قبل حوالي أربع أعوام، تحديدًا في بطولة كأس العالم 2018 في روسيا، انتشرت صورة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهو يصافح بحرارة فلاديمير بوتين رئيس روسيا في المباراة الافتتاحية للمونديال، وبدا الرجلان وكأن بينهما علاقة صداقة في طريقها للتعمق مع الوقت، ورغم أن الموقف مر بهدوء، لكنه كان يحمل في طياته تحذيرًا واضحًا للغرب: بوتين حليف السعودية المستقبلي ولا مكان للتحالفات القديمة!
المحللون المهتمون بالأمر فهموا الرسالة: السعودية القديمة التي رعاها البريطانيون إبان الإمبراطورية العظمى، ودعمتها الولايات المتحدة ضد صدام حسين وإيران، لم تعد موجودة، السعودية الآن تحت ولاية الأمير الجديد تسعى لتكوين صداقات جديدة، وبالتالي الخريطة الجيوسياسية والدبلوماسية ستتغير بشكل جذري.
مع صعود محمد بن سلمان للسلطة سلكت المملكة مسارها الخاص البعيد عن حماية الغرب القديمة، بخاصة وأن الدولة كانت تملك اقتصادًا قويًا بسبب الثورة النفطية الهائلة، وعليه قرر ولي العهد اتباع سياسة خارجية “عدوانية” في اليمن ولبنان، وبناء علاقات مع روسيا والصين، كما رفض “بغطرسة” أي انتقادات غربية لانتهاكات حقوق الإنسان التي لا ينفك النظام الحالي عن ارتكابها.
ربما وجد محمد بن سلمان البالغ من العمر 37 عامًا -والمحتمل أن يحكم لمدة 50 عامًا تقريبًا- في بوتين قدوة يتمنى أن يصبح مثله، إذ أن بوتين سفاح مستبد وقاتل، فبالإضافة إلى الغزو الحالي لأوكرانيا، سبق وفرضت عليه عقوبات غربية بسبب جرائمه في جزيرة القرم 2014، يُعتقد أنه مسؤول عن عمليات التسمم في سالزبوري في وقت سابق من العام نفسه وهجمات قاتلة أخرى على الخصوم السياسيين والنقاد والصحفيين داخل روسيا وخارجها.
بعد أربع أشهر صورة كأس العالم الشهيرة، تحديدًا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، جاء مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول بوحشية ووقاحة مطلقة، في جريمة نفذتها الدولة السعودية اتباعًا لكتاب قواعد اللعبة لبوتين.
اُنتخب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة بعد ذلك بعامين، وخلال حملته تعهد بجعل المملكة العربية السعودية وضمنيًا ولي عهدها “منبوذة” كعقاب على مقتل خاشقجي، وعندما أصبح رئيسًا جمد مبيعات الأسلحة ونشر معلومات استخباراتية تشير إلى تورط الأمير في عملية الاغتيال.
كل ذلك جعل زيارته إلى الرياض في يوليو/تموز من هذا العام مُحاطة بالانتقادات الحقوقية، وكان من الصعب للغاية ابتلاع مصافحته لمحمد بن سلمان التي اعتبرها الكثيرون استفزازًا لضحاياه، وكان السؤال المنتشر حينها: لماذا فعل بايدن ذلك؟ لقد كان سؤالًا يحتوي على عدة إجابات محتملة وغير مرضية بنفس القدر، وهو سؤال عاد الآن ليطارده بعد قرارات السعودية الأخيرة حول إنتاج النفط.
أراد بايدن من السعوديين والأعضاء الآخرين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تعزيز أو على الأقل الحفاظ على إنتاج النفط من أجل مواجهة استخدام روسيا للغاز والنفط كأسلحة ضغط على بوتين بعد غزو أوكرانيا، لكن الأمير السعودي أراد تذكير الولايات المتحدة بأنه أيضًا يملك صنع القرار في العالم.
يتصاعد الغضب الأمريكي منذ ذلك الحين، مع تهديد الديمقراطيين بفرض عقوبات على أوبك، وتعليق التعاون الدفاعي والأمني مع الرياض، وتجميد عمليات نقل الأسلحة، وسحب القوات الأمريكية، وإطلاق إعادة تقييم شاملة للعلاقة الأمريكية السعودية التي وعد بها بايدن لكنه لم يبدأ فيها أبدًا.
أما الاتحاد الأوروبي وجد سببًا قويًا جديدًا للاتفاق على حدود أسعار الغاز والنفط وتنفيذها، وإنهاء الواردات الروسية في النهاية وإعادة ضبط العلاقات، وعليه، يجب على المملكة المتحدة إجراء إعادة تقييم شاملة للعلاقات طال انتظارها والتي كثيرًا ما تثير أسئلة أخلاقية أساسية.
إن حرب المملكة العربية السعودية المتواصلة في اليمن، ومبيعات الأسلحة الأمريكية والبريطانية التي سهلت ذلك، ستكون نقطة انطلاق جيدة لأي إعادة تقييم، كما قد تساعد المحاولات المضاعفة لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، والتي لا يثق بها السعوديون، في إعادة الرياض إلى الأرض.
القمع السعودي المتصاعد في الداخل، ولاسيما ضد النساء، كما حدث على سبيل المثال مع سلمى الشهاب طالبة في جامعة ليدز التي حكم عليها بالسجن 34 سنة بسبب تغريداتها المعارضة، وكذلك استخدام بن سلمان لمحاكم الإرهاب ضد منتقديه، والإعدامات الجماعية؛ إنكاره المزمن للحقوق الديمقراطية؛ والرقابة المفروضة على حرية التعبير لا يجب للغرب أن يتسامح معها بعد الآن.
من غير المقبول أيضًا الطريقة التي يحاول بها النظام غسل سمعته عن طريق شق طريقه إلى الرياضة الدولية، على سبيل المثال استخدام سلاح “البترو-دولار” للاستحواذ على نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم في المملكة المتحدة، وتمويل بطولات الجولف والملاكمة العالمية.
إذا كان محمد بن سلمان يفضل حقًا رفقة مجرم الحرب بوتين، والظالمين والاستبداديين المتشابهين في التفكير مثل زعيم الصين، شي جين بينغ، يجب عليه ونظامه دفع ثمن باهظ بفرض عقوبات عليهم من دول الغرب، سواء من ناحية وقف التسليح وفرض عزلة دبلوماسية.
الأهم من ذلك، يجب على الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية أن تثبت من خلال إجراءات فعالة وحاسمة أن المعركة العالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والقانون الدولي، التي يتجسدها ويرمز إليها الكفاح من أجل أوكرانيا، مهمة وحاسمة بحيث لا يمكن مقايضتها ببرميل نفط رخيص.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا