ترجمة العدسة عن صحيفة نيوز24 الفرنسية
يعاني لبنان الآن من انهيار اقتصادي ضخم هو نتيجة عقود من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والإفراط في الإنفاق، ومع تفاقم الأزمة يتلاشى الأمل في الإنقاذ حيث تعارض النخب الحاكمة في البلاد الإصلاحات والضوابط الخارجية التي ستفتح المساعدات الدولية، خاصة بعد توقف المحادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار.
عُرف لبنان كواحة ازدهار واستقرار نسبي خلال العقد الماضي الذي شهد فيه الشرق الأوسط موجة واسعة من الاضطرابات، والآن يتوقع الاقتصاديون انهيارًا على الطراز الفنزويلي، مع نقص حاد في السلع والخدمات الأساسية، وانتشار التضخم المتزايد وانعدام القانون، في بلد يقع في قلب منطقة غير مستقرة بالفعل.
فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 60٪ من قيمتها في الشهر الماضي و80٪ من قيمتها منذ أكتوبر، ومع ارتفاع الأسعار واختفاء السلع، حدث انفجار اقتصادي، يتسارع بمعدل ينذر بالخطر في لبنان الذي يعاني على جميع الأصعدة.
الخبز، وهو عنصر أساسي في النظام الغذائي اللبناني، أصبح شحيح التواجد لأن الحكومة لا تستطيع تمويل واردات القمح، كما تختفي الأدوية الأساسية من الصيدليات، وتطرد المستشفيات الموظفين لأن الحكومة لا تدفع الميزانية، بالإضافة إلى إلغاء العمليات لعدم وجود كهرباء أو وقود لتشغيل المولدات.
معلقاً على الأزمة، قال “فواز جرجس”، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد إن الاقتصاد اللبناني انهار تماماً، مضيفاً أن النموذج اللبناني الذي تأسس منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990 قد فشل.
وقال إن التداعيات مقلقة، بينما يحتل لبنان موقعًا ضعيفًا بشكل خاص كدولة في حالة حرب مع أحد جيرانها “إسرائيل” المجاورة لحرب أخرى سوريا، وفي مرمى النزاع بين الولايات المتحدة وإيران.
كانت الدولة تاريخياً بمثابة ساحة معركة للتنافس الإقليمي والدولي، مثلاً خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا، وكذلك في عام 2006، عندما شنت إسرائيل حربًا قصيرة مع حزب الله، وحالياً، تلعب الميليشيات المدعومة من إيران الآن دور مهم في السياسة اللبنانية.
يأتي السياسيون اليوم من نفس السلالات الطائفية التي قادت الحرب سابقاً، حيث قاموا بتحويل ميليشياتهم إلى أحزاب سياسية، ويشمل هؤلاء قادة الطوائف المسيحية والسنية والشيعية والدرزية الذين اتخذوا مناصب حكومية وكونوا علاقات مع البنوك، ثم اقترضوا أموالًا لمشاريع رسمية نفذتها شركات مملوكة لمسؤولين أو لأصدقائهم أو أقاربهم، بحيث أثرت النخب نفسها على حساب الفقراء، وتم إرساء أسس الانهيار الحالي.
قال “جرجس”: لا أحد يتوقع حربًا جديدة قريبًا، ولكن من المتوقع أن تزداد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراع وربما جذب القوى الإقليمية، كما حدث في السنوات الأخيرة في سوريا وليبيا واليمن وفي لبنان في الماضي.
من أصل 6.8 مليون شخص يعيشون في البلاد، 1 من كل 5 هم من اللاجئين، معظمهم من السوريين، مما يجعل لبنان أعلى عدد من اللاجئين للفرد في العالم، وفقا لأرقام الأمم المتحدة والبنك الدولي.
قال “نيكولاس أوبرلين”، نائب المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إنهم ]اللاجئين[ سيتضررون بشدة لأن الأسعار تتجاوز مواردهم الشحيحة وتضرب القطاع غير الرسمي الذي يعتمدون عليه.
بالإضافة إلى أن مئات الآلاف من اللبنانيين من المتوقع الآن أن ينضموا إليهم في مستوى الفقر، حيث يقوم برنامج الأغذية العالمي بالفعل بإطعام 750.000 لاجئ سوري في لبنان، والآن، وللمرة الأولى منذ الحرب مع إسرائيل عام 2006، تخطط المنظمة لتوزيع الطعام على اللبنانيين الجائعين الذين من المتوقع أن يصلوا إلى رقم زوجي بحلول نهاية العام.
وبحسب ما قاله “ناصر السعيدي”، وزير الشؤون الاقتصادية اللبناني السابق الذي يعمل الآن مستشاراً مالياً في دبي، إن “اللبنانيين أنفسهم يمكن أن يصبحوا لاجئين”، مؤكداً: “يمكن أن تكون هناك أزمة لاجئين ضخمة”، وتابع “هل هذا ما يريده لبنان وبقية العالم؟ هل يريدون دولة فاشلة أخرى على البحر الأبيض المتوسط؟”
مع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن العالم مستعد للمساعدة، وقال ثلاثة أشخاص مطلعون على المحادثات إن ستة أسابيع من المحادثات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي وصلت إلى طريق مسدود، أعاقته المناقشات بين أعضاء الوفد اللبناني بشأن حجم الأموال المفقودة وكيفية تقاسم الخسائر.
قالت مديرة صندوق النقد الدولي “كريستالينا جورجيفا” للصحفيين في أواخر الشهر الماضي: “كان الأمر صعبًا حقًا… جوهر المشكلة هو ما إذا كان يمكن أن تكون هناك وحدة في البلد”.
منذ وقت طويل، أوضح الحلفاء الغربيون في لبنان أنهم لن يساهموا إلا إذا بذلت الحكومة جهودًا لإصلاح القطاع العام الفاسد، وتم تقديم حزمة القروض والاستثمارات البالغة 11 مليار دولار منذ عام 2018 شريطة أن تقوم الحكومة ببعض التغييرات المحدودة.
كما أكدت دول الخليج، والتي كانت قد قطعت وعدا بتقديم المساعدة في إعادة الإعمار بعد حرب 2006، إنها لن تقدم المساعدة بعد الآن لدولة يعد فيها حزب الله المدعوم من إيران القوة السائدة.
ربما يكون السؤال الأكبر الآن هو ما إذا كانت النخب السياسية القوية في لبنان ستوافق على الإطلاق على نوع الإصلاحات التي ستفتح المساعدات الدولية، خاصة وأنهم المستفيدون الرئيسيون من النظام الذي ترك البلاد مفلسة، على حد قول المحلل السياسي “دان عزي”، الذي أضاف أنه من المقبول على نطاق واسع أن الكثير من الأموال المفقودة ينتهي بها الحال في جيوبهم أو في حسابات مصرفية أجنبية.
وأضاف “عزي” أن وباء فيروس كورونا ساهم في الانكماش الحاد في الاقتصاد، لكنه ليس سبب الثغرة الهائلة في الأزمة المالية للبلاد التي نشأت في أواخر العام الماضي، فلبنان لا ينتج شيئًا تقريبًا وقد اعتمد لسنوات على تدفق الدولارات من العدد الكبير من اللبنانيين العاملين في الخارج.
عزي ومحللون آخرون أجمعوا أن تلك الدولارات أدت إلى “تسوية” ترقى إلى “مخطط بونزي”، حيث تقدم البنوك أسعار فائدة عالية لجذب الودائع بالدولار الأمريكي، ثم إقراض الأموال للحكومة حتى عند استنفاد الودائع، وأن المبالغ المفقودة الآن من النظام المصرفي ربما 100 مليار دولار، وفقا للأرقام الحكومية.
وبحسب ما قاله “جاد شعبان” الخبير الاقتصادي بالجامعة الأمريكية في بيروت “إن ثلاثة أرباع الودائع في النظام المصرفي مقومة بالدولار الأمريكي، وربما خسر العديد من اللبنانيين العاديين معظم أو كل مدخراتهم”.
وأشار “شعبان” إلى أن النخب تعمل الآن معًا لمعارضة الإجراءات الحكومية المقترحة التي من شأنها أن تفتح الباب للمساعدة، ولكنها تقوض أيضًا النظام الذي أفادهم، حيث تشير التقديرات إلى أن 1٪ من السكان يسيطرون على أكثر من 80٪ من ودائع الدولة، ويتردد الأغنياء في قبول المقترحات التي من شأنها أن تقلل من أعمالهم.
أكد “هنري شاول” المحلل المالي على أن أحد الإجراءات التي ستكون مطلوبة كجزء من اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، هو قانون مراقبة رأس المال لمنع تسرب الأموال من البلاد.
لكن “شاؤول” عارض مثل هذا القانون وسط مؤشرات على أن الأغنياء استمروا في نقل ثرواتهم إلى الخارج، وفي المقابل يواجه الأشخاص العاديون قيودًا من بنوكهم على مقدار ما يمكنهم سحبه.
من المتطلبات النموذجية الأخرى لصندوق النقد الدولي، والتي وافق عليها برنامج الحكومة للتعافي، هو التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي لتحديد أين ذهبت الأموال المفقودة، لقد لعب السياسيون ضد هذا أيضًا، وفقًا لأشخاص مطلعين على المحادثات.
صرح “سايمون نعيمي”، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت، “إن مراجعة الحسابات التي تشير إلى أين ستذهب الأموال ستشمل على الأرجح المؤسسة السياسية”.
للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا