ترجمة العدسة عن صحيفة لوكوريي انترناسيونال الفرنسية
الإجراءات العقابية الأمريكية ضد سوريا، المعروفة باسم “قانون قيصر”، دخلت حيز التنفيذ منذ 17 يونيو المنصرم، لتفصل هذه العقوبات بين فئتين من المعارضة السورية، فئة الذين يعتقدون أنها ستعزز الديكتاتورية، وأولئك الذين يبتهجون من أول مشاركة حقيقية لواشنطن ضد نظام “بشار الأسد”، حيث قدمت صحيفة “العربي الجديد” اليومية كلتا وجهتي النظر.
نعم.. هي الطريق الأكثر جدية للضغط على النظام
تزامن دخول “قانون قيصر” حيز التنفيذ مع انخفاض حاد في الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، وفي الوقت نفسه، توقع الناس الآثار السلبية للعقوبات، الأمر الذي سبب في التدافع لاقتناء المنتجات الأساسية، التي ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، وكذلك الأدوية التي أصبح من شبه المستحيل العثور عليها.
من الواضح أن معاناة السوريين العاديين تزداد سوءاً، ليس فقط في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولكن في كل مكان لا تزال تُستعمل فيه الليرة السورية، ويستغل النظام هذه العقوبات كالمعتاد ويدعو إلى “مقاومة المخطط الأمريكي”.
الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذا القانون تسبب في خلاف بين المعارضين السوريين، وقد أعرب الكثير منهم عن مخاوفهم بشأن الآثار التي قد تنجم عن تلك العقوبات على حياة السوريين العاديين، دون التأثير على النظام ومسؤوليه.
قال القسم الأول أنه يجب معارضة هذا القانون، حتى لو كان هذا يعني “معضلة أخلاقية”، ويجب احترام موقفهم، فهذا جزء من نقاش قديم وطويل حول التوفيق بين الأخلاق والسياسة.
لكن أولئك الذين يؤيدون “قانون قيصر” هم أيضًا قلقون على رفاهية السوريين، لأن الاقتصاد السوري قد انهار في الواقع قبل وقت طويل من هذا القانون، وهذا ما تظهره المؤشرات الاقتصادية، فقد أسفرت سنوات الصراع العشر، وفقًا لأحدث الإحصاءات، عن خسائر اقتصادية بلغت 540 مليار دولار، وتدمير 40٪ من البنية التحتية، وزيادة البطالة إلى 42.3٪، ومعدل الفقر إلى 85٪، وكذلك الدين العام إلى 208٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
لن تؤثر العقوبات على المساعدات الإنسانية
ساهم عامل آخر في تفاقم الوضع، وهو الصراع على السلطة داخل العائلة الحاكمة، تحديداً بين “بشار الأسد” وابن خاله “رامي مخلوف”، ويبدو أن هذا الأخير حشد معارفه من سماسرة البورصة للتلاعب بالأسعار في السوق السوداء، بهدف زيادة الضغط على النظام، وبعبارة أخرى، حتى الآن، ليس “قانون قيصر” هو الذي تسبب في الانهيار الاقتصادي.
علاوة على ذلك، لم يكن عامة الناس في سوريا يعيشون في رغد، بل على العكس، فقد استمر البؤس لسنوات طويلة، مع ضرورة إيجادهم ألف طريقة لإدارة حياتهم، من خلال تقليل الاستهلاك قدر الإمكان من أجل توفير الخبز اليومي.
وبصرف النظر عن الأشخاص أصحاب الامتيازات والذين هم جزء من سلطات النظام، ينقسم السوريون اليوم إلى فئتين:
الفئة الأولى، وهي التي تمثل حوالي 55٪ من العائلات، والتي تعيش على تحويلات من أقاربها المنفيين في الغرب، وقد بلغت قيمة هذه التحويلات 2.3 مليار دولار سنة 2016، وفقاً لمكتب الإحصاءات المركزي، وهذا يعادل 19٪ من الناتج القومي الإجمالي، أي أكثر من حصة الصناعة، كما أنها تزيد عن حصة الإنفاق الاجتماعي الحكومي في موازنة العام نفسه.
