بعد هدوء نسبي في العلاقات المغربية السعودية، عادت السخونة للأجواء مرة أخرى بين المملكتين، في وقت تؤكد فيه العديد من التحليلات السياسية، أن يد محمد بن زايد ليست بعيدة عن التصعيد والتوتر بين الرباط والرياض.
قمة التصعيد جاءت على لسان رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، الذي اتهم خلال اجتماع اللجنة المركزية لشبيبة حزب العدالة والتنمية، دولا وجهات لم يسمها بأنها تريد إلحاق الضرر بأمن بلاده واستقرارها، خصوصا فيما يتعلق بقضية إقليم الصحراء.
عثماني الذي أطلق هذه التصريحات قبل مغادرته إلى أديس أبابا للمشاركة في أعمال القمة الدورية للاتحاد الإفريقي تصريحات ساخنة، ترجم من خلالها الوضع المتأزم بين بلاده ومحور أبو ظبي الرياض، مشيرا إلى أن هناك غيرة على المستوى الإقليمي والدولي من جاذبية بلاده للاستثمارات وموقعها السياسي، حيث بات المغرب البلد الأول في أفريقيا من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية.
تصعيد مغربي
ويرى المراقبون أن التصريحات التي أطلقها عثماني وإن كانت لم تحدد دولا بعينها، إلا أنها تزامنت مع تصعيد مغاربي ضد السعودية والإمارات، بعد استدعاء الرباط لسفيرها من الرياض، ثم سحب سفيرها من أبو ظبي للتشاور، بالإضافة لتأكيدات إعلامية بأن المغرب قرر سحب قواته المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وأن المغرب بدأ بالفعل منذ فترة عدم المشاركة في العمليات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية الخاصة بالتحالف العربي باليمن.
وحسب وصف العديد من المحليين المغاربة فإن خطوة استدعاء السفير من الرياض، يعد نتيجة منطقية سلسلة من الاستفزازات التي قامت بها الرياض، منذ تولى ولي العهد محمد بن سلمان زمام الأمور.
ويرى هؤلاء أنه على الصعيد الرسمي فإن كل شيء على ما يرام، بينما هناك توتر على أرض الواقع بين البلدين منذ فترة طويلة، ارتبطت جميعها بمحمد بن سلمان.
ووفقا لنفس الرأي فإن آخر هذه الاستفزازات، كان الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة “العربية” المملوكة عمليا للسعودية، حول “الصحراء الغربية”، حيث اعتبرت “العربية” التي يتم بثها من الإمارات، أن منظمة البوليساريو “الممثل الوحيد” لما أسمته بالشعب الصحراوي.
وحسب المراقبين فإن فيلم العربية، يعد بمثابة رد مشترك متأخر من الرياض وأبو ظبي على قرار الحكومة المغربية في شهر أبريل الماضي، بسحب قواتها من التحالف العربي باليمن الذي تقوده الرياض منذ 2015، بالإضافة لموقف المغرب المحايد في الأزمة الاماراتية السعودية مع قطر، وهو ما لم ترضيه الرياض، التي كانت تأمل أن يكون موقف الرباط مشابها لموقف القاهرة التي قطعت علاقاتها مع الدوحة، وهو الطريق الذي لم تسير فيه المغرب التي فضلت أن تكون على مسافة واحدة بين أطراف الأزمة وأبدت استعدادها للقيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة.
بين تحالفي داعش واليمن
ووفق المراقبين فإن مشاركة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش التي عقدت بواشنطن يوم الأربعاء الماضي، مثلت رسالة واضحة لكل من الرياض وأبو ظبي، بأن المغرب لم يعد على بوصلة الحرب الدائرة باليمن، خاصة وأن تصريحات وزير الخارجية المغربي كانت واضحة في أن بلاده ، لن تترك هذا التحالف الذي تراه حقق نجاحا كبيرا في مواجهة تنظيم الدولة.
ويرى المراقبون أن هذا الموقف من بوريطة، يصاحبه على الجانب الآخر، قرارا من الحكومة المغربية بمنع القوات المغاربية من المشاركة في العمليات الدائرة باليمن منذ شهر إبريل الماضي، وأن الرباط لم تستجيب لمطالب السعودية التي تقود التحالف في مشاركة طائرات F16 في الطلعات الجوية التي ينفذها التحالف ضد الميلشيات الحوثية، وظنت وقتها الرياض أن الموقف المغربي، كان مرتبطا بردود الأفعال الداخلية بالمغرب بعد تدمير إحدى طائراتها ومقتل طاقمها، إلا أن ما صدر عن وزير الخارجية المغربي في واشنطن قبل يومين، وقبلها حواره على قناة الجزيرة، كشف عكس ذلك.
فتش عن MBS
وحسب تناول وسائل الإعلام الدولية للأزمة الراهنة بين السعودية والمغرب، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتحمل فيها الجانب الأكبر، خاصة وأن تقرير قناة العربية لم يكن ليمر إلا بمعرفة بن سلمان، وهو ما اعتبرته المغرب استفزازا لها، ما جعل السعودية بسبب سياسة بن سلمان تخسر دولة بحجم المغرب كانت تُعتبر “حليفاً مضموناً” بالنسبة للرياض.
