استقالة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري الخميس 15 يوليو / تموز، التي تم التنبؤ بها قبل أسابيع، تدفع لبنان، الغارق بالفعل في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية بالعالم، نحو المجهول.

تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة “لاكروا” الفرنسية الضوء على الأزمة اللبنانية، بعد أن اعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة وذلك عقب لقائه مع الرئيس ميشال عون.

وقالت الصحيفة: “الله يعين البلد”، بهذه الكلمات اختتم الحريري، كلمة مقتضبة أعلن فيها عن استقالته أمام الصحفيين من أمام القصر الجمهوري في بعبدا. 

وأضافت “في المناطق السنية، أجج هذه الخبر الشوارع، فقامت مجموعات من الشباب على الفور بقطع الطرق الرئيسية بإطارات مشتعلة أو قمامة؛ احتجاجا على رحيل الزعيم السني، وأيضا على تدهور العملة الوطنية بشدة في السوق السوداء، حيث وصل سعر الليرة 22 ألف مقابل الدولار، أو أربعة عشر ضعف السعر الرسمي.

فهذه الأخبار، تتابع الصحيفة، كانت كافية لمفاقمة غضب اللبنانيين، الذين يعانون بالفعل من نقص كبير (في الأدوية والوقود والكهرباء) المرتبط بالتضخم المفرط وفقدان قوتهم الشرائية، إذ يعيش أكثر من نصف اللبنانيين الآن تحت خط الفقر.

 

تحد كبير

وأشارت إلى أن الحريري، الذي عُين منذ تسعة أشهر خلفًا لحسن دياب، المستقيل في 10 أغسطس/ آب 2020، غداة الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت، كان أمامه تحديًا كبيرًا: تشكيل فريق قادر على إطلاق الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان. 

لكن هذه الخطوة، كما هو الحال دائمًا في لبنان، اتخذت منعطفًا حزبيًا وطائفيًا، فكل مجتمع يستهدف الوزارات ويتهم الآخر بوضع العراقيل.

وكان زعيم الطائفة السنية قدم، الأربعاء 14 يوليو تموز، تشكيلته الوزارية الثانية إلى ميشال عون، بعد أن رفضت الصيغة الأولى قبل أشهر قليلة، ليعتذر أخيرًا في اليوم التالي، بعد لقاء رئيس الدولة الذي أراد تعديل القائمة الوزارية.

وقال الحريري في كلمته “لن نتمكن من التوصل إلى اتفاق”، معربا عن أسفه لإصرار ميشال عون على الحصول على “الثلث المعطل”. 

واعتقادًا منه أن سعد الحريري “اتخذ قراره بالفعل” قبل لقائهما، أعرب الرئيس اللبناني من جانبه عن أسفه لأنه كان رافضًا لأي نقاش، مشيرا إلى أن المشاورات البرلمانية الهادفة إلى تعيين رئيس وزراء آخر ستعقد “بأسرع ما يمكن”.

 

تدمير ذاتي للبنان

ورداً على استقالة سعد الحريري، لم ينتظر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، مساء الخميس، واستنكر “التدمير الذاتي الساخر” للبلاد من قبل القادة اللبنانيين “غير القادرين على إيجاد مخرج من الأزمة”.

وقال للصحفيين في الأمم المتحدة في نيويورك “ما فهمته هو أن رئيس الوزراء المكلف الحريري عرض تشكيل حكومة على الرئيس عون الذي رفضها، ومن المنطقي فحسب أن يصل رئيس الوزراء لأحكامه الخاصة”. 

وتابع “هذا مجددًا حدث مروع آخر، هناك انعدام تام للقدرة لدى الزعماء اللبنانيين على التوصل لحل للأزمة التي تسببوا فيها”.

ومع ذلك، لم تدخر فرنسا والولايات المتحدة أي جهد، حيث استخدمتا عصا العقوبات وجزرة المساعدة، وأرسل البلدان سفراء كل منهما بلبنان، إلى الرياض في 8 يوليو/ تموز لانتزاع الدعم – الإنساني والمالي رسمياً – من الراعي السعودي تمهيداً لمؤتمر المساعدة المقبل في لبنان.

ورغم اعتذار الحريري، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيستضيف المؤتمر الدولي حول لبنان الشهر المقبل في الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، لمساعدة اللبنانيين الغارقين في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

وقالت الوزارة في بيان إن ماكرون سينظم المؤتمر في الرابع من أغسطس/ آب بالتعاون مع الأمم المتحدة “استجابة لحاجات اللبنانيين الذين يتدهور وضعهم كل يوم”.

ووفقا للمحلل السياسي كريم المفتي: لو كان المجتمع الدولي يريد المساعدة لشدد نبرته منذ زمن طويل، هناك عدم اهتمام بالحد الأدنى الذي يحتله لبنان في المنطقة اليوم”.

ويضيف “الجيش والقوى الأمنية فقط مازالا مدعومين بالكاد، وهذه هي القضية الوحيدة للقوى الغربية التي لا تريد عدم الاستقرار في لبنان، بينما البلد ينهار”.

أما جوزيف باحوط، مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأمريكية في بيروت

فيرى أن “المبادرة الفرنسية التي اقترحها إيمانويل ماكرون فشلت فشلاً ذريعاً، وتجسدت في سعد الحريري الذي دعمته فرنسا”.

 

الانتخابات التشريعية عام 2022

وتسائل باحوط: هل تتوصل الطبقة السياسية إلى اتفاق على مرشح نيابي عن الطائفة السنية لرئاسة الوزراء في لبنان الطائفي؟، مضيفا “السيناريو الأكثر ترجيحًا هو ترقيع حكومة حسان دياب المنتهية ولايتها، مع بعض التعديلات حتى الانتخابات التشريعية لعام 2022”.

وخلص كريم المفتي إلى أن هذا التحدي يصب في مصلحة الطبقة السياسية، التي جعلت من سياسة الانتظار والترقب علامتها التجارية، رسالة تخبر الجميع: لا نعرف شيئا، مؤكدا أن ” الثمن الذي يجب دفعه اليوم هو بقاء السكان”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا