شهدت الـ48 ساعة الماضية، زخما تفاوضيا ودبلوماسيا، سعيا لإنهاء الأزمة الخليجية، ورأب الصدع بين الأشقاء الخليجيين، المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف.
وجاء الزخم بعد وصول مستشار الرئيس الأمريكي، وصهره، جاريد كوشنر، إلى الخليج، وإجرائه لقاءات مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي عهد المملكة العربية السعودية، وحاكمها الفعلي، الأمير محمد بن سلمان.
وأحيت الكويت الأمل بطي صفحة الخلاف الخليجي، خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد تأكيد وزارة خارجيتها وجود “محادثات مثمرة” في سبيل إنهائه.
ومساء الجمعة الماضية، أكد نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله أن “الأزمة الخليجية طويت وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف الخليجية” مضيفا “سوف يترتب على هذا الاتفاق الدخول في التفاصيل المتعلقة به قريبا”.
واعتبر وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أن بيان دولة الكويت “خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية”. لافتا إلى أن أولوية بلاده “كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة”.
بيان دولة الكويت خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية. نشكر للكويت الشقيقة وساطتها منذ بداية الأزمة، كما نقدر الجهود الأمريكية المبذولة في هذا الصدد ونؤكد أن أولويتنا كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة.
— محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) December 4, 2020
من جانبه، أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله عن تطلع بلاده لأن تتكلل جهود الكويت والولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية بالنجاح.
ننظر ببالغ التقدير لجهود دولة الكويت الشقيقة لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية، ونشكر المساعي الأمريكية في هذا الخصوص، ونتطلع لأن تتكلل بالنجاح لما فيه مصلحة وخير المنطقة.
— فيصل بن فرحان (@FaisalbinFarhan) December 4, 2020
ماذا عن الشعوب؟
لكن مع تكامل عناصر حل أزمة الخليج التي ظلت مستعصية منذ عام 2017، وترقب تكلل مساعي الكويت والولايات المتحدة الأمريكية بالنجاح، طفى على السطح تساؤل عن مدى إمكانية تجاوز سلبيات هذه الأزمة وترسباتها على الشعوب، التي يرى مراقبون أنها كانت المتضرر الأكبر من الأزمة.
فقد كان واضحا الأثر الكبير الذي أحدثته الأزمة الخليجية على الجانب الاجتماعي، فهي فرّقت بين القبائل، وشتت العوائل، ومنعت الزيارات بين الأهل، بشكل مزق النسيج الاجتماعي الذي لطالما ظل مميزا ومضربا للمثل، طيلة الفترة السابقة.
إذ إن الطرح السياسي لدول الحصار، على مستوى المسؤولين وأتباعهم من مستشارين، إضافة إلى المؤسسات والقنوات الرسمية الحكومية، ومن ورائهم الجيوش الإلكترونية، أو ما تسمّى بـ”الذباب الإلكتروني”، سيطرت عليه السلوكيات “المنحدرة” التي أوغلت في تمزيق أواصر الأخوّة التي تجمع الشعوب الخليجية، ولم تسلم منها حتى الأعراض، بشكل عزز من انحطاط أخلاقيات السياسة.
اموت في امك يا تميم ???? … pic.twitter.com/DerOSV2OqT
— حمد المزروعي (@uae_3G) January 15, 2018
كما ارتبط “الفجور في الخصومة”، ارتباطا عضويا بالأزمة، حيث مارسته دول الحصار بشكل صادم، وغير مسبوق، وباتت الشتائم والسباب والطعن وشيطنة قطر، معيارا لقياس درجة الوطنية، وإثبات الولاء للوطن، وتفاقم ذلك بعد أن جرى تصدير الخلاف السياسي من المستوى الحكومي إلى المستوى الشعوب، التي اُقحمت عنوة بهذا الخلاف.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أقحمت دول الحصار الدين والرياضة والفن والثقافة والتعليم، في هذه الأزمة، بشكل اعتبره مراقبون “متهورا ومنحطا وبعيدا كل البعد عن أخلاق الإسلام ومروءة العرب”.
شرخ كبير
وفي هذا السياق، أكد الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، أن “حصار قطر شل فاعلية مجلس التعاون وفرّق كلمته”. مشيرا إلى أن الأزمة كانت استثنائية وانعكست على الشعوب أكثر من الأنظمة”.
