أصبحت الخدمة العسكرية، التي تُستخدم أساسًا لسحق الثورة، كابوسًا للشباب السوري، وللهرب منه، يفر البعض من البلاد، ويعيش البعض الآخر في الخفاء.

في كل سنة، في نهاية شهر مايو، يستولي القلق من واجب الخدمة العسكرية على الشباب السوريين، لأنه منذ تلك اللحظة، يتم تسجيل جميع الذين لم يستجيبوا للخدمة، وهذا يعني أنه يمكن القبض عليهم في أي وقت في الشارع لنقلهم إلى مركز التجنيد، للتسجيل هناك، وفحصهم وإرسالهم أخيرًا إلى وحدة الجيش.

أصبح من المسلَم به بالنسبة للعديد من السوريين، الذين خضعوا لعقود من غسيل المخ، فإن “الدفاع عن الوطن” هو موضوع لا يمكن مناقشته، وبالنسبة لهم، فمن خلال القتال من أجل النظام فهم يدافعون عن الوطن، لأنهم يعتقدون أن سقوط بشار الأسد سيعني هلاك سوريا.

النزعة الطائفية التي يرسخها النظام تغرس فيهم خوفًا عامَا من بعضهم البعض، لذلك ليس من المستغرب أنهم مستعدون للقتال ضد أبناء وطنهم والانضمام إلى الجيش بإرادتهم الحرة.

لكن ليس للبعض الآخر نفس وجهة النظر هذه، فالبعض ينضم مجبرين ومكرهين، أحيانا لكيلا يتم جلب المشاكل لأحبائهم، ولكن البعض الآخر يرفضون فكرة القتال والقتل، ولا يريدون أن يفقدوا حياتهم ليصبحوا “شهداء”، أو يرفضون أن يكونوا بيدق النظام، بالنسبة لهم، فإن الخيار الوحيد الممكن هو الاختفاء أو الفرار من البلد.

قد غادر الكثيرون إلى لبنان أو تركيا للبقاء هناك أو الانطلاق في رحلة طويلة إلى أوروبا، كما يوضح “نورس” ذلك قائلا: “أنا ضد الحرب، وفي كل الأحوال سأكمل حياتي بعيداً، فأنا الآن أعيش حياة هادئة في ألمانيا، حيث الأمان كما يمكنني النجاح في حياتي المهنية “.

لكن الحياة كلاجئ ليست سهلة، حيث يتساءل “عصام” عما إذا كان سيتمكن من رؤية أحبائه مرة أخرى، فقد عانى سابقاً من عدم القدرة على رؤية والدته قبل وفاتها، وهذا ما جعله يكره النظام أكثر: “يحق لنا أن نعدم الأسد لأنه يدوس على حياتنا العائلية”.

أما “سامر” فقد كان ضابطاً ينفذ ما يطلب منه ويشجع جنوده على خوض المعركة، ولكن، بينما أصيب مرتين، يدّعي أنه لم يقتل أحداً، في مواجهة المدنيين على وجه الخصوص، كان يحرص دائمًا على إطلاق النار في اتجاه الأعلى أو الأسفل، ويؤكد: “القانون الدولي يكرس مبدأ الاستنكاف الضميري، الذي يجعل من الممكن رفض المشاركة في الحرب، ولكن من الواضح أن النظام لا يبالي”، ويضيف: “لن أرغب أبداً في أن أقتل أحد، لا سيما لو كان مدني سوري”.

أما “مازن” فيعيش: “منذ عشر سنوات مختبئا: “منذ عشر سنوات، تم القبض عليَ مثل الفئران في مدينتي، ولم أجرؤ ولا مرة واحدة على السفر لمسافات طويلة، هذه هي الطريقة لكي أعيش حياتي، ولكن في نفس الوقت، يمنعني ذلك من العيش “.

أحيانًا يسلك “مازن” طرقًا طويلة لتجنب الشوارع التي تتكرر فيها عمليات التحقق من الهوية، كما أنه لا يستطيع الخضوع لإجراءات الإدارية، ومن الواضح أنه لا يستطيع التفكير في الزواج، لأنه يجب عليه الإدلاء بشهادة عسكرية لذلك.

قبل عشر سنوات، عندما اتخذ قراراً بالاختباء، لم يتخيل كل العواقب التي كانت ستترتب على ذلك، فأحياناً يندم على اختياره، ولكنه يخلص إلى أن “هذه السنوات ستمر على أي حال، بطريقة أو بأخرى”، ويضيف: “على الأقل لم أمت برصاصة أثناء القتال”.

في جنوب البلاد، كان “لعلاء” صديق في الجيش يبلغه كلما كانت الفرق تخطط لعقد جولات في المنطقة، وبذلك يحرص “علاء” على الاختباء لبضعة أيام، واليوم، يقوم بزراعة أراضي يملكها والده ويبيع الطماطم والباذنجان لأهل القرية، قائلاً: “كلما رأيت المحصول ينمو، أقول لنفسي أنني اتخذت الخيار الصحيح”.

طريقة أخرى للمرواغة

هناك طريقة أخرى أيضا للفرار، وهي تمديد الدراسة الجامعية قدر الإمكان، ثم العمل على الرسوب في الاختبار النهائي، ولكن لا يسمح بالرسوب أكثر من ثلاث مرات.

 كان “عماد” من بين الذين لم يكن لديهم خيار سوى التجنيد بسبب وضعه المالي، لكنه تمكن من تعيين نفسه عند نقطة تفتيش بالقرب من درعا، بعيدًا عن الجبهة، وعلى جدار غرفته الصغيرة، قام بتركيب لوحين لتخزين كتبه، وبمجرد الانتهاء من الخدمة، يبدأ في قراءة أو كتابة الشعر.

نظريًا، باستثناء حالة المرض أو العجز الجسدي، يجب على جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 سنة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام ونصف إلى عامين.

الوحيدون الذين يتم إعفاؤهم هم الأولاد الوحيدون، بموجب قاعدة دستورية تجعل جميع الشباب الذين لم يحصل آباؤهم على صبي ثانٍ وهم في الواقع أشخاصا محظوظين.

السمعة الطيبة للجنديات

تلقت حوالي 500 امرأة تدريباً قصيراً لمدة شهر قبل دخول ساحة المعركة، وبحسب التصريحات الرسمية، فقد أعربوا جميعًا عن رغبتهم في المشاركة، فبعضهم فَقد أخًا ويريد الانتقام، والبعض الآخر يؤيد فكرة الدفاع عن الوطن بالدفاع عن النظام.

سمعة هؤلاء الجنديات المجندات أفضل من سمعة نظرائهن الذكور، ويبدو أنه يمكن للمرء أن يتوقع سلوكًا أفضل عندما يمر عبر نقطة تفتيش يسيطرن عليها، هذا لا يعني أنهم لم يشاركن في القتال واحتدمن كقانصات.

لكن على الرغم من أن موضوع “الدفاع عن الوطن” قد يكون عاملاً محفزاً، إلا أنها في العمق غالبًا ما تكون أكثر قسوة مما تبدو عليه، في بعض الأحيان يسرق الضباط أو الجنود أو يستولون على قرى بأكملها ثم يبيعونها مقابل مبالغ زهيدة، وبالتالي فإن ممارسات هؤلاء الجنود، الذين يقتلون وينهبون ويسرقون، تجعل العديد من السوريين يعانون من هذه “الوطنية” التي لا تترك سوى كومة من الأنقاض.

(تم تغيير جميع الأسماء.)

ترجمة العدسة عن صحيفة لوكوريي أنترناسيونال الفرنسية ـ للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)