العدسة – ياسين وجدي:

حصل “العدسة ” على تقرير حقوقي شامل وموثق  مقدم من منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان – SPH ، ومقرها لندن، إلى هيئة الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ، المنعقدة في الخامس من نوفمبر المقبل عن انتهاكات المملكة العربية السعودية بحق المفكرين وأصحاب الرأي.

وخلص التقرير إلى أهمية تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لحين تنفيذ إصلاحات عاجلة في البنية التشريعية وفتح أبواب الحريات وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمعارضين، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام ضد النشطاء الحقوقيين وأصحاب الرأي، أمثال “سلمان العودة” وغيره.

قمع سائد !

وقالت المنظمة في مقدمة تقريرها :” إن ما يحدث في المملكة العربية السعودية، هو على النقيض من هذه المبادئ والمواثيق العالمية؛ فالتعبير عن الرأي ليس حق، وإنما جريمة، يتعرض من يستخدمها للاعتقال، الاختفاء، التعذيب، وحتى الإعدام دون محاكمةٍ عادلة، في ظلِّ نظامِ قانونيّ لا يُطبق ولا يلتزم بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة؛ وأبرزها معيار “علنية المحاكمة”.

 

 

وأوضحت أن المحاكمات في المملكة العربية السعودية تتم في سريةٍ لا يمكن معها التأكد من نزاهة المحاكمة، كما أن العقوبات في المملكة تتنافى في أغلبها مع مباديء حقوق الإنسان، فالجلْد والبتر وقطع الرؤوس، هي عقوباتٍ يتضمنها النظام القضائي السعودي! في الوقت الذي اتجه فيه العالم بخطوات واسعة نحو إلغاء العقوبات المهينة والحاطّة بالكرامة، بل والاتجاه السائد في العالم الآن هو إلغاء عقوبة الإعدام لأنها اعتداء على حق الإنسان في الحياة، وخصوصًا في ظل محكمات قضائية لا تلتزم بمعايير المحاكمات العادلة.

وفي الوقت الذي ينادي فيه العالم بتحرير الحق في التعبير عن الرأي، وإلغاء العقوبات المقررة في قضايا الرأي، تتجه المملكة بحسب التقرير إلى البطش بمن يقوم باستخدام حقه في التعبير عن رأيه بأي وسيلة من وسائل التعبير، وخاصة الرقمية، في ظل مناخٍ من الديكتاتورية لا يُتيح لأفراده التعبير عن آرائهم سوى في الفضاء الإلكتروني!

وشددت التقرير على أن النظام السعودي يستهدف المفكرين والمثقفين والعلماء والمرأة ونشطاء المجتمع المدني، دون أدنى تفرقة، في انتهاكاتٍ صارخةٍ يصل بعضها للإعدام!

 استهدف المرأة في المملكة

وبحسب التقرير لا تزال المرأة في المملكة تعاني من التمييز، بالمخالفة لجميع المواثيق الدولية، موضحا أنه حتى وقتٍ قريب، وبالتحديد يونيه من العام الحالي؛ لم تكُن المرأة السعودية قادرة على قيادة سيارتها داخل المملكة، ولا الحصول على رخصة للقيادة؛ حتى صدر القرار من السلطات السعودية في يونيه 2018 برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات، كواحدة من الخطوات التي يدّعي ولي العهد “محمد بن سلمان” أنها “خطوات إصلاحية”.

 

وتتعرض المرأة السعودية كذلك بحسب التقرير  للتمييز الصارخ عن طريق ما يُعرف بـ “نظام الولاية”، وهو نظام يُحرم المرأة السعودية من القيام بأي إجراءٍ حكومي أو تصرف قانوني دون موافقة وليها، وقد يكون هذا الولي هو الأب أو الأخ أو الابن.

ومن أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة، اللائي تعرضن للانتهاكات بحسب التقرير : لجين الهذلول أحد أبرز الناشطات الحقوقيات ، وعزيزة اليوسف: أستاذة جامعية متقاعدة متخصصة في نظام المعلومات بجامعة الملك سعود؛  وإيمان النفجان: كاتبة وناشطة؛ ونوف عبد العزيز: كاتبة وناشطة شابة؛ ومياء الزهراني: ناشطة سعودية شابة؛  ونسيمة السادة: ناشطة حقوق إنسان بارزة من مدينة القطيف الساحلية.

الانتهاكات ضد المعارضين

وأوضحت المنظمة في تقريرها أن المملكة العربية السعودية أسست في 2008 محكمةً تسمى “المحكمة الجزائية المتخصصة”، وهي محكمة سيئة السمعة، تستخدمها المملكة في قمع المعارضين تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”.

 

 

وفي يوليو 2013، أعلنت وزارة العدل السعودية أن المحكمة الجزائية المتخصصة، قد نظرت منذ إنشائها (أي في عامين، حيث أن أول مرافعة أمام المحكمة كانت في عام 2011) 1514 قضية، وعدد المتهمين بلغ 4980 متهمًا، وعدد المحكومين 2145، وأبرز التهم التي تم توجهيها للمُدانين كانت اعتناق المنهج التكفيري، القدح في حكام البلد وعلمائه، وتصفح مواقع محظورة في شبكة الإنترنت.

وفي عام 2017، تم رصد بحسب تقرير المنظمة أن نسبة 132% زيادة في عدد القضايا المنظورة أمام المحكمة بالنسبة لعام 2016، ونسبة 182% زيادة في عدد المتهمين، ونسبة 24% زيادة في الأحكام الصادرة عن المحكمة.