ولفت حمد إلى أن “المواطن الخليجي قبل هذه الأزمة كان يطمح إلى مزيد من الخطوات العملية نحو التلاقي والتقارب الخليجي، كتوحيد العملة وتوحيد جواز السفر؛ لكن الحصار أدى إلى فقدان هذه الثقة بين دول المجلس”.
من جانبها، قالت الأكاديمية في “معهد الدوحة” وعضو مجلس الشورى القطري،هند المفتاح، إن القصص المأسوية التي شهدتها الأزمة الخليجية، لم يُسمع مثلها سابقا إلا في حكايات المُهجرين من الاستعمار والاحتلال.
وأضافت: “رأينا سلوكيات كثيرة غير أخلاقية، حتى وصلنا إلى مرحلة من التراشق الإعلامي والفوضى الأخلاقية إلى مرحلة الإسفاف والقذف، من دون حرج، وبكل وقاحة وقبح مقزّز، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة (سلة نفايات) للسلوكيات غير الأخلاقية”.
وتابعت الأكاديمية القطرية: “دول الحصار وإعلامها انزلقوا في وحل السباب والقذف والتطرّق للأعراض، بشكل يتنافى مع عادات وتقاليد نشأ وتربى عليها مواطنو مجلس التعاون الخليجي”. مشيرة إلى أن الدوحة “نأت بنفسها عن هذا الأسلوب الدنيئ”.
وشددت المفتاح أن قطر “تحملت مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمعين، المحلي والدولي، في إدارة أخلاق الأزمة، ووصلت إلى درجة مقنعة، وراسخة من الفهم والإدراك”.
اتفاق مبدئي
وبالعودة إلى تفاصيل إنهاء الخلاف الخليجي، فقد تواصلت ردود الفعل الإيجابية بين السعودية وقطر والكويت، بعد تصريحات وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر، الذي أكد في بيان مقتضب أن “مباحثات مثمرة جرت خلال الفترة الماضية، بشأن جهود تحقيق المصالحة الخليجية”، وأضاف أن الجهود التي بذلتها القيادة السياسية الكويتية لحل أزمة الخليج أدت إلى نتائج مثمرة، مشيرا إلى أن “كل الأطراف التي شاركت في مباحثات المصالحة أعربت عن حرصها على الاستقرار الخليجي”.
وهو ما دفع قطر للترحيب سريعا بالبيان، واعتباره خطوة مهمة نحو حل الخلاف الخليجي، وأعربت عن شكرها للجهود التي بذلتها الكويت منذ اندلاع الأزمة، مؤكدةً تمسُّكها بمصلحة شعوب الخليج وأمنها.
وأكد وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن أولوية بلاده كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة، وأوضح الوزير القطري: “نؤكد أن أولويتنا كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة”، وأضاف: “بيان دولة الكويت خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية”.
بيان دولة الكويت خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية. نشكر للكويت الشقيقة وساطتها منذ بداية الأزمة، كما نقدر الجهود الأمريكية المبذولة في هذا الصدد ونؤكد أن أولويتنا كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة.
— محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) December 4, 2020
من جانبه، أبدى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، تطلعه لأن “تتكلل الجهود الكويتية والأمريكية لحل الأزمة الخليجية بالنجاح لما فيه مصلحة وخير المنطقة”.
وأعرب في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، عن بالغ تقديره لجهود الكويت وللمساعي الأمريكية “لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية”.
وبينما واصلت الإمارات والبحرين التزام الصمت حتى اللحظة، كشف مسؤولون أمريكيون لصحيفة نيويورك تايمز، أنه من غير المعروف ما إذا كان الإماراتيون مستعدون لفتح أجوائهم أمام الرحلات التجارية القطرية.
ولفتت المصادر إلى أن عدم زيارة “جاريد كوشنر” للإمارات يثير شكوكا بشأن استعداد أبوظبي للانخراط في جهود إدارة الرئيس ترامب لإنهاء أزمة الخليج.
وأعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/حزيران 2017 قطع علاقاتها مع قطر وفرض حصار عليها، ووضعت 13 شرطا للتراجع عن الحصار وقطع العلاقات، لكن الدوحة أكدت رفضها لكل ما يمس سيادتها واستقلال قرارها الوطني، وشددت في ذات الوقت استعدادها للحوار على قاعدة الندية واحترام السيادة.
اضف تعليقا