تحليل: البروفيسور الإسرائيلي “آفي شاليم”- أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد
أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض يوم 13 أغسطس 2020، بكل فخر عن اتفاق بين إسرائيل والإمارات، أشرف عليه بنفسه، لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وأشاد بها ووصفها بأنها “خطوة مهمة نحو خلق شرق أوسط أكثر سلاما وأمنا وازدهارا”، بل إن أحد مستشاري ترامب صرح بأن هذا الاتفاق يجب أن يجعله ]ترامب[ ” مرشحًا وبقوة للحصول على جائزة نوبل للسلام”.
تباينت ردود الفعل على هذه الصفقة، فمن جهة أشاد القادة السياسيون الأوروبيون الرئيسيون ووسائل الإعلام الرئيسية بهذا الأمر ووصفوه بأنه إنجاز تاريخي بالغ الأهمية، ووصفها رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” بأنها ” أنباء طيبة للغاية “.
أما رد الفعل الفلسطيني، كان على النقيض تماماً، حيث استنكر الفلسطينيون الاتفاق باعتباره خيانة للنضال التحرري الفلسطيني وطعنة في الظهر، وعرضت صحيفة “الحياة الجديدة” التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية الاتفاق بأحرف حمراء غاضبة على أنه “عدوان ثلاثي على حقوق الشعب الفلسطيني”.
إن أحد المبادئ الأساسية للدبلوماسية العربية في الصراع مع إسرائيل هو يتلخص في “الأرض مقابل السلام” والذي بموجبه يجب أن تعيد إسرائيل الأراضي العربية التي احتلتها في حرب يونيو 1967، وفي المقابل يتم عقد اتفاقات سلام بينها وبين جيرانها “العرب”، وعلى هذا الأساس أبرمت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 وتبعها الأردن عام 1994.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يقوض آفاق السلام العالمي بالتخلي عن مبدأ ” الأرض مقابل السلام” مقابل مبدأ آخر وهو “السلام مقابل السلام”.
كان دعم الحقوق الفلسطينية في يوم من الأيام إحدى نقاط التوافق القليلة بين الأنظمة العربية الاستبدادية وشعوبها، ويتجسد هذا الإجماع في مبادرة السلام العربية التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 2002.
وعرضت على إسرائيل السلام والتطبيع مع الدول الأعضاء الـ 22 في الجامعة العربية مقابل الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، في قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية، بمعنى أوضح، كان الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة شرطًا للتطبيع مع بقية العالم العربي.
في الواقع، يوجه الاتفاق المبرم للتو رسالة إلى إسرائيل مفادها أنه من الممكن تطبيع علاقاتها مع دول الخليج دون الحاجة إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، كما رحبت البحرين وعمان بمبادرة الإمارات ومن المرجح أن يسيروا على نفس المسار.
من جهة أخرى، ادعت الإمارات بأنها تصرفت لصالح الفلسطينيين من خلال إقناع إسرائيل بالتخلي عن خطتها لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية رسميًا، إلا أن هذا البيان غير مقنع من عدة جوانب:
أولاً، لم يرجع الإماراتيون في هذا الأمر للفلسطينيين، بل تقدموا بخطوات واثقة نحو هذه الاتفاقية وصاغوا بنودها مع الإسرائيليين دون استشارة من أحد
ثانيًا، لا زالت إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتبني مستوطنات منذ 53 عامًا والصفقة عاجزة عن إنهاء هذا الاحتلال.
ثالثًا، خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لضم حوالي ثلث الضفة الغربية رسميًا، بما في ذلك الكتل الاستيطانية ووادي الأردن، ستشكل استيلاءً أحاديًا وغير قانوني على الأراضي.
رابعًا، وافق نتنياهو فقط على تأجيل وليس التخلي عن خطته للضم الرسمي، مباشرة بعد الإعلان في البيت الأبيض، أوضح نتنياهو في التلفزيون الإسرائيلي أن الضم لا يزال هدفه على المدى الطويل. وبالتالي، فإن الصفقة مع الإمارات تمثل انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا للزعيم الإسرائيلي اليميني.
على مدى عقود، راهن “نتنياهو”، ضد الاعتقاد السائد، بأنه سيكون من الممكن تطبيع العلاقات مع دول الخليج دون الحاجة إلى حل النزاع مع الفلسطينيين أولاً، وهوما يسميه “نتنياهو” نهج ” الداخل إلى الخارج”: تطوير علاقات دبلوماسية واقتصادية واستراتيجية منفتحة مع دول الخليج من أجل عزل وإضعاف الفلسطينيين وإجبارهم على تسوية النزاع بشروط إسرائيلية.
يعود نجاح “نتنياهو” في هذه الحالة إلى قوته في الإقناع، واستغلال تطور الديناميكيات الإقليمية والدولية، حيث تشعر دول الخليج بتهديد متزايد من إيران وداعميها في البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولمواجهة هذا التهديد، فهم بحاجة إلى حلفاء أقوياء.
أحد هؤلاء الحلفاء هو “ترامب” الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه ]أوباما[ مع إيران في عام 2015، حليف آخر هو “نتنياهو” الذي شن حملة شرسة ضد إيران ووكلائها في المنطقة، وبالأخص حزب الله اللبناني المدعوم من إيران وضد طموحاته النووية، حيث عززت الجغرافيا السياسية إعادة تنظيم القوات، مما جعل إدارة ترامب وحكومة “نتنياهو” وقادة الخليج في مواجهة إيران، وبهذه الطريقة، تم تهميش قضية فلسطين، في قلب الصراع العربي الإسرائيلي
يمكن تبرير هذا من خلال سياسة واقعية تقليدية: إيران هي عدوهم وهم بحاجة إلى مساعدة إسرائيل لمواجهتها، ولكن ادعاء الإمارات بأنها أبرمت صفقة سلام مع إسرائيل من أجل مساعدة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم هو نفاق من الدرجة الأولى.
أطلق الوسطاء الأمريكيون على الصفقة الإماراتية الإسرائيلية اسم ” الاتفاق الإبراهيمي” أو “اتفاق ابراهام” تيمناً بالنبي ابراهيم، حيث يعتبر ابرهيم رجل السلام من قبل الديانات التوحيدية الثلاث التي ظهرت في الشرق الأدنى: المسيحية والإسلام واليهودية.
هذا هو المكان الذي تكون فيه الفجوة بين الخطاب والواقع أكثر صدمة على حد تعبير “علي أبو نعمة”، كاتب ومعلق في شؤون الشرق الأوسط، ومؤسس الانتفاضة الإلكترونية، فإن مصطلح ” اتفاق إبراهام ” ما هو إلا “محاولة لإفساد اتفاق سياسي قاتم يقوض الحقوق الفلسطينية في إنجاز نبيل للتفاهم بين الأديان”. هناك مثل عربي يقول “ما بُني على باطل فهو باطل”، وفي الغالب، سيكون هذا هو مصير اتفاق إبراهام.
ترجمة العدسة عن صحيفة اورينت.. للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا
اقرأ أيضًا: بعد بيان دعم التطبيع .. تبرؤ وتكذيب واستقالات بالجملة من منتدي تعزيز السلم الإماراتي
اضف تعليقا