد السعودية وأنها صادرة من ” رجل ثوري ومصلح ومدهش” في إشارة إلى ابن سلمان ، وهو ما أثار الجدل حول بواعث الاحتفاء وتسويق مملكة ابن سلمان الجديدة وهي ما كشفتها “تليجراف”.

وتحت بريق دفاتر الشيكات ، واصل توني بلير حث بريطانيا والحكومات الغربية أن تتعلم من السعودية الالتزام الواضح بالتصدي لتسييس الإسلام، وأن تبارك السياسات الثورية والإصلاحية لولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان.

وقال معهد بلير بمناسبة زيارة ابن سلمان الأخيرة للمملكة المتحدة: “كجزء من خططه الطموحة لإحداث ثورة دينية واقتصادية واجتماعية في السعودية، فإن ولي العهد أظهر مستوى من القناعة والوضوح والمنطق لتحديد وفهم طبيعة التطرف الإسلامي، وهو ما يجب على صناع القرار في الغرب التعلم منه”.

وتلاحق بلير اتهامات بالتطرف المسيحي وتسييس المسيحية، وهو ما يلقى بظلاله بحسب المراقبين على الاستشارات المزعومة للأمير محمد بن سلمان خاصة فيما يتصل بتثمينه التصدي لما يصفه بتسيس الاسلام، حيث أعلن توني بلير كذلك في قراره الذي اتخذه حول حرب العراق على إيمانه المسيحي العميق مشيراً إلى أن الله هو من سيحاسبه إن كان مخطئاً في قراره هذا، ووفق مذكرات Alastair Campbell فإن بلير يقوم بالقراءة من الإنجيل في كل مرة يحتاج فيها إلى اتخاذ قرار مصيري.

مجرم الحرب مستشارا !

ولازال العرب يتذكرون لرئيس الوزراء البريطاني الاسبق مشاركته في العدوان على العراق في عام 2003 ، والذي لاحقته بعدها اتهامات موثقة بمشاركته في جرائم حرب واسعة في العراق، أكدها تقرير سير جون تشيلكوت، رئيس لجنة التحقيق بشأن حرب العراق، والذي شدد على أن “بلير” قاد حربا غير قانونية بأدلة أمنية غير صحيحة ضد العراق كانت سببا رئيسا في انتشار العنف والإرهاب في الشرق الأوسط.

المفارقة أن صحفا محسوبة علي السعودية وصفته بمجرم الحرب عقب التقرير، وقالت الشرق الأوسط اللندنية المحسوبة علي السعودية أن “الحرب تركت جراحاً لا تندمل وغذت صراعات لم تتوقف وأسهمت في ظهور داعش ودولتها الإسلامية المزعومة”.

 في أبوظبي أيضا !

بحسب تقارير عربية فقد تطورت العلاقة بين “بلير” مع حليف “بن سلمان” ، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من الاستشارة إلى الصداقة القوية ، وقيل إن الكيمياء فعلت مفعولها بينهما خاصة في العداء للإخوان المسلمين.

وبدورها كشفت صحيفة صنداي تايمز البريطانيه، حصول بلير علي عقد بقيمه تناهز 45 مليون دولار من أبوظبي مقابل تقديم استشارات، بما يتضارب مع عمله كمبعوث سلام، وقالت الصحيفة، إنها حصلت على وثيقة سرية، مؤلفة من 25 صفحة تثبت كيفية استغلال بلير لاتصالاته و”أنشطته الخيرية” من أجل تحقيق مكاسب تجارية.

وتحت عنوان «علاقات بلير من أبو ظبي إلى كولومبيا» كشفت صحيفة «صنداي تليجراف» الأسبوعية البريطانية في أبريل 2015، عن تطور علاقاته مع الأسرة الحاكمة في الامارات ، وتحديدا مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ، حتى وصلت إلى علاقات تجارية ، ليأتي عام 2009 بنبأ حصول شركة توني بلير على صفقة مربحة أساسها تقديم المشورة لصندوق الثروة السيادي لأبو ظبي برأس مال يصل إلى 44 مليار دولار، ومن حينها أصبح بلير الشخص المفضل في أبو ظبي، يقيم في جناح خاص في “قصر الإمارات”

شراء ذمم البريطانيين !

