ترجمة: إبراهيم سمعان

خلال الفترة الأخيرة، كثفت المنظمات الإنسانية والحقوقية ضغوطها على الدول الغربية التي تصدر أسلحة للسعودية؛ وذلك بسبب تورط الأخيرة في صراع اليمن منذ عام 2015، والذي تسبب في أسوا أزمة إنسانية يشهدها العالم، وفقا للأمم المتحدة.

آخر هذه الضغوط استهدف فرنسا، بعد دراسة أعدها مكتب المحاماة الفرنسي “Ancile”، أكد فيها أن هناك “خطرًا من الناحية القانونية تجاه عمليات نقل الأسلحة الفرنسية إلى السعودية والإمارات، إذ تعد غير قانونية في ضوء التزامات فرنسا الدولية”، ما يمكن أن يجعلها “متواطئة في جرائم الحرب التي ارتكبت في اليمن”.

صحيفة “lorientlejour” الناطقة بالفرنسية، نشرت تقريرًا حول أسباب استمرار الدول الغربية في بيع أسلحة للسعودية، رغم الجرائم الإنسانية التي يشهدها اليمن في ظل استمرار الحملة العسكرية التي تقوها الرياض في هذا البلد، وتسببها في مقتل وإصابة وتشريد الملايين، ناهيك عن الأمراض وتدمير البنية التحتية.

وقالت الصحيفة: استمر سباق التسلح في الشرق الأوسط بالتسارع خلال السنوات الأخيرة، مع قيادة المملكة العربية السعودية مجموعة المستوردين، فالرياض التي تقوم بتحديث ترسانتها العسكرية باستمرار هي سوق مربحة بالنسبة للغربيين.

في 9 مارس، وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، إعلان نوايا لشراء 48 مقاتلة يوروفايتر تايفون، في صفقة تقدر قيمتها بنحو 8 مليارات إسترليني، أو 11 مليار دولار.
هذا العقد أثار انتقادات المنظمات الدولية، التي اعتبرت أن الغرب يغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية، وفي هذا الصدد، أدانت صحيفة “الجارديان” البريطانية، في افتتاحية “الدور المخزي لبريطانيا في اليمن، الذي يحتم عليها الضغط باتجاه هذه القضية” بدلا من أنها “في الوقت الحالي” (الحكومة البريطانية) تبدو أكثر تركيزا على تعزيز مبيعات “تايفون”.

المطالبات الحقوقية أصبحت حادة أكثر فأكثر، في ضوء الصراع اليمني الذي قادت فيه المملكة الوهابية تحالفًا دوليًّا منذ عام 2015، إلى جانب القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، في مواجهة الحوثيين المدعومين من قبل إيران، العدو اللدود للرياض.

ولي العهد الذي خسر رهان هذا الهجوم، غارق الآن في صراع قتل أكثر من 10 آلاف شخص وجرح 53 ألفًا آخرين منذ 2015، ينظر بعض المراقبين إلى اليمن على أنها “فيتنام السعودية”، بينما تتهم “هيومن رايتس ووتش” الرياض بارتكاب “جرائم حرب ضد الأطفال”.

ثاني أكبر مستورد في العالم
الأولوية الأخلاقية أم الشراكة الإستراتيجية؟ هذه القضية أساسية وتسلط الضوء على حدود مبيعات الأسلحة بين الدول، تصدير الأسلحة من عدمه للبلدان المتورطة في صراع “قرار يجب اتخاذه على المستوى الوطني في كل حالة”، تقول أود فلورانت، مديرة برنامج التسلح والإنفاق العسكري بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

ولأنه يتجاوز الاعتبارات الاقتصادية، ينتهي الأمر بالسياسة الواقعية إلى التأثير على القرار النهائي لكل من الجهات الفاعلة المعنية، وتضيف “فلورانت”: “دول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ترى السعودية كشريك يحتاج إلى دعم”، وفي هذه الحالة “حقوق الإنسان وزنها أقل في صنع القرار؛ لأن مصالح الأمن القومي لها الأسبقية”.

لا يبدو أن الترتيبات العسكرية بين الغربيين والمملكة الوهابية تتوقف عندما تمثل الرياض مصدرًا رئيسيًّا للعقود المربحة، وفقًا لتقرير جديد أصدره (SIPRI) هذا الشهر، الرياض ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند، خلال الفترة 2013-2017 ارتفعت وارداتها بنسبة 225٪ مقارنة بالهند من 2008-2012.

وهكذا تتصدر السعودية قائمة مستوردي الأسلحة في المنطقة، قبل مصر والإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من المخاوف الإنسانية والممارسات العسكرية السعودية، تواصل الشركات الأوروبية الكبيرة المنتجة للأسلحة في فرنسا وبريطانيا التعاون مع السعودية في حين أن 98 ٪ من أسلحة الرياض تأتي من الولايات المتحدة.

كما وقعت واشنطن والرياض صفقة بقيمة 350 مليار دولار مايو الماضي، وهي أعلى صفقة في تاريخ الولايات المتحدة، ونظرًا لتعاونهم الطويل الأمد، “من غير المحتمل أن ترفض الولايات المتحدة بيع الأسلحة للسعودية، على الرغم من أنها قد تحجب بعض الأسلحة، مثل الذخائر العنقودية”، كذلك وقع الرئيس “ترامب” مؤخرًا صفقة أسلحة بقيمة مليار دولار مع ولي العهد، والتي ينبغي إقرارها إذا حصل على موافقة الكونجرس.

لقد أشار دونالد ترامب – مرارًا وتكرارًا- إلى المصالح الاقتصادية التي تمثلها هذه العقود للأمريكيين، وقال خلال لقائه بمحمد بن سلمان في واشنطن: “السعودية دولة غنية للغاية، وستمنح الولايات المتحدة بعض هذه الثروة في شكل وظائف في صورة شراء أفضل معدات عسكرية في العالم”.

كما طلب وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس من مجلس الشيوخ ألا يحد دعم واشنطن للرياض، في خطاب أمام الكونجرس قائلا: “القيود الجديدة التي تحد الدعم العسكري الأمريكي يمكن أن تزيد الخسائر في صفوف المدنيين، وتعرض التعاون لمكافحة الإرهاب مع شركائنا للخطر، وتقلل تأثيرنا على السعوديين، وهو ما يزيد من تفاقم الوضع والأزمة الإنسانية”.

قدمت الولايات المتحدة دعما “غير قتالي” للرياض منذ عام 2015 في اليمن، من خلال إعادة التزود بالوقود وتبادل المعلومات، وكان مجلس الشيوخ قد أوقف قبل أيام قرارًا يدعو إلى الحد من دعم الرياض في اليمن.

إن استخدام الرياض للأسلحة التي تنتجها الدول الأوروبية تم استنكاره مرارًا وتكرارًا منذ بداية الصراع اليمني، وتثير المنظمات الدولية قضية امتثال هذه الصادرات لمعاهدة تجارة الأسلحة لعام 2013.

أدلة هائلة!

أثار تقرير نشر الأسبوع الماضي في فرنسا ضجة حول هذا الأمر، تتضمن مزاعم بانتهاك القانون الإنساني الدولي، وتوضح الوثيقة أن صادرات الأسلحة الفرنسية إلى اليمن “يمكن أن تشكل انتهاكًا لفرنسا” وقالت لين معلوف، مديرة مكتب الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية في بيان: “هناك أدلة كثيرة على أن تدفقات الأسلحة غير المسؤولة إلى التحالف الذي تقوده السعودية أسفرت عن ضرر كبير للمدنيين اليمنيين”.

في الوقت الذي يحاول فيه الرأي العام والمنظمات الدولية ممارسة الضغط على الحكومات، اتخذت بعض الدول بالفعل قرارًا بتقييد صادرات الأسلحة إلى الرياض أو وقفها تمامًا، مثل فنلندا في عام 2015، وهولندا في 2016 أو ألمانيا في يناير الماضي، في حين أن دولًا أوروبية أخرى تنظر في الأمر.
تبنى البرلمان الأوروبي في هذا الصدد قرارًا غير ملزم في ديسمبر، “يدين الغارات الجوية العشوائية من قبل قوات التحالف”، اعتمد القرار بتأييد 539 صوتا و 13 ضد وامتناع 81، كما حصل تصويت منفصل لصالح حظر الأسلحة على السعودية على أغلبية أصوات أعضاء البرلمان الأوروبي.

قرار له أهمية رمزية محدودة فقط، لاسيما وأن اللوائح الخاصة بمبيعات الأسلحة “ينظر إليها على أنها شـأن داخلي” في الأسواق ذات النظام الوطني، كما تقول فلورانت.