العدسة – موسى العتيبي
“العلاج في أوروبا” ظاهرة قديمة حديثة اشتهر بها المسؤولون العرب، حكاما كانوا أو وزراء أو غيرهم، حيث يحرصون جميعا على التداوي خارج بلدانهم، ضاربين بعرض الحائط، كل أحاديثهم عن التكنولوجيا والتطور الطبي الذي أدخلوه لبلادهم.
الشاعر المصري الراحل “أحمد فؤاد نجم” علق على تلك الظاهرة قائلا «المسؤول العربي يدرس خارج البلد، وإذا مرض “يتعالج” خارج البلد، ويذهب للسياحة خارج البلد، الشيء الوحيد الذي يفعله داخل البلد هو سرقة البلد».
شريف إسماعيل – رئيس وزراء حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر، هو آخر المسؤولين العرب، الذين طارت بهم الطائرة إلى أوروبا، وتحديدا إلى دولة ألمانيا في رحلة علاجية قد تستغرق أسبوعين، يخضع فيها لعمليات جراحية.
السفير أشرف سلطان، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أكد أنه مرض في الجهاز الهضمي، فيما تداولت أنباء قوية منذ فترة بإصابته بالمرض الخبيث “السرطان”.
سفر رئيس الوزراء المصري للعلاج بالخارج أعاد للأذهان طرح أسئلة كثيرة ومتنوعة، عن حرص الحكام والوزراء والمسؤولين العرب على السفر والعلاج خارج بلدانهم، في حين أن كثيرا من شعوبهم لا يجدون العلاج داخل الوطن أصلا، ولماذا أوربا بالتحديد تكون هي قبلتهم في العلاج؟ وهل يعني ذلك أنهم ليسوا على ثقة تامة بالقطاع الصحي في بلدانهم؟ وما هي أبرز البلدان التي يفضلونها للعلاج؟
“شريف إسماعيل” مريضًا
فقدان الثقة في القطاع الصحي
أغلب المسؤولين العرب لا يثقون في القطاعات الصحية والطبية، التي شاركوا في صناعتها ويشرفون على إدارتها، وهو أحد أبرز العوامل التي تدفعهم للسفر خارج بلدانهم للتداوي والعلاج.
وبالرغم من التكنولوجيا الطبية، والاهتمام بالقطاع الصحي الذي يتحدثون عنه دائما، إلا أنهم يدركون تماما أن بلدانهم لا تزال متأخرة بشكل كبير في القطاع الصحي والطبي، حيث يعاني القطاع الصحي في كثير من البلدان العربية من مشاكل وخيمة، كالأخطاء الطبية، ونقص الإماكانات، وغياب الأبحاث العلمية، وتأخر التكنولوجيا الطبية وغير ذلك.
وفي الوقت الذي تحظي فيه الدول العربية بكفاءات هامة في مختلف الاختصاصات الطبية، إلا أن هذا القطاع يشكو من نقائص فادحة على مستوى التجهيزات والمرافق والإطارات البشرية.
ويتسبب ضعف الإمكانات في المستشفيات العربية دائما، من حصول القطاع الصحي العربي على مراتب متدنية في التصنيفات العالمية.
فعلى سبيل المثال خرجت كل المستشفيات الجامعية في مصر هذا العام من تصنيف الجودة العالمي عدا مستشفى عين شمس الجامعي، وذلك بالرغم من وجود 72 مستشفى جامعي على مستوى الجمهورية، إلا أنها جميعا لم تحصل على أي معايير للجودة مما يسبب مشكلات للمرضى وأخطاء كبيرة نتيجة لعدم تطبيق القواعد الصحية الخاصة بالجودة.
دولة الكويت أيضا غابت العام الماضي عن قائمة أفضل المستشفيات في العالم العربي، هذا فيما تصدرت مستشفيات السعودية قائمة أفضل المؤسسات الاستشفائية بخمس مستشفيات، وبالرغم من ذلك يحرص كل المسؤولين السعوديين على العلاج بالخارج.
إحدى غرف مستشفيات “مصر”
الخوف من الأخطاء الطبية
انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية عربيا، هي واحدة من الأسباب التي قد تدفع المسؤولين العرب إلى الطيران والعلاج خارج بلدانهم، تاركين شعوبهم يواجهون هذا المصير الكارثي وحدهم.
وتنتشر ظاهرة الأخطاء الطبية بشكل ملفت للانتباه، خاصة في بعض الدول العربية التي تغيب فيها الإحصائيات الرسمية حول عدد الوفيات الناجمة عنها، كمصر والسعودية والجزائر وتونس، والسودان والصومال وغيرها.
وحسب الأرقام الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة، بلغ عدد وفيات الأمهات في الدول العربية 270 لكل 100.00 ولادة، في حين بلغ في أوروبا الغربية 5 وفيات لكل 100.00 ولادة، أي أن وفيات الأمهات بسبب نزيف حاد مرافق للولادة تبلغ أكثر من 50 ضعفا لما هو عليه في الدول الغربية.
فعلى سبيل المثال، فقد أكدت المنظمة الوطنية للدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية بالجزائر أن الأرقام الرسمية لعدد ضحايا الأخطاء الطبية غير معلنة وأن التقديرات تشير إلى عرض نحو 20 ألف شكوى على المحاكم الجزائرية.
