العدسة – إبراهيم سمعان
الحملة العسكرية التي سارع إلى تنفيذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يوم 30 سبتمبر 2015، لم يكن الهدف منها القضاء على الإرهاب كما زعمت وقتها موسكو، بل كان هناك هدف أكبر يخطط له سيد الكرملين في مواجهة أوروبا.
هذا ما كشفت عنه صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، التي أشارت إلى أن بوتين لم يكن يقصد من تدخله العسكري محاربة “داعش”، أو حتى حماية بشار الأسد، بل كان هناك إستراتيجية اقتصادية وضعها من أجل تحقيقها على المدى البعيد، والهدف منها خنق أوروبا.
وفيما يلي نص تقرير الصحيفة ..
تقع المناطق الرئيسية التي يعمل المرتزقة الروس فيها بسوريا خلال السنوات الأخيرة، في الجزء الشرقي من البلاد، حيث توجد حقول النفط والغاز، وهي أيضا المنطقة التي كانت تحت سيطرة “داعش” منذ عام 2014، وتم طرده منها ضمن هجمات مكافحة الإرهاب العام الماضي.
على الرغم من أن الموارد والاحتياطيات الهيدروكربونية (النفط والغاز) السورية ليست كبيرة بنفس قدر موارد جيرانها، كالعراق على سبيل المثال، وانخفاض الإنتاج عمليا نتيجة الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، إلا أن هذا القطاع لا يزال يمثل هدفا إستراتيجيا خاصة بالنسبة لروسيا.
“لقد دمرت الحرب المنشآت والمعدات النفطية تماما، لقد كانت بالفعل متهالكة ومدارة بشكل سيئ من الناحية التقنية، حتى قبل عام 2011″، كما يقول موفق حسن، خبير النفط السوري، والمدير التنفيذي السابق لشركة توتال.
ويضيف: الشركات الروسية تريد الاستيلاء على السوق لإعادة تأهيل حقول النفط السورية وبناء خطوط أنابيب النفط والغاز التي تمر عبر الممر السوري.
ومنذ ساعد الجيش الروسي نظام بشار الأسد على استعادة السيطرة على معظم الأراضي، اندفع السياسيون ورجال الأعمال إلى دمشق من أجل توقيع العقود والحصول على امتيازات، وخاصة في قطاع الهيدروكربونات.
خلال زيارة قام بها في ديسمبر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روجوزين: “سوريا بلد ثروات غير محدودة، الشركات الروسية لها الحق الافتراضي في تطوير مشاريع اقتصادية واسعة النطاق هنا”.
ونظرًا للعلاقات الوثيقة بين الكرملين وشركات النفط الروسية الكبرى، فإن التدخلات العسكرية والسياسية والاقتصادية الروسية في سوريا منسقة تمامًا، ومن جهة إصلاح وترقية الأسواق للمنشآت النفطية، تعد سوريا قضية إستراتيجية أخرى بالنسبة لروسيا.
“هذا هو الممر الرئيسي للسيطرة على مرور أنابيب النفط والغاز إلى أوروبا” -يشير “حسن”- “الوجود العسكري الروسي في سوريا يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مرور أنابيب الغاز القادمة من قطر وإيران، وهما من أكبر منتجي الغاز في العالم عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا دون الحصول على موافقة بوتين”.
المنطقة التي وقعت فيها المواجهات التي أدت إلى مقتل المرتزقة الروس، في السابع من فبراير الماضي، تقع على بعد بضعة كيلومترات من أكبر حقل للغاز السوري “كونكو”، وليست بعيدة أيضا عن أكبر حقل للنفط “عمر”.
هذه المنطقة تم استعادتها من “داعش” في أكتوبر من قبل قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وفي هذا الجيب لمنطقة دير الزور، يجد الروس والأمريكيون أنفسهم وجهًا لوجه من خلال حلفائهم على الأرض، فالأول يريد استمرار غزوه لسوريا، بينما يسعى الأخير لمنع هيمنة بوتين على كامل المنطقة.
اضف تعليقا