العدسة – ياسين وجدي:
لم تكن مجرد سطور في برقية تهنئة باليوم الوطني السعودي ، بحسب مراقبين بل كانت دعوة مبادر من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تحمل بنود تعاون واجراءات عملية ، لذلك ليس غريباً إصرار أردوغان على وصف الملك السعودي بـ”أخي العزيز” إذ أن شعرة معاوية الشهيرة مازالت تحكم العلاقة.
“العدسة” يبحث وراء المشهد ، ويسلط الضوء على ما كان من علاقات وما قوضها وما يتوقع في الفترة المقبلة.
دبلوماسية البرقيات !
شهدت العلاقات السعودية التركية ، تطورا ايجابيا ملحوظا بحسب المراقبين ، عبردبلوماسية البرقيات، والتى جاء في سياقها في ظل تعقيدات المشهد في المنطقة ، برقية تهنئة بعث بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ، بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية الذي تم فيه الإعلان رسميا عن توحيد المملكة عام 1932.
رسائل أردوغان كانت مركزة وملفتة للانظار في سياق تجديد العلاقات الفاترة في الفترة الماضية ، حيث تميزت بالودية ، خاطب فيها الرئيس التركي نظيره السعودي بعبارة “أخي العزيز” ، قدم فيها “أطيب المشاعر النابعة من القلب”، والدعوات بـ”دوام الصحة والعافية، وللشعب السعودي الشقيق السلام والرخاء والازدهار”، وانتقلت إلى رسائل سياسية دقيقة ومهمة.
أول الرسائل السياسية ، من أردوغان ، أن “العالم الإسلامي يواجه حاليا تحديات خطيرة، وأنه بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى السلام والاستقرار، وكذلك إلى تضامن الدول الصديقة ذات الرؤى المشتركة”، وهما رسالتان يتوازيان مع اضطراب المنطقة وسخونة الوضع في سوريا واليمن خاصة .
الرسالة الثالثة كانت دعوة صريحة تتميز بالذكاء في تفويت مزيدا من اجراءات الشقاق المستمرة بين الدولتين ، حيث كشف أردوغان عن رغبة بلاده في مواصلة التشاور والتعاون مع المملكة العربية السعودية في كافة المجالات خلال المرحلة القادمة، وحدد لذلك طريقتين وهما : “الآليات المؤسساتية المشتركة والزيارات المتبادلة رفيعة المستوى “.
هذه البرقية تتناغم مع برقيات من الملك سلمان ، منها في 29 أغسطس الماضي حيث بعث الملك سلمان برقية تهنئة لاردوغان بمناسبة ذكرى يوم النصر ، كانت عبارته ودية بروتوكلية تمنى فيها لاردوغان الذي سبقه بوصف “فخامته” ، “أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب الجمهورية التركية الشقيق اطراد التقدم والازدهار”، وهو ذات ما بعثه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
البرقيات تحولت إلى اتصالات في عيد الفطر الماضي، ساد فيها الأماني الطيبة والتهاني، بحسب ما نشرته صحيفة عكاظ الرسمية، لكن انتقلت مع فوز الرئيس التركي في آخر جولة بالانتخابات إلى ارسال الأمير منصور بن متعب ، نائب عن الملك إلى العاصمة التركية أنقرة، لحضور مراسم تنصيب الرئيس رجب طيب أردوغان رئيسًا لجمهورية تركيا لفترة رئاسية جديدة.
الدبلوماسية الايجابية تخطت البرقيات والمسئولين رفيعي المستوى إلى زيارة الملك نفسه الي تركيا في العام 2016 ، استقبله فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقبالا مميزه وقلده وسام الجمهورية التركية الذي يعد أعلى وسام بتركيا، والذي اعتبره ملك السعودية في كلمة له عقب تسلم الوسام تكريم للمملكة العربية السعودية حكومة وشعباً.
وبدأت العلاقات بين السعودية وتركيا، في عام 1929م وشهدت توافقا في معظم قضايا المنطقة والعالم وتوقيع اتفاقيات عديدة، واتسمت مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص تطوير العلاقات بينهما بما تخدم مصالح الأمة الإسلامية، من خلال الزيارات المتبادلة، أو داخل الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وكانت الزيارة التي قام بها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إلى تركيا 8 أغسطس 2006م نقطة انطلاقة حقيقية.
ماذا حدث ؟!
في ظل العبارات الودية والعلاقات القديمة المترسخة ، كان المخطط واضحا من فريق داخل المملكة العربية السعودية يقوده الأميرمحمد بن سلمان ولي العهد بحسب مراقبين ومحللين للدخول في عداء واضح وصدام مع تركيا والرئيس رجب الطيب اردوغان ، وهو ما ظهر توابعه في تغطيات الاعلام السعودي الرسمي الذي بات الرئيس اردوغان هدفا دائما لمدفعيته الثقيلة وضيفا دائما في منصات التشويه الاعلامي السعودي الرسمية.
