لم يعد بوسع أعضاء البرلمان الأوروبي تحمل مزيد من التجاهل أمام التقارير الصادمة لحالة حقوق الإنسان الآتية من المملكة البحرينية، والتي تستنسخ في انتهاكاتها تجربة الجارة الإماراتية، في الفتك بأي معارضة لسطوة الأسرة الحاكمة في البلاد، ولا حتى الحديث القانوني عن إصلاحات أو انتخابات.

وإثر ذلك، تبنى برلمان الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي، مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بعد أن تم التصويت عليه بأغلبية ساحقة، وأيد 633 نائبا من أصل 689 مشروع القرار الذي يدين زيادة استخدام عقوبة الإعدام، واستمرار استخدام التعذيب ضد المعتقلين، واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين.

وتم طرح هذا القرار والعمل عليه منذ عام من قبل عضو البرلمان الأوروبي مارك تارابيلا بمعاضدة “المركز الأوروبي للحقوق والديمقراطية”، ومنظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”، و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية”. ويطالب البحرين بإيقاف عقوبة الإعدام كخطوة نحو إلغائها، كما يدعو المملكة إلى مراجعة جميع أحكام الإعدام لضمان احترامها للمعايير الدولية، وإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

وشدد البرلمان الأوروبي، على حقيقة أن هناك حاليا 26 سجينا محكوم عليهم بالإعدام يواجهون التنفيذ الوشيك، وحث البحرين على التعجيل بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام وأدان بشكل خاص الأحكام الصادرة بحق محمد رمضان وحسين علي موسى.

كما دعا في قراره إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي بمن فيهم المواطن الدنماركي البحريني عبد الهادي الخواجة، وكذلك ناجي فتيل وعبد الوهاب حسين وعلي حاجي والشيخ علي سلمان وحسن مشيمع، الذين احتجزوا وحُكم عليهم لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير.

وشدد البرلمان الأوروبي على ضرورة أن تتوقف البحرين عن مضايقة وسجن وتعذيب ومعاقبة الأفراد تعسفيا لمجرد ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية وحرياتهم في تكوين الجمعيات والتجمع والتعبير، سواء أكان ذلك عبر الإنترنت أم خارجه.

وذكر بأهمية السماح للجماعات السياسية المستقلة (مثل الوفاق) ووسائل الإعلام (مثل الوسط) ومنظمات المجتمع المدني والصحافيين والمحامين والناشطين بالقيام بعملهم في الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين.

ويدعو القرار رئيس الوزراء الجديد سلمان بن حمد آل خليفة إلى استخدام سلطته لدفع البلاد نحو الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان والحريات، فيما اختُتم القرار بالترحيب بمزيد من الحوار حول حقوق الإنسان بين الاتحاد الأوروبي والبحرين وحث الدول الأعضاء فيه على “استخدام جميع وسائل التأثير المتاحة لهم” في هذا الصدد.

خارج السجون أيضا

وفي السياق نفسه، ألقت جماعتان حقوقيتان الضوء على اعتداء قوات الأمن البحرينية على أطفال وتهديدهم بـ”الاغتصاب والصعق الكهربائي” بعد اعتقالهم الشهر الماضي في قضايا متعلقة بالاحتجاجات في الذكرى العاشرة لانتفاضة 2011. 

ونقلت وكالة أنباء البحرين عن الأمانة العامة للتظلمات تأكيدها “أنها تابعت ما نُشر مؤخرا من بيانات وتقارير إعلامية من جانب منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وما تضمنته من مزاعم وادعاءات”، على حد وصفها.

وجاء في بيان مشترك لمنظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومقره لندن، أن نحو 13 طفلا، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما، اعتُقلوا من مطلع فبراير إلى منتصفه، لدى محاولة السلطات إثناء المحتجين عن التجمع لإحياء الذكرى العاشرة للانتفاضة.

ونقل البيان عن الأطفال وأسرهم أن “خمسة أطفال اعتُقلوا في 14 و15 فبراير قالوا إن شرطيَيْن ضربوهم وأهانوهم وهددوهم بالصعق بالكهرباء من بطارية سيارة”. وأضاف البيان “قال والد أحد الأطفال إن شرطيا ضرب ابنه (13 عاما) على رأسه وأعضائه التناسلية، وهدّده بالاغتصاب وصعقه بالكهرباء”. وجاء في البيان أن الشرطة اعتقلت في بعض الحالات أطفالا بتهمة إحراق إطارات أو قطع الطرقات يوم القبض عليهم. 

أما هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، فقد قالا إن أربعة من الأطفال لا يزالون رهن الاحتجاز وإن أحدهم عمره 16 عاما و”لديه مضاعفات طبية خطيرة”.

توثيق حقوقي

وضمن أعمال الدورة الـ 46 لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أعادت منظمة ADHRB تقديم مداخلة شفهية، تحت البند الثالث من النقاش التفاعلي، أعربت خلالها عن قلقها إزاء أوضاع السجون في البحرين وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب.

وجاءت المداخلة نصًا: “نود أن نشكر ولايات الإجراءات الخاصة على عملها ونعرب عن قلقنا إزاء سوء الأوضاع في السجون البحرينية. فضلاً عن استمرار التمييز الديني والأعمال الانتقامية والإفلات من العقاب ووحشية الشرطة في البحرين. مجرد نظرة سريعة على تقارير الاتصالات المشتركة عن البحرين تُظهر الانتهاكات المنتظمة المستمرة لحقوق الإنسان في البحرين وانعدام التعاون الجاد أو البناء مع آلية الأمم المتحدة.

أحد الضحايا في هذا الكتاب هو السجين السياسي البحريني “الشيخ زهير عاشور” الذي اعتقل بسبب معارضته للديكتاتورية في البحرين وبسبب تهم أخرى متعلقة بحرية التعبير والرأي. أثناء احتجازه واستجوابه، تعرض للتعذيب الشديد ولعدة انتهاكات لحقوق الإنسان، ومؤخراً تعرض للاختفاء القسري من 10 يوليو 2020 إلى 17 يناير 2021، تعرض خلال هذه الفترة لمختلف أشكال التعذيب والمضايقة كشكل من أشكال الانتقام لمواقفه ونشاطه المنادي بحقوق السجناء. هو محتجز حالياً في سجن جو، حيث يقضي عقوبة السجن المؤبد.

وفي هذا الصدد ، نود أن نشير إلى كتاب بعنوان “زفرات” نشرته وكالة أنباء الناشطين البحرينيين “البحرين اليوم”. يتضمن الكتاب عشرات الشهادات المفصلة لضحايا التعذيب والسجناء السياسيين البحرينيين. هذا يبين بوضوح الممارسة الراسخة للتعذيب وثقافة الإفلات من العقاب، في وزارة الداخلية البحرينية برئاسة الوزير راشد بن عبد الله آل خليفة، الذين ينبغي مساءلته عن هذه الجرائم المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبته باستخدام قانون ماغنيتسكي”.

وكما هو متوقع، فقد هاجمت البحرين القرار الصادرا عن البرلمان الأوروبي، والذي أدان الانتهاكات الحقوقية المستمرة في المملكة، وهو ما اعتبره النظام البحريني قد “تضمن “ادعاءات كاذبة” و”مغالطات” واستند إلى مصادر “مناوئة وغير نزيهة، تسعى إلى تشوية سمعة المملكة”، معتبرًا، بحسب ما نقلت عنها وكالة الأنباء المحلية الرسمية، أن القرار تغاضى “بشكل فاضح، عن التقدم الذي أحرزته مملكة البحرين في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وضمان الحريات الأساسية”.