ينتقد “سيباستيان بوسويس” الكاتب والباحث في العلوم السياسية و”أندرياس كريغ” المحلل الساسي العلاقة التي قرر إيمانويل ماكرون الحفاظ عليها مع محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، على الرغم من سجله السيء ضد حقوق الإنسان.

فاجأت الأنباء الأخيرة، بشأن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والمتهم في فرنسا بالتواطؤ في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إطار الحرب في اليمن، ومع ذلك لم تتأثر العلاقة بين باريس وأبو ظبي، بل على العكس، لم تزدهر إلا خلال السنوات الأخيرة، في الفترة التي تزايدت فيها انتهاكات محمد بن زايد.

إذا نظرنا إلى العمق الاستراتيجي لهذه الشراكة بين الرئيس “ماكرون” وولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”، سنجد أن هذه العلاقة هي آخر ترس في ترسانة تحالف ثنائي إماراتي فرنسي يتجاوز بكثير مصالح جيو-استراتيجية مشتركة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عرضت فرنسا علي ولى العهد الإماراتي مراقبة برنامج إيران النووي، وبالتالي صلاحية حرية المناورة اللازمة في جميع أنحاء المنطقة، استنادا إلى أوجه التآزر المثالية لأبو ظبي مع باريس التي تسمح لها بتطبيق الرؤية التي يتبناها محمد بن زايد، وهو رؤية معاكسة للثورات التي يحلم بها العالم العربي.

وسط انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حاولت فرنسا – بأحلامها الأبدية- إيجاد طريقها الخاص من خلال تطوير سياسة خارجية وأمنية شرقية مستقلة، في الاتحاد الأوروبي المنقسم حول القضايا الداخلية، والافتقار إلى الإبداع، مع والمبادرة في بروكسل حول كيفية التعامل مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتفكك بسرعة على أبواب أوروبا.

مع ذلك، فشل “إيمانويل ماكرون” أيضًا في القيام بذلك، لأن الأمر يحتاج الي جهود كبيرة لإشراك لندن أو برلين وإيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع التداعيات الرهيبة لما بعد الثورة في العالم العربي.

بل على العكس، اختار الرئيس “ماكرون” إقامة علاقات مع “محمد بن زايد”، لإعادة تشكيل منطقة نفوذه التقليدية في شمال إفريقيا، وفقًا لآراء استعمارية جديدة نسبيًا، وذلك من أجل إعادة الحياة إلى عصر ما قبل الثورة من “الاستقرار الاستبدادي” والذي تؤيده الإمارات.

يطارد التحول إلى يمين الناخبين الفرنسيين، شرع “ماكرون” في حملة ضد الإسلام السياسي تحت راية علمانية، وفرض على المسلمين الفرنسيين نسخة غير مسيسة من الإسلام الذي يخضع للسلطة المدنية للدولة.

في خطاب ألقاه في مولوز في فبراير 2020، أعلن الرئيس الفرنسي، في خضم أزمة الصحة العالمية، بوضوح: “يجب ألا نقبل أبدًا أن قوانين الدين يمكن أن تكون أعلى من قوانين الجمهورية”، ليأتي تصريحه بمثابة دعم للحكام الديكتاتوريين الذين أتوا بفضل مساعداته، السيسي في مصر، وحفتر في ليبيا، والأسد في سوريا.

خلال الحركات الإصلاحية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، تقدم “محمد بن زايد” بحل بسيط: وهو إنشاء نظام استبدادي يمكنه الحفاظ على السلام من خلال السيطرة على المجتمع المدني واستبدال الميول الإسلامية بتكريس النظام المدني للبلاد.

كذلك، فإن حالة الفصل الواضح بين المسجد والدولة، على الرغم من أنه غالبًا ما يُنظر إليه على أنه معركة ضد “الإرهاب” و “التطرف”، يهدف إلى إخضاع الدين قبل كل شيء للسلطة المدنية للإنسان، وهو أكثر علمانية.

في فرنسا، تكمل هذه الرؤية المضادة للثورة الاستعدادات الأيديولوجية الحالية تجاه شمال إفريقيا لليبراليين، بما في ذلك الطموحات الاستعمارية الجديدة في تونس والجزائر والمغرب ومناطق أخرى من البلاد الساحل هي المحرك الحالي للسياسة الإقليمية الفرنسية.

توفر الرواية الإماراتية للاستقرار الاستبدادي سيناريو مشروع لتطلعات القوة الفرنسية في شمال إفريقيا وخارجها، تحت غطاء “الحرب ضد الإرهاب”، حيث توسع فرنسا بذلك نطاقها الاستراتيجي، وتبرم اتفاقيات تجارية، وتزود نفسها بالوصول إلى الموارد والطرق التجارية المهمة في المنطقة.

في ليبيا، أصبحت فرنسا معرضة بشكل متزايد للخطر، على عكس شركاء الاتحاد الأوروبي، إيطاليا وألمانيا، حيث أفادت الأنباء أن فرنسا انتهكت حظر الأسلحة المفروض على دول شمال أفريقيا، وتغض الطرف عن شركائها، الإمارات العربية المتحدة ومصر، قدموا الدعم المادي والمعنوي لأمير الحرب “حفتر” وشبكة المليشيات التابعة له.

وعلى الرغم من الطموحات الأوروبية والأمريكية، للتوصل إلى حل دبلوماسي بشأن ليبيا، رفضت فرنسا بشدة المقترحات المختلفة من خلال اتخاذ النهج “العسكري” ضد حكومة تدعمها الأمم المتحدة، وكذلك من قبل روسيا، الشريك الأكثر أهمية للإمارات في مشروعها المضاد للثورة في المنطقة.

ومع ذلك، على عكس الكرملين، يمكن للإليزيه أن يمنحوا مصداقية لـ “بوتين” و “محمد بن زايد” في الغرب، بهدف بناء تحالف من الشركاء في أوروبا، ضد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، حيث تبنى الرئيس الفرنسي نقاط الحوار الإماراتية، واختار الانحياز إلى جانب روسيا والإمارات العربية المتحدة ضد عضو آخر في الناتو.

ونتيجة لذلك، كشف دبلوماسي ألماني في الآونة الأخيرة، في هذا الجهد الحربي الذي بذلته فرنسا لتجاوز الشركاء والحلفاء الغربيين، أنه فيما يتعلق بقضايا ليبيا، لم تعد باريس تشارك المعلومات مع برلين أو مع روما، في الوقت الذي تكون فيه جبهة أوروبية موحدة لمعالجة العواقب المحتملة بعيدة المدى لسلطة الاستبداد والعسكرة المتفشية في المنطقة.

يبدو أن فرنسا الآن تقف إلى جانب أولئك الذين يعارضون القيم السياسات الأوروبية والأمريكية الليبرالية وسيادة القانون والتعددية السياسية.

في هذا المنعطف الحاسم من انخراط أوروبا في المنطقة، يبدو أن باريس تضحي بصانع قرار استراتيجي رصين وعقلاني من أجل شعبوية القوى الإقليمية، والتي تشن حروبًا لا نهاية لها على الأرض، كل هذا يمكن أن يحقق مكاسب قصيرة المدى لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ترجمة العدسة عن صحيفة.. ماريني الفرنسية للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا 

اقرأ أيضًا: صحيفة فرنسية: هيومان رايتس ووتش تكشف الدور الحقيقي لماكرون في الحرب الليبية