ووفق رصد “العدسة ” فإن “توني بلير” ليس الوحيد الذي تصرف عليه السعودية في  بريطانيا ، فهناك رأس اللوبي السعودي، في بريطانيا النائب عن حزب المحافظين في مجلس العموم البريطاني، دانيال كوينشيسكي، المعروف بمواقفه الداعمة للسياسات السعودية، وقد كشف أوراقه مع فرض الحصار على دولة قطر بشكل لافت للنظر، وأعلن مرارًا انشغاله في تأليف كتاب، يصفه بـ”أكثر كتاب مؤيد للسعودية كتبه سياسي بريطاني”، ولطالما ردَّد أنه “يقاتل لمحاربة الجهل والتحيز غير العاديين ضد المملكة العربية السعودية”، كما يدافع كوينشيسكي بشدة عن مزاعم النظام السعودي للحرب في اليمن .

وبحسب صحيفة “ميدل إيست آي“ فإنَّه بجوار النائب البريطاني المحافظ دانيال كاوتشينسكي،  اسماء شركات ونواب بريطانيين منهم : الدبلوماسي البريطاني جوليون ويلش الذي كان نائبًا لإدارة الشرق الأوسط بالخارجية، وهو ما كشفته وثائق ، والنائب إيان دنكن سميث، الذي قاد حزب المحافظين من 2001 – 2003 ثم شغل منصب وزير في حكومة كاميرون.

ومن الشركات التي اشتراها “ابن سلمان” بحسب التقارير الموثقة : شركة أورب ، وشركة سيبتر كومونيكاتشيونس المحدودة، وهي شركة علاقات عامة،  سجلت موقع مؤتمر قطر للمعارضة في نوفمبر 2017  تحت إشرافها ، وشركة العلاقات العامة والاتصال السياسي “كويلر”، التي تضم في فريق عملها مستشارين سابقين لرؤساء الوزراء في بريطانيا، وقيادات حزبية، وصحافيين وإعلاميين سابقين، وخبراء في الدبلوماسية العامة والعلاقات الدولية، كما تضمّ المتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية (أول متحدث رسمي باللغة العربية) جيرالد راسل، ومجموعة “أكتا” لتقديم المشورة وهي شركة علاقات عامة .

شراء الأمريكيين !

وتفعيلا لدبلوماسية دفاتر الشيكات في الولايات المتحدة الأمريكية ، سعى النظام السعودي كذلك إلى شراء ذمم المراكز البحثية المؤثرة ومراكز صناعة القرار ، بحسب رصد لـ”العدسة” ، فمنذ العام  2002 حتى العام 2014 استقر معدل الإنفاق السعودي على شركات العلاقات العامة والاستشارات القانونية والدعاية الإعلامية الأمريكية بمعدل ثابت تقريبًا حتى تولى سلمان الأنصاري رئاسة مجلس العلاقات السعودية الأمريكية (سابراك) بالتزامن مع إحلال رجال ابن سلمان ، اتّجهت المملكة إلى مكتب هوغان- لوفيز الشهير بالولايات المتحدة وتحديدا إلى “نورم كولمان” كأحد أهم العاملين لصالح المكتب، وهو سيناتور ولاية مينيسوتا الجمهوري حتى عام 2009، ويعرف بأنه “صانع النواب” في الكونجرس، ووقع رجال ابن سلمان عقدا مع المكتب بعقد تبلغ قيمته 125 ألف دولار شهريا في يوليو2014.

وبسبب الخسارات المتوالية للوبي السعودي في عامي 2015 و2016، بتمرير الكونجرس لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، دفعت ابن سلمان وفريقه إلى زيادة الدعم الموجه إلى مراكز الدراسات والبحوث ، فمنذ العام 2016 قامت السعودية بإبرام وتجديد عقود 14 وكالة ضغط على الأقل، أهمها مجموعة “إيلدمان”، وهي أكبر وكالة علاقات عامة في العالم، إضافة إلى ” دي إل ايه بايبر” التي توظف جيشا من المسؤولين الحكوميين السابقين، بما في ذلك رجال الكونجرس المتقاعدين، ومعهد الشرق الأوسط، ومجلس سياسة الشرق الأوسط، ومؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون، و“المجلس الأطلسي“، وهو مركز أبحاث للدراسات الاستراتيجية يقدم النصح والإرشاد للنواب الأمريكيين، ويضم عدة مؤسسات بحثية متفرعة عنه.