وفي مارس 2018 ، أعادت التصريحات المنسوبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى مصر التي هاجم فيها تركيا، حيث نقلت الإعلامية المصرية لميس الحديدي، عن ابن سلمان، قوله إن “مثلث الشر بالمنطقة مكون من العثمانيين وإيران والجماعات الإرهابية”، زاعما أن “تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها بالمنطقة، باستخدام جماعة الإخوان المسلمين”.
هذه التصريحات اللاذعة يبدو أنها لم تراق للوالد الملك ، حيث سارعت السفارة السعودية في أنقرة إلى إصدار بيان مقتضب نفت ما نسب لولي العهد السعودي في ما يخص تركيا، لكنها أكدت أنه قصد بـ”مثلث الشر” جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الراديكالية، لكن قبل تصريحات ابن سلمان المنسوبة، أعلنت مجموعة قنوات “إم بي سي” السعودية إيقاف عرض جميع المسلسلات التركية عبر شاشاتها ، ما يعني وجود قرار استراتيجي معتمد بالمواجهة.
جاء هذا بالتزامن مع هجوم اعلامي رسمي ضد الرئيس التركي ، تصاعد مع زيارته للسودان، كما لم تبد السعودية التفاعل المطلوب تجاه دعوة الرئيس التركي عقد قمة إسلامية طارئة في إسطنبول، ردا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده تعترف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”، وهو ما يتناغم مع نشاط ولي العهد محمد بن سلمان المؤيد للكيان الصهيوني بحسب ما يرى كثير من المراقبين ، حيث اقتصر تمثيل السعودية، على إيفاد وزير دولة للمشاركة في القمة.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، مع بدء الأزمة الخليجية في يونيو 2017 حين بدأت المقاطعة الرباعية لقطر، حيث كان لتركيا قرارها بنشر قوات من جيشها يصل قوامها إلى خمسة آلاف جندي في قطر، وهو ما فجر الخصومة بشكل متزايد وصلت إلى حد اتهام تركيا بدعم الإرهاب والتدخل بشؤون الدول العربية لزعزعة استقرارها.
خبير الشؤون التركية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، فادي حاكورة، يرى أن تردي العلاقات التركية السعودية، يرجع لثلاث أسباب وهم : عمل تركيا بشكل مختلف في الأزمة ما بين قطر والسعودية وحلفائها، بحيث وقفت تركيا إلى صف قطر وتحالفت معها وأرسلت 300 جندي تركي إلى قطر، كما تقربت تركيا من إيران وهي تتعاون مع إيران في سوريا، وهذه السياسة غير متفق عليها في السعودية كما ترى المملكة أن تركيا تطمح بأن تكون هي المركز الرئيسي في العالم الإسلامي وهو ما لم تتفق معه السعودية.
لماذا الآن وماذا بعد ؟!
يبدو أن الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان ، يريد أن يستكمل ما بدأه رئيس البرلمان الحالي ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، في زيارته الى الرياض التي قال فيها بعد مقابلة الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله أن وجهات نظر الطرفي في قضايا المنطقة متطابقة بنسبة 90 بالمئة.
ويرى مراقبون أن المصالح قد تقتل الخلافات، وكل هذه المعطيات لا تنفي أن القوتين تتوفران على الكثير من نقاط التوافق، ويمكن لزيارة مرتقبة لمحمد بن سلمان إلى أنقرة، حسب ما أعلنه بن علي يلدريم نهاية عام 2017 خلال زيارته للرياض، أن تبدّد الكثير من الضباب في علاقة الدولتين.
وتبقي المصالح الاقتصادية أكبر مبرر للرياض وأنقرة لوقف التصعيد ، خاصة في ظل ظرفية حساسة يجتازها الاقتصادي التركي الذي يواجهة حملة أمريكية شرسة والاقتصاد السعودي الذي يحاول البحث عن مصادر أخرى بدل النفط، إذ يمكن للغة المصالح المالية أن تذيب أيّ خلاف سياسي مهما بلغت درجته بحسب مراقبين .
ففي المجال الاقتصادي، شهدت العلاقات السعودية التركية، منذ توقيع اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني عام 1973م، تطورًا مستمرًّا تشكلت على ضوئها اللجنة السعودية التركية المشتركة، ومجلس رجال الأعمال السعودي التركي، وبحسب ما نشرته وكالة الاناضول في العام 2015 قبل اشتعال الازمة بين البلدين فتركيا لديها خطة لإيصال الناتج القومي 2 تريليون دولار، في 2023، بينما تطمح السعودية إلى تقليل اعتمادها الاقتصادي على عائدات النفط بتنويع الصادرات في مجالات أخرى.
اضف تعليقا