جائحة كورونا ومعركة الكرملين مع السعودية بشأن أسعار النفط كشفت هشاشة خطط بوتين في الشرق الأوسط
قبل أسابيع قليلة، بدأت معركة أسعار النفط الشرسة بين السعودية وروسيا بعد قرارات محمد بن سلمان، حدث ذلك في الوقت الذي تسبب فيه فيروس كورونا حالة طوارئ عالمية قللت الطلب على النفط، لتزداد المعركة ضراوة بين روسيا والسعودية، ما يعني خسائر في كلا الجانبين، إلا أن خسائر بوتين ستشمل سياساته الخارجية، مما يستلزم تجميد طموحات الكرملين في الشرق الأوسط، خاصة بعد تأجيل اجتماع أوبك المقرر عقده الاثنين.
على الرغم من تسجيل أعداد قليلة للإصابة بكورونا في روسيا بخلاف معظم الدول، فإن آثار الجائحة قد تكون على نطاق أوسع، حيث قد يجد الكرملين، والذي يكافح من أجل استيعاب التأثير السياسي للانكماش الاقتصادي ذي الرأسين النفطي والإشعاعي، خيارًا جيدًا لتقليص مشاريعه العسكرية في الخارج والتركيز على الحفاظ على مكاسبه. قد يظهر جائحة الفيروس التاجي كتحدٍ آخر لتطلعات الكرملين الطموحة ولكن الغامضة بشكل محير.
من ناحية أخرى، تكافح روسيا من أجل استيعاب الآثار المحلية للتداعيات الاقتصادية المتوقعة لأسعار النفط المنخفضة والركود العالمي، وعلى الأرجح ستكشف الأشهر القليلة المقبلة عن قيود سياسات الكرملين في المنطقة.
تتصاعد الأحداث في المعركة النفطية بين الرياض والكرملين بصورة كبيرة، فمن جهة أشاد ترامب في تغريدة كتبها نهاية الأسبوع بصديقه ولي العهد السعودي “الذي تحدث مع الرئيس الروسي بوتين بشأن خفض إنتاج النفط”، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط إلى جانب آمال حذرة بشأن صفقة سريعة.
على الجانب الآخر، رد بوتين بتغريدة حملت في طياتها نية عن تصعيد حتمي، حيث قال لسوء الحظ، لم يوافق شركاؤنا من المملكة العربية السعودية على تمديد الصفقة بالظروف الحالية ، وانسحبوا فعليًا من الصفقة وأعلنوا عن تخفيضات إضافية كبيرة على نفطهم”، وهي التغريدة التي رفضتها السعودية، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بوتين كان يزور الحقائق، وأنه رفض الدخول في مفاوضات.
كشف التصعيد السريع والاتهامات المتبادلة بين الطرفين ضعف مرونة العلاقات الروسية مع نظرائها في الشرق الأوسط، كما أنه من الواضح أن المملكة العربية السعودية كانت على دراية بعدم استعداد روسيا أو عدم قدرتها على خفض إنتاج النفط.
كافة تلك العوامل تؤكد افتقار روسيا إلى الاستراتيجية والأهداف غير الواضحة في الشرق الأوسط، على الرغم من سعيها الدائم للتأكيد على عكس ذلك على مدار السنوات الأربع الماضية، من خلال اشتراكها في الحرب السورية التي لم يفهم النقاد ما الفائدة التي ستعود عليها من ذلك.
سوريا هي موقع الاستثمار الأكبر للنفوذ والموارد في روسيا، واعتبر الكرملين أن المشروع العسكري في سوريا – الذي غير مسار النزاع بسرعة لصالح بشار الأسد – إنجازًا بارزًا له، وهو الإنجاز الذي اعتمدت روسيا فيه على مبدأ البراغماتية عن طريق عقد صفقات مع أعداء اقليميين لها.
وعلى الرغم من أن إنجازات روسيا في القضاء نسبياً على داعش في سوريا عزز من مكانتها وحسن من صورتها العالمية رغم الجرائم الوحشية التي ارتكبتها سابقاً، فإن المشاركة الروسية لم تحقق فوائد اقتصادية كبيرة لموسكو، ولم تطلق تقاربًا قويًا مع الغرب، حيث لم تفز روسيا بأي عقود حكومية مربحة من دمشق، على عكس إيران، شريكها الفعلي في إنقاذ الأسد، حصلت على غنائم جيوسياسية متعددة.