وتخص هذه الأرقام المبالغ التي تمر عبر القنوات الرسمية فقط، لذلك فهي أقل بكثير من الواقع، حيث يتم إجراء معظم التحويلات من خلال السوق السوداء من أجل الهروب من اقتطاع البنك المركزي السوري، الذي يفرض سعر صرف منخفض بشكل مصطنع.
الفئة الثانية وهي الأكثر فقراً، فهي التي تعتمد بشكل أساسي على مساعدة المنظمات الإنسانية، وعلى ما تبقى من أشكال التضامن في مجتمع مزَقته الحرب، وعلى وسائل تمكَن من كسب القليل من المال.
لن تتأثر هاتان الفئتان بشكل مباشر “بقانون قيصر”، حتى إذا كان هذا القانون يقيد تحويل الأموال، فلن تتأثر سوى القنوات الرسمية، ولكن ليس السوق السوداء، أما المساعدات الإنسانية الضرورية لأفقر السوريين فلن تتأثر بالعقوبات.
مع العلم بأن هذا القانون يستهدف موارد الطاقة وأن الحكومات أو الشركات التي تساهم في استخراج أو استغلال الغاز الطبيعي أو النفط لصالح النظام ستخضع للعقوبات الأمريكية، غير أنه تم تخصيص جزء من هذه الموارد لروسيا مقابل دعمها للنظام، والأهم من ذلك، 85٪ منها يسيطر عليها المتمردون.
السماح لـ 13 مليون سوري بالعودة إلى ديارهم
يقال بأن هذا القانون سيمنع إعادة الإعمار، مع ذلك، هذه مجرد “تكهنا” للمستقبل وليس رصداً لواقع ملموس، لأنه في غياب عملية إعادة الإعمار، فإن الشيء الوحيد الذي يمكننا التأكد منه، هو أن النظام يود إعادة البناء لصالح مجرمي الحرب الذين دعموه، وفتح الطريق أمام الاستثمار في مشاريع عقارات فاخرة، وقد تكون هذه مدن جديدة وبعيدة حيث لا يستطيع السوريون العاديون العيش فيها، بل سيحظر عليهم حتى أن يحلموا بالمرور بالقرب منها.
عندما ننظر إلى الشركات التي تم إنشاؤها لإعادة الإعمار، يمكننا أن نرى أنها كلها في أيدي رجال أعمال عراقيين أو لبنانيين مرتبطين برجال أعمال سوريين، وهذا في الواقع يُستخدم بشكل أساسي لمكافأة الميليشيات والشبكات التي ساعدت النظام.
التساؤل الآن:
ألا يجب القيام بكل شيء للسماح لـ 13 مليون لاجئ ومشرد سوري بالعودة إلى ديارهم؟
وذلك لإنقاذ حوالي 200 ألف سجين سياسي من الجحيم، ولحماية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من قنابل النظام والأسلحة الكيميائية، وبدلاً من الحديث عن “معضلة أخلاقية”، يجب أن نسأل ما هو البديل لإجبار النظام وحليفه الروسي على الانخراط بجدية في عملية سياسية.
بالتأكيد، لم تتعرض أي دكتاتورية لتأثير العقوبات على الإطلاق، ولكن حتى لو لم تندرج دكتاتورية “بشار الأسد” تحت تأثير “قانون قيصر” أيضًا، فإن العقوبات تظل الإجراء الأكثر جدية من أمريكا للضغط على دمشق، لسبب واحد مؤكد: وهو أنه في ظل غياب العقوبات، يمكننا أن نتأكد من أن النظام سيستمر في جعل السوريين يعانون”.
هو عقاب جماعي ضد السوريين
في كل مرة كان يجب فيها اتخاذ قرار بشأن إجراءات ملموسة، تنشأ خلافات بين المعارضين السوريين، ولا يزال هذا هو الحال مع “قانون قيصر”، فهناك من يؤيدها، وآخرون يعارضونها والعديد لديهم تحفظات.
