تقرير- ديليب هيرو
يعاني الآن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من عزلة دبلوماسية ودولية بفضل سلسلة من التصرفات والقرارات التي اتخذها منذ توليه ولاية العهد، أبرزها قيامه بفرض حصار جوي وبري واقتصادي على جارته الخليجية، دولة قطر، وحملات الاعتقالات التعسفية التي طالت الكُتاب والمفكرين والنشطاء والمعارضين، وكذلك دوره في عملية اغتيال الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، والتي تشير الأدلة إلى إعطائه الأمر المباشر بتنفيذ العملية، فضلاً عن الصراع السعودي الإيراني، الذي لم يستطع استيعابه وترتب عليه خسارات هائلة في المجال النفطي.
العزلة الدبلوماسية والدولية التي وجد بن سلمان نفسه فيها رغماً عنه، ساهمت بصورة سلبية في تقويض مشروع “رؤية 2030” الذي يهدف بصورة أساسية إلى تنويع مصادر دخل المملكة وانعاش اقتصادها الذي يقوم على النفط الآن، وعلى الرغم من اقتصاد المملكة القوي فيما يتعلق بالصناعات النفطية، يعاني المجال النفطي الآن من تدهور ملحوظ بعد استهداف منشآت نفطية سعودية تابعة لأرامكو بهجمات -يُقال أنها من ايران- في 14 سبتمبر/أيلول المنصرم، ما هز ثقة المستثمرين بشدة، وجعلهم يتراجعون عن شراء أي حصة في الشركة المملوكة للدولة بعد طرحها للخصخصة.
ما ضاعف من الأزمة النفطية في السعودية بعد تلك الهجمات، هو تراجع ترامب عن دعم موقف السعودية أمام ايران، بسبب شعور ترامب بالقلق من بدء حرب جديدة في الشرق الأوسط، والتي من شأنها أن تضيع فرصته في إعادة انتخابه .
كذلك عملية مقتل خاشقجي وتقطيعه على أيدي مجموعة من المسؤولين السعوديين في 02 أكتوبر/تشرين الأول 2018، كانت لها نصيب الأسد في تشويه صورة بن سلمان، وزعزعة استقراره، حيث أثارت تلك العملية انتقادات مؤسسات غربية وإعلامية بارزة، كما ساهمت تلك الجريمة البشعة في الانهيار الفعلي لمؤتمر مبادرة الاستثمار في المستقبل الذي انعقد في الرياض لجذب الاستثمارات الخارجية لتنويع اقتصاد المملكة بدلاً من اعتماده على النفط.
الصراع السعودي-الإيراني لم يؤثر على المجال النفطي السعودي وحسب، بل أثر بصورة كبيرة على العلاقة بين السعودية والإمارات، التي بدأت باتخاذ طرقاً بعيدة عن المملكة، وانسحبت بصورة أو بأخرى من التحالف العربي بقيادة السعودية للحرب في اليمن، وذلك في أعقاب قيام إيران بضرب ناقلات نفط في المياه الإقليمية لدولة الامارات، والتي طالت منشآت نفطية سعودية، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، إلا أن الأصابع الاتهام توجهت إلى إيران، وأول من قام بذلك كان ترامب، إلا أنه لم يتخذ موقفاً جاداً من تلك الهجمات، واكتفى بإرسال بعض الفنيين العسكريين لمعاينة مكان الحادث.
وعلى الرغم من الهجوم المدمر الذي ألحق الضرر بشريان الحياة للاقتصاد السعودي، إلا أن ولي العهد، وبسبب عُزلته، فشل حتى اللحظة في معاقبة الحوثيين عسكرياً، كما كان يفعل من قبل.
خطوات على طريق انهيار الأمير الصغير:
- في مايو/أيار الماضي، تعرضت أربع ناقلات نفط، من بينها اثنتين مملوكتين للسعودية، لهجمات داخل المياه الإقليمية لدولة الامارات العربية المتحدة بالقرب من ميناء الفجيرة عند مضيق هرمز، وهو الأمر الذي حققت فيه الإمارات، وخلص تحقيقها الذي قُدم إلى مجلس الأمن الدولي في أوائل يونيو/حزيران إلى أن الهجمات كانت بمعدات متطورة، إلا أنها لم تذكر صراحة أن إيران هي من كانت وراء تلك الهجمات، رغم وجود ما يشير لذلك، وهو ما اعتبرته السعودية خيبة أمل لها.؛ فبصورة أو بأخرى هناك مصالح مشتركة بين الامارات وإيران، وعلى الرغم من قيام أحد المسؤولين الاماراتيين الذي رفض ذكر اسمه أن إيران مسؤولة عن بعض الفوضى للمنطقة، إلا أنه لا يمكن معاداتها لحماية مصالح الاماراتيين أولا وقبل كل شيء.
في يونيو/حزيران الماضي، أي بعد أقل من شهر من وقوع الهجمات التي طالت المنشآت النفطية السعودية، أعلنت دولة الإمارات انسحاب قواتها من اليمن، بعد أربع سنوات من اشتراكها في الحرب هناك.
