منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 تحت قيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي، توسعت الاستثمارات الإماراتية في مصر بشكل مضطرد ليشمل الأمر الاستحواذ على امتيازات وتسهيلات اقتصادية مباشرة من قبل النظام القائم في قطاعات حيوية وحساسة، حوّلها من مستثمر خارجي إلى شريك أساسي في تلك القطاعات، الأمر الذي يعتبره الخبراء الاقتصاديين تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، فضلًا عن أن النفوذ الإماراتي وتمويل أبو ظبي صفقات عسكرية للجيش المصري والزج به في صفقات تحوم حولها شبهات فساد، يرهن القرار السياسي المصري للإرادة الإماراتية.

السيطرة على الموانئ

قالت وزارة البترول المصرية في بيان لها، أمس الاثنين، إنه بموجب الشروط والبنود المنصوص عليها في صفقة الشراء، أصبحت شركة “دراغون أويل” والمملوكة لشركة بترول الإمارات الوطنية، شريك الهيئة المصرية العامة للبترول، بدلًا من شركة “بي بي البريطانية”، في كافة امتيازات إنتاج واكتشاف النفط في خليج السويس، حيث تقوم شركة بترول خليج السويس (جابكو) بالعمليات نيابة عن الهيئة والمقاول، وأضافت أن من شأن إتمام صفقة الشراء تعزيز الإنتاج الاستراتيجي للشركة الإماراتية واستثماراتها في عدد من مناطق ودول العالم.

يذكر أن الهيمنة الإماراتية على مشاريع قناة السويس بدأت عام 2008، باستحواذ شركة موانئ دبي بعقد إدارة ميناء العين السخنة في مصر، الذي يعدّ من أكبر وأهم الموانئ على البحر الأحمر، لتصبح الشركة الإماراتية بموجب العقد مسيطرة على 90% من أسهم شركة تطوير ميناء السخنة، صاحبة الامتياز، والمسؤولة عن تشغيل ميناء السخنة، مقابل 670 مليون دولار، كما تولت الشركة مسؤولية توسعة طاقة ميناء العين السخنة المصري، لتبلغ مليوني حاوية في العام، تزامنا مع استثمارات للشركة بمليار ونصف مليار دولار في خلال خمسة أعوام.

الاستثمارات الإماراتية في مصر تركز على القطاعات غير الإنتاجية

تحتل الإمارات المرتبة الأولى في قائمة الدول التي تستثمر في مصر من حيث عدد المشروعات، وفي المرتبة الثالثة بين أكثر عشر دول تستثمر بالبلاد بقيمة استثمارات بلغت 14.7 مليار دولار خلال الفترة بين 2013 و2017، وحسب تلك المصادر الرسمية، فإن القطاعات غير الإنتاجية تحظى بالنسبة الأعلى من الاستثمارات الإماراتية كالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (59%) والبنوك (17%).

ففي قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، كشفت وزارة الاستثمار المصرية في تقرير سابق لها تجاوز استثمارات الإمارات في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري ملياري دولار، حيث كان الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر مقتصرا على جهات سيادية في الدولة، أو أي مستثمر أجنبي بعد نيله الموافقات الأمنية، لاعتبارات لها علاقة بالأمن القومي، ومن ثم فإن توسع الإمارات في هذا القطاع يكشف حجم النفوذ السياسي الذي تتمتع به في مصر.

وفي القطاع الصحي، استحوذت شركة أبراج كابيتال الإماراتية، المتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، على أكبر كيانات طبيّة داخل مصر، الأمر الذي نقلها من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع الذي يخدم الملايين من المواطنين، وشملت تلك الصفقات شراء 12 مستشفى خاصا، أبرزها القاهرة التخصصي وبدراوي والقاهرة وكليوباترا والنيل، بجانب معامل التحاليل الأشهر، ومنها المختبر والبرج، وكذلك شراء شركة آمون للأدوية.

هيمنة الإمارات على اقتصاد مصر يهدد أمنها القومي

 في عام 2016 نشرت وسائل إعلام مصرية تقريرًا مسربًا عن هيئة الرقابة الإدارية يحذر من أن هيمنة الإمارات على القطاعات الطبية في مصر يشكل “تهديدًا للأمن القومي المصري”، كما حذر من وجود شبهة “غسيل أموال” ووجود شبهات حول الغرض من الشراء.

وانطلاقا مما كشفه البرنامج من تغول الاستثمارات الإماراتية في تلك القطاعات الحساسة، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية محمد حيدر أنها “تمثل خطرًا قوميًا يمس كافة الشعب المصري”، خاصة في ظل شبهات التجسس التي لاحقت الإمارات من قبل في قضايا عالمية عدة.

ومع تقلب بيئة الاستثمار في مصر وعدم استقرارها، يعتبر حيدر حرص أبو ظبي على الاستثمار في تلك القطاعات أمرا يثير الكثير من الشكوك، محذرا من احتمال وجود حالة من التهرب أو تبييض الأموال من شركات تسيطر عليها أبو ظبي.

وبخلاف ما هو معروف في عرف الاستثمار من خلق كل مليون دولار لفرص عمل لأربعين شخصا، لم توفر استثمارات الإمارات في التقديرات الدنيا لها، والتي تبلغ قرابة 7 مليارات دولار، إلا نحو 19 ألف فرصة عمل، في الوقت الذي ينبغي فيه أن توفر فيه قرابة 250 ألف فرصة عمل.

الإمارات تمارس سياسات احتكارية في مصر

قال وزير الاستثمار المصري السابق يحيى حامد على أن الشعب المصري لا يستفيد مطلقا من تلك الاستثمارات، مشيرًا إلى تراجع حجم الناتج القومي من 353 إلى 230 مليار دولار عقب تعويم الجنيه، وأشار إلى زيادة نسبة الفقر إلى 33%، حسب أحدث إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كما أوضح أنه على الرغم من استحواذ أبو ظبي على مؤسسات مهمة في القطاعات الحيوية، مثل الصحة والطاقة والموانئ، فإنها لم تقدم أي مشروع يخدم المواطن المصري ويصب في مصلحته بقطاعات مهمة مثل التعليم والإنتاج.

يؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، أن الاستثمارات الإماراتية تتركز في قطاعات غير إنتاجية لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وتبتعد عن قطاعات مثل الصناعة والزراعة، ومن ثم فهي تحقق أهدافًا أخرى لا علاقة لها بمصلحة المواطن المصري، كما يرى عبد السلام أن الاستثمارات الإماراتية تتسم بالاحتكار في بعض القطاعات الحساسة مثل قطاع الصحة، لافتا إلى أن تحكمها بواحد من أكثر القطاعات حساسية كقطاع الصحة يتيح لها التلاعب به كيفما تشاء.