وأوضحت أن أبرز الذين تتم محاكمتهم أمام المحكمة الجزائية المتخصصة هم “العلماء وأصحاب الرأي والمثقفين”، الذين ينادون بالإصلاح والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والمعارضين لسياسات المملكة؛ وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقهم في حرية التعبير، مشيرة إلى أنه بعد تنصيب “محمد بن سلمان” وليًا لعهد المملكة، بأشهر قليلة، وبالتحديد في سبتمبر  2017  بدأت حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت العشرات من العلماء والمثقفين ورجال الأعمال، أُجبروا فيها على التخلي عن ممتلكاتهم في سبيل الإفراج عنهم، وبالفعل تم الإفراج عن بعضهم، ولكن لا يزال هنالك العديد ممن يقضون عقوبات طويلة بالسجن دون تهم واضحة وإنما اتهامات تتعلق بنشاطهم الحقوقي وممارستهم لحقهم في التعبير ومنهم: وليد أبو الخير، عبد العزيز الشبيلي، محمد القحطاني، عبد الله الحامد، فاضل المناسف، سليمان الرشيدي، عبد الكريم الخضر، فوزان الحربي، رائف بدوي، صالح العشوان، عبد الرحمن الحامد، زهير كتبي، علاء برنجي، ونذير الماجد.

ووصفت المنظمة في تقريرها الجريمة التي وقعت ضد الكاتب السعودي الراحل “جمال خاشقجي” بأنها مثال صارخ على قمع المعارضة واستهدافها  ، كما وصفت استمرار اعتقال ومحاكمة الداعية الكبير سلمان العودة، بأنه مثال لمذبحة العلماء والمفكرين في السعودية ،حيث يواجه حكمًا بالإعدام، ومُهدد بفقد حياته دون اتهامات حقيقية.

 

ونددت المنظمة بإصدار حكم الإعدام ضد إسراء الغمغام،(29 عاما)  كأول امرأة سعودية تواجه حكمًا سياسيًا بالإعدام، مؤكدة أنه هكذا هو الحال في المملكة العربية السعودية، وفي السياسة السعودية؛ لا فرق بين (صحفي سلمي، أو مفكر إسلامي سني، أو مُعارض شيعي)، فالجميع تحت مقصلة الانتهاكات، والجميع تحت قبضة السلطات، والجميع لا حقوق لهم في ظل نظامٍ شمولي، لا يحترم حقوق الإنسان.

التشريعات المخالفة

وأوضحت المنظمة أن المملكة العربية السعودية لا تعترف بلفظ “القانون” فهي ترى أن القانون من المحرمات، وأن الحكم يجب أن يكون طبقًا لقواعد الشريعة الإسلامية وفق مفهوم النظام الملكي الحاكم، وليس وفق المفهوم السليم للشريعة الإسلامية، الذي يُنادي بالتسامح والعدالة والمساواة، واستعاضت عن لفظ “القانون” بلفظ “النظام”.

 

 

وأضافت أن القوانين أو النظم السعودية هي عبارة عن قواعد غير مكتوبة، يخضع تقدير الجريمة والعقوبة فيها للقاضي، الأمر الذي يخالف أبسط مبادئ القانون، بأن الجريمة والعقوبة يجب أن تكونا قواعد عامة مجردة، وأن تتناسب العقوبة مع الجريمة المُرتكبة مشيرة إلى أنه في عام 2017، أقرت السعودية قانون الإرهاب الجديد، بديلًا عن قانون الإرهاب الذي تم نشره في  عام 2014 ولاقى انتقاداتٍ حقوقيةٍ واسعة النطاق، ولكن القانون الجديد لم يأتِ بجديد، ولكنه كان أداةً جديدة لتسهيل الانتهاكات ضد المعارضين وقد استخدمته السلطات السعودية في مراتٍ سابقة للحكم على النشطاء السلميين من أبرزهم “عبد الله الحميد ومحمد القحطاني” اللذين حُكم عليهما بالسجن لمدة عشر أعوام وأحد عشر عامًا.

وأوضحت المنظمة أنه بالإضافة إلى ما سبق في قانون مكافحة الإرهاب، فإن النظام القضائي السعودي يتضمن عقوبات اتفق المجتمع الدولي على أنها لا يمكن تطبيقها لقسوتها الشديدة، وعدم وجود فائدة منها تعود على الجاني أو المجتمع، منها بتر الأعضاء وقطع الرأس والجلد وغير ذلك من العقوبات القاسية التي ينبغي على السلطات السعودية أن تقوم بإلغائها.

تعليق العضوية

وفي ختام تقريرها المقدم للأمم المتحدة اتهمت المنظمة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، بأنه قامع للمعارضة وللنساء ولحرية التعبير والرأي ، وهو ما يظهر في وجود آلاف المعارضين في السعودية رهن الاحتجاز القسري دون محاكمةٍ أو تهم واضحة، لأكثر من ستة أشهر وبعضهم تخطى العشرة أعوام دون محاكمة! ما يخالف حق الإنسان في إجلاء مصيره إما بالإفراج عنه أو بتوجيه الاتهامات له ومحاكمته محاكمة عادلة.

 

 

وشددت على أهمية الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل إجراء تقدم في مجال حقوق الإنسان، والكشف عن مرتكبي جريمة اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” وتقديمهم للمحاكمة، وتقديم الضمانات الواضحة لعدم ارتكاب مثل هذه الجريمة مرة أخرى، والضغط على السعودية لوقف حكم الإعدام الذي تنتظره الناشطة “إسراء الغمغام”، وتعليق عضوية المملكة في مجلس حقوق الإنسان نظرًا للانتهاكات التي ترتكبها بمنهجية.