أما في مصر، فبحسب وزارة الصحة المصرية فإن الوزارة تتلقى نحو 1200 شكوى سنويا ضد الأطباء بسبب الأخطاء الطبية، في حين كشفت دراسة تحت عنوان “الإهمال طبي … من يدفع الثمن؟”، أعدها مركز قضايا المرأة المصري أن نسبة ضحايا الإهمال الطبي من الإناث بلغت حوالي 63%، أما الذكور فقد وصلت النسبة إلى 32 %.
وفي السعودية بلغت قضايا حالات الأخطاء الطبية في السعودية 3043 قضية أدين منها 52.2%، في حين بلغت قرارات عدم الإدانة 47.6%، حسب ما جاء في صحيفة الوطن السعودية.
في حين بلغت قضايا الوفيات الناتجة عن الأخطاء الطبية 374 قضية، أدين منها 196 قضية، وتم تسجيل 196 إدانة بواقع 4 أحكام أسبوعيا، ولا زالت 178 قضية قيد التداول القضائي.
وفي تونس فإن هناك نحو 15 ألف خطأ طبي في تونس، منها 60 % في صفوف النساء الحوامل، وهو ما يشكل أرقاما مفزعة تعكس تفشي الظاهرة في المستشفيات العمومية.
يعتبرون صحتهم أمنًا قوميًّا
في أغلب الأوقات يعتبر المسؤولون العرب أن الحديث عن صحتهم هي مسألة أمن قومي، لا يجب أن يدور الحديث عنها في وسائل الإعلام كما أنهم دائمو التشكيك في أية أنباء تتعلق بمرضهم.
لذلك فإن المسؤولين والحكام العرب يفضلون دائما التداوي والعلاج خارج بلدانهم لتظل حالتهم الصحية أسرارًا لا يعرفها إلا القليل من الدوائر المقربة لهم.
ألمانيا وفرنسا تُعَدَّان من أكثر الدول التي تحفظ أسرار صحة الحكام العرب، حتى إن باريس تحولت في فترة من الفترات إلى مستودع للأسرار الطبية للمسؤولين العرب، من زعماء ووزراء وسياسيين وقادة أمن وموظفين كبار، من كثرة توافدهم على مستشفياتها دوريًّا، حتى أصبح ملفهم الصحي موكلًا بشكل خاص لأطباء مستشفيات باريس، التي تحتفظ بسجلاتهم الصحية.
ونتيجة لذلك، باتت الحكومة الفرنسية على علم بالأوضاع الصحية بشكل مفصل للمسؤولين الكبار في بلدان شمال إفريقيا، وبعض دول الشرق الأوسط، وبالتالي أصبحت مطلعة بشكل أفضل على خريطة السياسة، ومستقبلها في تلك المناطق.
إحدى مستشفيات “فرنسا”
إحدى مستشفيات “ألمانيا”
الدول المفضلة لهم
تتنوع الدول التي يفضل الحكام والمسؤولون العرب العلاج والتداوي فيها، وتختلف بحسب الثقة الزائدة من هؤلاء المسؤولين لبلدان بعينها.
فعلى سبيل المثال يربط مسؤولو دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط علاقة وطيدة بمستشفيات باريس، حتى إنها لا تتأثر بغيوم السياسة مع قصر الإليزيه، إذ لا يؤمن هؤلاء المسؤولون صحتهم إلا على يد أطباء باريس، دون سواهم.
ويتابع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ملفه الصحي في باريس، حيث يتردد بين الفينة والأخرى على مستشفى «فال دو جراس»، لإجراء فحوصاته الطبية، وأحيانًا عند اشتداد المرض، يُنقل إلى مؤسسة «زانفاليد الوطنية» المتخصصة في الاهتمام بالحالات الصعبة.
“بوتفليقة” مريضًا
أما في المملكة المغربية، فيداوم المسؤولون المغاربة على العلاج في مستشفيات باريس، كوجهة غدت تلقائية ومعروفة لدى الرأي العام، حيث يهرع مسؤولو الدولة الكبار إلى مصحات الرحمة في باريس، في كل مرة يشتد بهم المرض، أو حين يمس أفراد عائلاتهم.
وكذلك الأمر ينطبق على الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، الذي يفضل الاستشفاء في مصحات باريس، وسبق أن خضع محمد ولد عبد العزيز قبل سنوات لعملية جراحية في مستشفى «بيرسي»، بعد تعرضه لطلق ناري عن طريق الخطأ من إحدى الدوريات الأمنية.
أما أمراء الخليج وملوكهم فتتنوع المستشفيات التي يطلبون العلاج فيها خارج بلدانهم مابين “بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بعد أن ابتعدوا قليلا عن الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001.
وكانت الصحف الفرنسية قد أثارت جدلًا في سنة 2015 بشأن مستحقات علاج غير مدفوعة، تبلغ قيمتها 3.7 مليون يورو، على عاتق العاهل السعودي الملك سلمان ورعاياه.
أما المسؤولون المصريين فيفضلون دائما العلاج في ألمانيا، حيث أعتاد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أن تكون رحلاته العلاجية دائما فيها، كما أن عملية استئصال الحوصلة المرارية التي أجراها نهاية حكمه في 2010 كانت في ألمانيا”.
وعلى هذا الدرب يسير أغلب الوزراء، وحتى المشاهير من المصريين المقربين من دوائر السلطة، سواء كانوا إعلاميين أو فنانين، غالبا ما يفضلون ألمانيا.
اضف تعليقا