الآن، تجد موسكو نفسها مضطرة إلى تقليص طموحاتها، وتميل إلى تجميد الصراع، وحصر مصالحها الاستراتيجية في منطقة اللاذقية.
ومع ذلك، سيكون من الصعب تحقيق هذه الرغبة، حتى بمساعدة اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته روسيا مؤخرًا مع تركيا في محافظة إدلب السورية، والذي أنشأ ممرًا أمنيًا ودوريات مشتركة.
بالنسبة لموسكو، كانت الفكرة واضحة: إبراز قوتها الصلبة، وسط الفراغ الذي تركه اهتمام الولايات المتحدة المتضخم ونفوذها، مما سمح للكرملين بالوصول إلى ممرات السلطة في معظم العواصم الكبرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واستعادة تاريخها أو بمعنى أصح استعادة مكانتها التاريخية قبل قيام أنور السادات بطرد المستشارين العسكريين السوفييت من مصر.
لا تعتبر سوريا هي المأزق الوحيد الذي تواجهه روسيا الآن، ولكن الحرب التجارية الجارية مع المملكة العربية السعودية أيضاً تعد مأزق كبير، حيث تُظهر أن العلاقات الروسية في الشرق الأوسط تفتقر إلى الطابع المؤسسي، ويمكن أن ينهار الاتصال الشخصي الذي يشكل هذه العلاقات بنفس سرعة انهيار القلاع الرملية
على الرغم من أن الخلاف الحالي مع المملكة العربية السعودية قد لا يقوض العلاقات بين بوتين و محمد بن سلمان بشكل كامل، أو يلغي تمامًا مكاسب روسيا، فإن هشاشة الخطط الروسية الظاهرة قد تساهم بشكل كبير في إعادة النظر في الثقة الممنوحة لروسيا من قبل نخب الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن يصبح نقطة تحول سلبية لمقامرة الكرملين.
قد يتسبب الركود الاقتصادي المحلي – الناجم عن الركود العالمي الذي يقوده فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط – في تحدي سياسة روسيا في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن تأثيرها النهائي على الاقتصاد الروسي لا يزال غير معروف، إلا أن مشاريع النمذجة الخاصة بالكرملين والتي- في أسوأ الحالات- ستتقلص بنسبة تصل إلى 10 في المائة.
في سياق متصل، مع احتمال أن تتسبب أزمة كورونا الحالية في أن يترك ملايين الأشخاص وظائفهم، ستتلقى تصنيفات بوتين السياسية ضربة قوية وستساهم في الانقسامات القائمة حول تغيير دستوري قد يسمح بتمديد حكمه حتى عام 2036، وهو الذي سيدفع المعارضة الروسية للتسائل عما إذا كانت فوائد خطط الكرملين في الشرق الأوسط تفوق التكاليف حقا.
قد يؤدي الانهيار الأخير لصفقة أوبك، وحروب النفط مع السعودية، وانخفاض قيمة العملة الوطنية بسرعة، والتدهور الاقتصادي المحلي إلى مزيد من الجدل العام حول ما إذا كان الوجود الروسي في الشرق الأوسط يمتلك أي أساس منطقي واضح.
لقد أصبح التعب من المشاريع الأجنبية واضحًا بالفعل: هناك مناقشات أقل بكثير مما كانت عليه قبل عام بشأن الحرب السورية على وسائل الإعلام الرسمية في روسيا، ومن المرجح أن يدفع الشك العام بوتين إلى إعادة النظر، أو على الأقل تأجيل المقامرة العسكرية في الخارج.
كورونا وصدمات النفط كشفا عن ضعف الكرملين وتواجده المحدود في الشرق الأوسط، وستكون طريقة استجابته بمثابة اختبار عبقري – إن لم يكن اختبارًا حقيقيًا – لطموحاته الجيوسياسية طويلة المدى.
الواضح الآن هو أنه من غير المحتمل أن توسع موسكو دورها بقوة وتسعى إلى ارتباطات جديدة، كما فعلت في الآونة الأخيرة في ليبيا أو في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
من المرجح أيضاً أن يلجأ بوتين إلى نهج أكثر حذراً يركز على الحفاظ على المكاسب التي تم الحصول عليها -بشق الأنفس-وحمايتها من أي اضطرابات أخرى غير متوقعة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا