ترجمة العدسة عن صحيفة لوموند الفرنسية: 

في خضم الأزمة الصحية الناتجة عن وباء “كوفيد 19″، شغلت صور الحشود المتجمعة أمام مستودعات السميد وسائل الإعلام التونسية لأيام.

انتهى الأمر بتوزيع هذه السلعة المدعومة من الدولة في المتاجر الكبرى، ومع ذلك، فهي تظل منتجا مرغوبا للغاية من قبل المستهلكين، لأنه يتيح لهم إمكانية إنتاج خبزهم اليومي بأنفسهم وبتكلفة منخفضة.

فوجئ البعض بهذا النقص، يقول المزارع كريم داود: “مع الإنتاج الوطني للحبوب، بالإضافة إلى الواردات والمخزون، نتساءل كيف تمكنا من الدخول في نقص أو توتر شديد بشأن توفر هذه المنتجات!”

على الرغم من قيام الدولة بتوزيعه ونقله بمرافقة الجيش، فإن السميد لا يصل بأمان دائمًا، كما يتضح من الحالات التي رصدتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فقد رصدت المنظمة عدة حالات لمندوبين إقليميين اختلسوا السميد لتوزيعه على أقاربهم أو على المضاربين.

السوق السوداء

ونتيجة لذلك، تتداول هذه السلعة الأساسية بشكل متزايد في السوق السوداء بأسعار أعلى بثلاث مرات، وقد أبدى رئيس الحكومة إلياس فخفاخ هذه الملاحظة المحزنة خلال زيارته لسوق الجملة في السابع من مايو الجاري: “لقد ضبطنا ما يقرب من 1000 طن من السميد الذي كان يجري تداوله خارج قنوات التوزيع، أي أكثر بعشر مرات مما صادرناه العام الماضي خلال نفس الفترة”.

كما يتم استنكار تضارب المصالح والاحتكارات، فقد أوضح الخبير الاقتصادي أنيس المراكشي أن “المشاكل تتخلل سلسلة الإنتاج والتوزيع بأكملها، وصولا إلى المطاحن المجبرة على مجابهة نظام الحصص التي يفتقر توزيعها إلى الشفافية”، ويشعر أصحاب المطاحن الصغيرة أو الوافدين الجدد بالتهميش في وجه مجموعات كبيرة في هذا القطاع.

واعترض باسم جمال، مدير مصنع الدقيق قائلا: “لا يمكنني العمل إلا بنسبة 18٪ من طاقتي لأنني لم أحصل على ما يكفي من القمح، إنه لأمر مخز بينما أصبح السميد منتجًا يتزايد الطلب عليه، ومن ناحية أخرى، هناك مطاحن تعمل بنسبة 100٪”.

ورداً على ذلك، يقول أصحاب المطاحن المحظوظون بأن “من الطبيعي توزيع الكميات الشهرية من القمح وفقاً لحصة كل طرف في السوق، والتي يحددها تاريخ وجودهم في السوق وكذلك إمكانياتهم وقدراتهم الإنتاجية”.

تهدئة التوترات

وبحسب الخبير الاقتصادي إلياس جويني، فإن هذا التوزيع هو الذي يطرح المشكلة، ويحلل قائلاً: “نظرًا لأن غرفة نقابة عمال المطاحن هي التي تقرر الحصص المخصصة لكل مكتب من مكاتب الحبوب، فإن هناك تضاربًا بنيويًا في المصالح يمنع دخول الوافدين الجدد وليس في مصلحة المستهلك في النهاية”.

على الرغم من أن وزير التجارة حاول تخفيف التوترات من خلال توفير المزيد من القمح لمطاحن الدقيق، فإن قضية السميد في تونس تُظهر أزمة عميقة في قطاعات معينة من الاقتصاد التونسي وسوء الإدارة في أوقات الأزمة الصحية، وتكشف أيضًا عن استمرار الفشل في السيطرة اليومية على المحسوبية.