يفرض هذا القانون، الذي كان قيد التحضير لسنوات، والذي تبناه الكونغرس الأمريكي في ديسمبر، عقوبات شديدة على النظام السوري، وكذلك على جميع الذين يقيمون علاقات اقتصادية معه.
يأمل الكثيرون في أن تنجح هذه العقوبات حيث فشلت جميع الأساليب الأخرى، بما في ذلك الأساليب العسكرية، في إسقاط “بشار الأسد”، ويعتقدون أنه من خلال حصره وقطع الأكسجين عنه، سوف يتسببون في تصدع هياكل نظامه، وسيهزون قاعدة أنصاره الشعبيين، وسيدفعون أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يحكمها للثورة.
في الوقت نفسه، يشعر أولئك الذين يدعمون القانون بأنهم مضطرون إلى إضافة “أن العقوبات لن تؤثر على رفاهية الناس العاديين، لأنها لن تُفرض على الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية”.
هل يصدق أحد أن واشنطن تهتم حقا برفاهية السوريين؟
هناك فجوة في هذا المنطق، كيف يمكن لواشنطن أن تأكد من ناحية أن هذا القانون غير مضر بالمدنيين ويأملون من ناحية أخرى أن يتسبب في قيام الناس بالثورة على النظام؟
هذا أمر غير منطقي ويكشف أيضًا عن سذاجة فادحة، لأنه لايزال هناك من يصدق أن العقوبات الاقتصادية تحقق أهدافها.
سيكون من الصعب العثور على مثال واحد لنظام كان سينهار تحت تأثير العقوبات الاقتصادية، حيث لم تنجح العقوبات الدولية في كوبا ولا كوريا الشمالية ولا إيران ولا في العراق، بل على العكس، بينما تأثر سكان هذه الدول بهذه العقوبات، أثبتت الأنظمة قدرتها على الاستفادة من ذلك لتعزيز قبضتهم على السكان.
وقد أفادت تقديرات الأمم المتحدة أن العقوبات الأمريكية على “صدام حسين” بين عامي 1991 و2003 أسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون طفل، وهذا لم يهز نظام حكمه الذي كان مع ذلك معزولاً حقاً عن الساحة الدولية ولم يكن له حلفاء.
هدف واشنطن الحقيقي هو إخراج إيران من سوريا
أثبت “الأسد” قدرته غير العادية على الاستفادة من المأساة التي لحقت بالمدنيين، من خلال سرقة الأموال بالتهديد المستمر بالاعتقالات، عن طريق نهب ممتلكات الأشخاص الذين أجبروا على الفرار واحتكار أنقاض منازلهم التي تدمرت.
إذاً فلا جدوى من المراوغة، سيكون “قانون قيصر” أداة ضغط إضافية في يد النظام السوري لوضع سكانه في حالة ضعف، وهذا هو المكان الذي يجب أن نتساءل فيه عن هدف واشنطن الحقيقي في هذه المسألة؟
حسب ما صرح به “جيمس جيفري”: “المبعوث الخاص إلى سوريا” ليس الموضوع في إدارة “ترامب” هو إحداث تغيير للنظام في دمشق، ولكن إخراج إيران من سوريا، وعلى ما يبدو أنه من غير المحتمل أن تستسلم إيران وروسيا لهذا القانون بعد ضمان انتصار عسكري للنظام السوري.
في الواقع، كل هذا سيكون بمثابة عقاب جماعي ضد السوريين الذين يتجلى خطأهم الوحيد في العيش في منطقة يسيطر عليها النظام، وتستحق هذه الشريحة من المدنيين المزيد من الاهتمام من المعارضة السورية، والتي من غير المنصف اعتبارها من أنصار “بشار الأسد”، وفي الواقع، هم ببساطة يجدون أنفسهم في موقف عصيب لم يختاروه.
للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)
اقرأ أيضًا: تحذير أمريكي للإمارات: عقوبات “قيصر” على النظام السوري قد تستهدف جهاتكم
اضف تعليقا