أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي مطلع هذا الشهر قرارا بتعيين العميد )إسماعيل قآني( قائداً لـ “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني”، بعد مقتل قاسم سليماني في ضربة جوية أمريكية بالعراق.
وأكد خامنئي في بيان التنصيب عدم وجود تغيير “في الخطط” التي كانت في عهد سليماني، داعيا “كوادر فيلق القدس” إلى التعاون مع القائد الجديد.
وقال “موقع انتيليجنس أون لاين” في نشرته الاستخبارية 15 يناير الجاري؛ أن المرشد الأعلى الإيراني، يسعى إلى عملية إصلاح شامل داخل “الحرس الثوري” ورفع مستوى التعاون بينه وبين بقية أطراف الجيش الإيراني، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع قائد الحرس الثوري “حسين سلامي”. مشيراً إلى أن رحيل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، من شأنه أن يقلل من تأثير “الحرس الثوري الإيراني” في المنطقة، لافتا تخوفه من أن يواجه خليفة “سليماني” الجديد، اسماعيل قآني، صعوبات في تثبيت”شرعيته”، أو قد لا ينجح في الحصول على ذات الهالة التي تمتع بها “سليماني”.
إسماعيل قآني .. من الهندسة إلى الحرب
وفقاً للسيرة الذاتية الموجزة التي نشرتها “وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية”، ولد قآني في مدينة مشهد عام 1959، ولديه ابنا واحداً، ودرس الهندسة الكهربائية في فرع “جامعة آزاد” في مشهد، وصنّفته الولايات المتحدة “إرهابياً” في عام 2012 إثر كشف معلومات عن دور قآني في تمويل شحنات أسلحة “فيلق القدس” إلى غامبيا.
انخرط في الفرع المحلي لـ “الحرس الثوري” الإيراني في خراسان في مارس/آذار 1980، بعد عام كامل على اندلاع الثورة، وقبل أشهر قليلة من الغزو العراقي، وتعرف على خامنئي في هذه الأثناء لأول مرة.
تلقى قآني تدريبات مكثفة في طهران ثم عاد إلى “مشهد” حيث شكّل نواة وحدة سمّيت لاحقاً بفرقة “النصر/5″، ثم سرعان ما تمّ إرسال وحدة “مشهد إلى “گنبد کاووس” في محافظة كلستان لقمع اضطرابات قام بتنظيمها تركمان يساريون وإثنيون، وأقر قآني في تصريحات لصحيفة إيرانية سابقاَ بدوره في قمع انفصاليين أكراد بالمدينة.
أصدقاء الحرب
“نحن جميعنا رفقاء حرب. فما يربطنا ويجمعنا نحن ورفاقنا ليس قائماً على الجغرافيا. نحن رفاق حرب، والحرب هي التي جعلتنا أصدقاء، ولذلك الذين يصبحون أصدقاء في أوقات الشدة، تجمعهم علاقات أعمق وأكثر دواماً من أولئك الذين يصبحون أصدقاء لمجرد أنهم أصدقاء من الحي”.
هكذا علّق قآني على علاقته سليماني وخامنئي في مقابلة أجريت عام 2015، مضيفا أن العلاقة بينهما نشأت في 1982 على الجبهة الجنوبية أثناء الحرب على العراق.
شارك قآني شخصياً في عمليات ناجحة على غرار عملية “عاشوراء”، التي حررت مرتفعات فاصيل وغاركوني شمال ميماك في أكتوبر/تشرين الأول 1984؛ وعملية “الفجر 8” التي تمّ بموجبها الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو في فبراير/ شباط 1986 و عملية “كربلاء 1” التي حررت مهران في يونيو/ حزيران “.
كما شارك أيضاً في عمليات فاشلة مثل “بيت المقدس 7” في مجنون في يونيو/حزيران 1988، وكان قائد الفرقة في ذلك الوقت.
الطريق إلى فيلق القدس
وفقا لتقرير معهد واشطن، فإنه فور انتهاء الحرب مع العراق، تمّت ترقية قآني إلى نائب قائد “القوات البرية” التابعة لـ الحرس الثوري. وشارك في عمليات لمكافحة عصابات المخدرات التي تسللت إلى محافظة خراسان من أفغانستان. كما ساعد في دعم “التحالف الشمالي” الأفغاني ضدّ حركة “طالبان” في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وساهمت هذه الأنشطة في توطيد علاقته بسليماني، الذي كان يسعى إلى سلوك مسار مماثل في محافظة كرمان المجاورة في ذلك الوقت. وتظهر أول إشارة موثقة حول انضمامه للفيلق في نسخة عام 1993 من كتاب “التطرف الإسلامي: التهديد العالمي الجديد”، الذي عرّفه كقائد جماعة “أنصار” المندرجة ضمن فيلق القدس المسؤول عن أنشطة الحرس الثوري الإيراني في أفغانستان وباكستان والجمهوريات الآسيوية. وتشير مصادر إلى أن سليماني عينّه نائباً له بعد توليه قيادة الفيلق بين عامي 1997 و1998.
ووفقا لدراسة استقصائية أمريكية منشورة عام 2012، فإن سليماني وقآني كانا يتجنبان التواجد في المكان ذاته في نفس الوقت تحسباَ لأي عملية اغتيال محتملة، حيث سربت الدراسة معلومات استخبارية عن تحركات سليماني خارج إيران لعدة شهور متتالية، فيما يشبه “خط سير” جيوجرافي، واللافت أن التسريب كان قبل اغتياله ب 8 سنوات!
هل يستطيع قآني ملء فراغ سليماني؟
وفقا لتقرير مؤسسة أمريكان انتربرايز المختص بالسياسات العامة، فإن مصادر تشير إلى أن قآني شخصية عسكرية عنيدة وصلبة، ويجيد التكتيك العسكري، لكنه شخصية اجتماعية متواضعة وغير كاريزيمة مثل سلفه سليماني، كما أنه يبقي نفسه غامضاَ، وأحاديثه العامة أو الإعلامية غير شخصية (معدة مسبقا من آخرين)، كما أنه يستخدم الشعارات الرنانة في خضم خطاباته السياسية والتي تنم على تذبذب في الرؤية السياسية – حسب تعبير المؤسسة- مثل تصريحاته بأن “الربيع العربي امتدادا لطريق الثورة الإسلامية الإيرانية”.
ووفقا للتقرير ذاته، فإن نقطة قوة قآني الكبرى هي علاقته الوثيقة بالمرشد الأعلى خامنئي، حيث يعد حاليا أحد ثمانية قادة فقط بقوا على قيد الحياة من رفقاء الحرب الإيرانية العراقية.
وفي تقرير له؛ وصف المعهد الأميركي لأبحاث السياسات العامة قآني بأنه “قائد عسكري غير مفعم بالحيوية وأقل تمييزًا من سليماني”، لكنه اعتبر أن خبرة قآني في ميدان المعركة، وداخل الحرس الثوري الإيراني، فضلا عن علاقته بالمرشد الأعلى علي خامنئي، هي ما أهلته لخلافة سليماني في قيادة فيلق القدس.
لا تنشر الصحافة الفارسية الكثير عن تاريخ قآني وقدراته، لذا من الصعب التنبؤ الدقيق بمدى قدرته على ترميم فيلق القدس بعد مقتل سليماني المفاجئ والذي هز صناع القرار في طهران، وباتوا يتساءلون عن طريقة لتعزيز صورتهم الذهنية مرة أخرى!
اضف تعليقا