يشكل هذا تحديا للحكومة الجديدة التي وعدت بجعل محاربة الفساد أولى أولوياتها، والذي يكلف اقتصاد البلد ما يقرب من 3 تريليون دينار (حوالي 950 مليون يورو) كل سنة، أي ما يعادل 2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقا للمنظمة الغير الحكومية Transparency International.

وقال أنيس المراكشي: “لدينا علاقة مصالح قوية بين بعض رجال الأعمال والإدارة والسياسة، مما يمنع أي تغيير في تطوير المؤسسات الاقتصادية نحو الأفضل”، وهذا ليس تشخيصا جديدًا، لكن المؤسسات المعنية بتنظيم المنافسة لديها حيز محدود للمناورة.

تضارب واضح في المصالح

وبحسب الخبير الاقتصادي، “أدت هذه العوائق إلى عرقلة التنمية في البلاد بالأمس وستؤدي إلى عرقلة التعافي غدا خلال مرحلة ما بعد الكورونا”، لكن على الأقل كانت للأزمة الصحية ميزة فضح حدود النظام.

كما أثار تضارب المصالح السياسية والاقتصادية جدلاً في مجال آخر خاص بفترة وباء كوفيد 19، وهو إنتاج الأقنعة، فبعد ارتباك مشابه لفرنسا حول ضرورة أو عدم تغطية الأنف والفم، أعلن رئيس الحكومة عن هدف إنتاج يقارب 30 مليون قناع.

بينما كشفت وسائل الإعلام أنه تم على عجل منحُ عقد لإنتاج مليوني قناع لرجل أعمال تصادف أيضًا أن يكون عضوًا في البرلمان، وهو تضارب صارخ في المصالح استنكره البرلمان أيضًا، وقد تم الاعتراف بالأخطاء الإجرائية والقانونية في نهاية المطاف من قبل العديد من الوزراء، والقضية الآن موضوع تحقيق قضائي.

كما شجبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قيام مجموعات معينة بشراء جميع الأقمشة القابلة لإعادة الاستخدام واللازمة لتصنيع الأقنعة بهدف احتكار الإنتاج ومن ثم تكون قادرة على فرض سعر الأقنعة، وقد استنكر العديد من مصنعي المنسوجات أخيراً دفتر الشروط “الغامض” الذي من المرجح أن يفضل شركات معينة على حساب شركات أخرى.

لم تشهد تونس تسجيل أي إصابات رسمية جديدة بوباء “كوفيد 19” في الأيام الأخيرة، ومع وجود 45 حالة وفاة و1032 إصابة، فقد نجت من فاجعة الغرب، ومع بدء عملية رفع الحجر الصحي بشكل جزئي في الرابع من مايو، استأنفت البلاد أنشطتها الاقتصادية.

لكن الأمر يبدو معقدًا بالنسبة لاقتصاد ضعيف بالفعل قبل وصول الفيروس، وهو ما أكده الياس فخفاخ في مقابلة مع قناة فرانس 24، أن البلاد ستحتاج إلى اقتراض ما يقرب من 5 مليارات يورو لإدارة آثار الأزمة واستكمال ميزانيتها لعام 2020.

إذا كان الركود يهدد التحول الديمقراطي في تونس، فقد عززت قضايا الفساد المختلفة الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية دائمة، وخلص الخبير الاقتصادي إلياس الجويني إلى أن “تونس تبلي بلاء حسنا في الوقت الراهن فيما يتعلق بالصحة، ويجب على صنّاع القرار السياسي أن ينتهزوا الفرصة للقطيعة مع اقتصاد الريع، لكن الأمر سيتطلب الكثير من الشجاعة السياسية لتغيير الأمور”.

للاطلاع على المقال الأصلي(اضغط هنا)

اقرأ أيضاً: صحيفة لوبوان الفرنسية: تونس تمر بـ”أسوأ ركود منذ الاستقلال”