وتشير العديد من الكتابات الصحفية إلى أن بن سلمان فجر الأزمة بشكل كبير، عندما لم يدرج المغرب على جدول زيارته التي أجراها في ديسمبر الماضي، لدول ملاصقة للمغرب شملت الجزائر وموريتانيا وتونس، في إطار محاولاته كسر الحصار المفروض عليه على خلفية جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، وهي الخطوة التي استبقتها المغرب بالإعلان عن عدم استعدادها لاستقبال بن سلمان بحجة أن أجندة الملك المغربي مكتظة والزيارة لم تكن محددة في السابق، بينما الواقع كان يشير إلى ان بن سلمان لم يكن ينتوي زيارة الرباط من الأساس.
ووفقا لهذه الكتابات فإن قضيّة الصّحراء بالنسبة للجانِب المغربي، والعلاقات مع دولة قطر بالنّسبة للجانب السعوديّ، وخاصة لولي العهد محمد بن سلمان، تمثلان قضيتان حساستان لكلتا الدولتين، ولذلك كان طبيعيا أن يخترق الطّرفين كُل الخُطوط الحمراء فيما يتعلّق بالعلاقات المشتركة بينهما، ولأن المغرب كان من الدول التي وقف على الحياد في الأزمة القطرية، بل وأرسل طائرة مساعدات للدوحة بعد فرض الحصار الخليجي عليها، وهو ما أثار حفيظة ولي العهد السعودي الذي رد على هذا الموقف بعدة إجراءات منها عدم التصويت لصالح الملف المغربي لتنظيم كأس العالم، ثم تحويل الملك سلمان لوجهته الصيفية من طنجة المغربية إلى نيوم السعودية، ما رد عليه وزير الخارجية المغربي بالإعلان عن أن بلاده تعيد حساباتها في التحالف العربي باليمن، ليأتي الرد السعودي في قضية لا يقبل فيها المغرب القسمة على اثنين وهي قضية إقليم الصحراء المغربية، ومن هنا استعادت المغرب سفيريها بالسعودية والإمارات ردا على ذلك التصعيد بتصعيد مماثل.
أسباب أخرى؟!
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن معالم تطور الأزمة الراهنة بين المغرب والسعودية، ليست واضحة بشكل محدد وما هي النهاية التي يمكن أن تصل إليها، خاصة وأن التقارير التي تناولت أسلوب تفكير العاهل المغربيّ محمد السادس، تشير إلى أنه ليس مجاملا في التعامل مع دول المشرق العربي، على خلاف والده الراحل.
بالإضافة لتراجع الدّور السعوديّ عربيًّا ومغاربيًّا، بفِعل حرب اليمن وقضيّة اغتيال خاشقجي، ما أدي لاهتِزاز صورة المملكة عالميًّا، وحسب ما نشرته صحيفة القدس العربي في افتتاحيتها قبل يومين، فإن المسؤولين في الرياض، و«جنودهم» في القطاع الإعلامي لا يوفّرون سبباً لتتحول «السحابة العابرة» إلى عاصفة هوجاء، وكان المستجدّ في سياسة الكيد الإعلامي للرباط بث قناة تلفزيون «العربية» تقريراً مصوّرا مسّ «السلك الكهربائي» للسياسة في المغرب، بعرضه تقريرا إخباريا الأسبوع الماضي حول نزاع الصحراء نُشرت فيه خريطة للمغرب محذوف منها صحراؤها، وهو أمر يشبه ربّما نشر خريطة المملكة العربية السعودية من دون نجران أو المنطقة الشرقيّة.
ووفقا للقدس العربي فإن الرباط تعتبر قضية الصحراء ميزاناً لعلاقاتها مع حلفائها، وخصوم الجغرافيا السياسية كالجزائر، أو الأيديولوجيا كفنزويلا، وهو ما تسبّب في سرعة اعتراف الرباط بخوان غوايدو زعيم المعارضة الفنزويلية رئيسا.
كما كان للتجربة الديمقراطية التي تزداد ترسّخا في المغرب دوراً إضافيّاً في هذا الخلاف، فصعود بن سلمان، وتحالفه مع الإمارات والبحرين ومصر، جاء لدفن أي إمكانيّة في العالم العربيّ لتأسيس إرث ديمقراطيّ، وما زاد من الازمة أن حكومة المغرب يقودها حزب «العدالة والتنمية» المحسوب على الإخوان المسلمين، وهو أمر تريد الرياض وحلفاؤها في أبو ظبي والمنامة والقاهرة إخراجه من قائمة المعقول أو المقبول سياسيا في بلاد العرب، ولذلك فإن هذا الصطدام السريع بين المملكتين اللتان كانتا إلى وقت قريب جداً حليفتين وثيقتين دليل جديد على تهوّر سعوديّ غير محمود.
اضف تعليقا