ترجمة العدسة عن صحيفة لو كوريي أنترناسيونال الفرنسية

من أجل دفع الفلسطينيين لمغادرة المدينة المقدسة، نادراً ما يمنحهم الإسرائيليون تصاريح البناء، ويوضح هذا الموقع الإعلامي اللبناني أنه على كل منزل بُني بدون ترخيص أن يُهدم من قبل أصحابه.
بواسطة صولجان بسيط في يده، يحطم صالح الشوبكي جدران منزله المكون من طابقين، فهو ببساطة ينصاع لأمر البلدية الإسرائيلية، التي أمرت بهدم كل منزل لا يتوفر له رخصة بناء، هذه الأخيرة التي تُمنح بصعوبة كبيرة للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية.
a صالح الشوبكي آسفا: “أنا أحزن لهذا ولكن إذا لم أفعل ذلك بنفسي، سترسل البلدية جرافات لتدمير الجدران، وفي هذه الحالة، سيضطر إلى دفع نصف مليون شيكل [129000 يورو]”، ويضاف إليها غرامة قدرها 90 ألف شيكل [23 ألف يورو]، وهي مبالغ لا يمتلك الفلسطينيون قرشاً واحداً منها.
الشوبكي نفذ عملية الهدم رغم عدم وجود مأوى آخر لهم، لكنه مع ذلك مصمم على البقاء في مدينته الأصلية، وبالتحديد في حي سلوان، جنوب ساحة المساجد، ولذلك أقام خيمة فوق الأنقاض، وهناك يعيش أفراد عائلته الثمانية الآن.
ويصرح صالح بعدما حبس دموعه، أنه لا توجد محنة أسوأ من الاضطرار إلى تدمير بيديك ما استغرق بناؤه سنوات بشق الأنفس، “ولكن ليس لدي خيار آخر، خلاف ذلك، إذا لم يكن لدي المال لدفع الغرامات، فسوف ينتهي بي الأمر في السجن”.
ويضيف: “يمكنهم إجباري على تدمير منزلي، لكنهم لن ينجحوا في تدمير عزيمتي أو الحب الذي يربطني بهذه المدينة، لن أغادر، أفضل الموت في خيمتي”.

169 منزلا تعرضوا للهدم العام الماضي في القدس الشرقية
يعيش آلاف الفلسطينيين الآخرين في القدس في خوف دائم من اضطرارهم إلى شرب نفس الجرعة المريرة.
وفقًا للمنظمة الإسرائيلية “عير عميم” [منظمة غير حكومية إسرائيلية تهتم بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني في القدس]، والتي تسرد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن البلدية أجبرت 35 فلسطينيًا على تدمير منازلهم خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020 وحده.
وفي عام 2019، وفقًا لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، يبلغ عدد المنازل التي تم هدمها في القدس الشرقية 169 منزلًا، بما في ذلك 42 تم هدمها من قبل أصحابها، وهو أعلى رقم سنوي منذ سنة 2004.
تسبب الهدم في تشريد 328 فلسطينيًا، من بينهم 182 قاصرًا، ويبلغ مجمل ما دمرته البلدية 978 منزلاً بين عامي 2004 ونهاية 2019، ما أدى إلى تشريد 3177 شخصًا، بما في ذلك 1704 قاصرا.
من بين هؤلاء، سناء فرح من بلدة بيت حنينا شمال مدينة القدس، فقد مرت بهذه المحنة ما لا يقل عن ثلاث مرات منذ بناء منزلها سنة 2005: “تقدمنا ​​بطلب للحصول على تصريح بناء، ولكن طلبوا منا دفع نصف مليون شيكل [129000 يورو]، وهو مبلغ ضخم، من المستحيل أن ندفعه، ولم يكن لدينا خيار سوى البناء على أي حال، وبعد أن قضينا سنوات في توفير المال ثم في البناء، أصدرت البلدية أمر هدمه لعدم حصولنا على الترخيص.
وقد كانت المرة الأولى التي أجبرنا فيها على هدمه سنة 2011، ثم أمضينا سنتين في الإيجار، وبعد إعادة البناء، اضطررنا لهدم منزلنا مرة أخرى سنة 2018، وهذه المرة هي المرة الثالثة، وقد تم منحنا مهلة يومين لإفراغ المنزل وهدمه”.
وتقف سناء فرح على أنقاض منزلها، تذرف دموع الأسى من احتمال تشردها مع زوجها المريض وأطفالها الخمسة، خاصة وأن العائلة قد وضعت كل مدخراتها في بناء هذا المنزل ولم يبق لديها شيء للبدء مرة أخرى في مكان آخر.

تهويد الأحياء الفلسطينية المتبقية
وتستنكر سناء فرح هذه “السياسة البغيضة”، لكنها ترفض بشكل قاطع الرحيل، لذا أقامت مع عائلتها في خيمة فوق كومة من الحجارة والحطام لتوصل إلى الإسرائيليين رسالة بأنها لن تستسلم لجبروتهم.
ومن خلال منع أي إمكانية للبناء بشكل قانوني، تسعى إسرائيل إلى جعل الحياة مستحيلة للفلسطينيين، ودفعهم إلى المغادرة وقلب التوازن الديموغرافي لصالح اليهود الإسرائيليين.
وبحسب فخري أبو دياب [المتحدث باسم لجنة سكان سلوان]، فإن الفلسطينيين ما زالوا يتعرضون للممارسات العنصرية من قبل المحتل الإسرائيلي الذي يطالب بمبالغ باهظة لإصدار رخصة بناء، وإذا كانوا غير قادرين على الدفع، تكون العقوبة مضاعفة، فهم لا يحرمونهم فقط من منزلهم وممتلكاتهم، بل يكسرون معنوياتهم أيضًا بإجبارهم على كسر جدران منزلهم أمام أعين زوجاتهم وأطفالهم، وكل هذا من أجل إذلالهم ودفعهم لمغادرة المدينة وإفساح المجال للمستوطنين “.
أكثر المناطق التي تتعرض إلى الضغط الشرس بهذه الحملة هي منطقة سلوان، حيث يتواجد منزل صالح الشوبكي.
وبالنسبة للمحتل الإسرائيلي، فهي مجرد مسألة إفراغ هذا الجزء من المدينة من سكانه وتهويد المدينة من خلال بناء مستوطنات جديدة، وقد أصبحت هذه السياسة أقوى منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.
ويؤكد منير نسيبة، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، أن سياسة إسرائيل هذه تتعارض مع اتفاقية جنيف الرابعة: “وفقًا لهذه الاتفاقية، فإن تدمير المنازل في الأراضي المحتلة يشكل جريمة ضد الإنسانية، لكن إسرائيل تدمر المئات منهم، في انتهاك للقانون الدولي مع الإفلات من العقاب “.
والأكثر من ذلك أن “المنزل الذي يقل مساحته عن مئة متر مربع يساوي ما يقرب من 440 ألف يورو في القدس، بسبب سعر الأرض وتكلفة البناء والضرائب المختلفة وكذلك تصاريح البناء”؛ ناهيك عن العنصرية التي تتجلى في أن الفلسطيني الذي يهاجم مستوطنا يهوديا يعاقب بشدة، في حين تعتبر الهجمات اليومية على الفلسطينيين من قبل المستوطنين أعمال دفاع عن النفس.

للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)