تركت دولة الإمارات العربية المتحدة وراءها مرتزقة أجانب تم تدريبهم على يد جيشها الذي يدعم الانفصاليون في الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وكذلك يعمل ضد حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، وقد بررت الإمارات وقوفها ضد حكومة هادي هو أنها مدعومة من حزب الإصلاح، وهو حزب إسلامي تابع لجماعة الاخوان المسلمين، التي تعتبرها الامارات عدواً أيديولوجياً إرهابياً، وعليه، قللت الامارات من حدة عداوتها مع الحوثيين وتجنبوا استهدافهم عسكرياً.
- في 09 يوليو/تموز، استقبل ترامب بحفاوة واضحة في البيت الأبيض أمير قطر، الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وخلال ذلك اللقاء أشاد ترامب بصفقات الأسلحة التي عقدها تميم مع أمريكا، وشرائه كميات هائلة من المعدات العسكرية والطائرات الحربية، وكذلك الاستثمار بكثافة في الولايات المتحدة، كما أشار ترامب إلى القاعدة الجوية الأمريكية في قطر، والتي تضم حوالي 11000 جندي أمريكي، لتعتبر بذلك إحدى القواعد العسكرية الكبرى في العالم.
عشية ذلك اللقاء، أثناء مأدبة العشاء التي نظمها وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين، مازح الأمير تميم الضيوف بما فيهم ترامب قائلاً “يجب أن تكونوا جميعاً سعداء، خاصة أنت يا سيادة الرئيس، لسماع أن هناك عجزاً في الميزان التجاري لبعض البلدان العربية التي تفضل الولايات المتحدة”.
هذه الزيارة، أكدت فشل بن سلمان في وضع الأمير تميم في عزلة دبلوماسية بعد فرض حصار جوي بري اقتصادي على قطر في يونيو/حزيران 2017، بالتعاون مع البحرين -التابعة افتراضياً للسعودية، والامارات، ومصر، وذلك بعد رفض قطر قطع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إيران، بل جاءت نتائج ذلك الحصار بصورة عكسية، واستطاعت قطر أن تسد العجز الذي أصاب السلع الغذائية وبقية المستلزمات، كما واصلت بناء الملاعب الخاصة باستضافة كأس العالم 2022، من ناحية أخرى عززت من علاقاتها التجارية مع إيران وعلاقاتها العسكرية مع تركيا.
- جمال خاشقجي، الكاتب والصحفي السعودي في الواشنطن بوست، مع 5 مليون متابع على تويتر، المعارض الذي كان في المنفى الذاتي في الولايات المتحدة، أثارت عملية اغتياله غضب عالمي كبير، خاصة وأن خاشقجي اغتيل بعد قيامه بانتقاد الأمير للقصف العشوائي لليمن، التي أصبحت افقر دولة عربية، بسبب الحرب التي قادتها السعودية هناك، وخلفت 70 ألف حالة وفاة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
- في المؤتمر الصحفي الذي عقده الحوثيون في صنعاء في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، أكد المتحدث باسم جيشهم عميد يحيى ساريا على الإعلان الحوثي بتبني هجوم 14 سبتمبر/أيلول على منشآت النفط السعودية، وكشف أن هذه الأهداف قد قصفت بصواريخ كروز K2 وصواريخ كروز 3 بدون طيار، سرعة الواحد منها 1700 كيلومتر، أي أكثر من ضعف الـ 770 كيلومتراً التي تفصل الحدود اليمنية عن مصنع بقيق في المملكة العربية السعودية، وأضاف أن هذه الأسلحة أطلقت من ثلاثة مواقع وتم توقيتها للوصول إلى أهدافها من زوايا مختلفة في وقت واحد.
أشارت تقارير أنه من المحتمل أن تكون وحدة القدس التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي في طهران قد ساعدت الحوثيين في تنفيذ خطة الهجوم المُشار إليه، على خطى المستشارين العسكريين البريطانيين والأمريكيين الذين يساعدون القوات الجوية السعودية في اختيار الأهداف وتدريب الطيارين في حرب الرياض ضد الحوثيين في اليمن.
يعمل مسؤولو النفط السعوديون بشراسة لضمان عودة منشأة بقيق لتنقية النفط الخام إلى طاقتها الكاملة بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو الشهر الذي من المقرر أن يتم فيه طرح 1 في المائة من أسهم أرامكو السعودية في بورصة الرياض من أرامكو، هذه هي الخطوة الأولى من عملية البيع المزمعة للشركة السعودية في الخارج والبالغة 5٪ في البورصة، والتي لم يتم تحديدها بعد، وعليه يجب أن يطمئن المستثمرون الأجانب بما لا يدع مجالاً للشك بأن أرامكو السعودية جعلت نفسها محصنة ضد مثل هذه الهجمات المدمرة مثل تلك التي وقعت في 14 سبتمبر/أيلول.
من خلال اتباع سياسات متهورة ومندفعة ضد المعارضة الداخلية وكذلك التحالف الإقليمي للحوثيين والإيرانيين، حوّل ولي العهد السعودي نفسه إلى شخص قوي ولكن بلا أصدقاء، وبدأت خطته الاقتصادية في التآكل، وفي الوقت ذاته، ساهم، بغير قصد، رفع مكانة إيران.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا