العدسة – معتز أشرف

في قصف متبادل استخدمت فيه الحروف الملتهبة والمناكفات اللفظية الحادة، واصل البيت الأبيض والكرملين الصراع على كعكة مملكة الأمير الطائش محمد بن سلمان، وكان الرئيسان الأمريكي والروسي على قدم المساواة في الصراحة، فالأول لم يترك زيارة فتى السعودية الطائش تمر دون التأكيد على حلب البقرة السعودية، والثاني جدد تمسكه بحلبها بطريقته، ودون المساس بالمشاعر الأمريكية، وبين هذا وذاك، تقف ديار “بن سلمان” عاجزة ترصد الصراع بين القطبين على أكل تركة يبددها فتى لم يبلغ الرشد السياسي بعد، كما يقول كثيرون.

روسيا ترفض!

وفي أول رد على الهجوم الأمريكي، قال موقع روسيا بالعربية، نقلا عن “نوفوستي: “العلاقات بين روسيا والسعودية شهدت تطورا ملحوظا، خلال العامين الأخيرين، ويشهد على ذلك تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين، وزادت هذه العلاقات تطورًا بعد الزيارة، التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في 4 أكتوبر الماضي، إلى العاصمة الروسية وإجرائه مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين”.

ووصف الموقع تصريحات الأمريكان بأن روسيا تعمل على تقويض العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية من خلال “إمدادات الأسلحة” بأنها مزاعم، ونقل عن المسؤول الأمريكي: “سنخصص جزءا من محادثاتنا مع السعوديين، للوقوف على محاولات روسيا استخدام الوضع لصالحها.. لقد عطلت روسيا قرار مجلس الأمن الذي كان سيحمل النظام الإيراني مسؤولية برنامج الصواريخ الباليستية.. وفي نفس الوقت، قدموا للسعوديين أنظمة دفاع جوي متقدمة، مضيفًا أن روسيا “قدمت عددًا من الوعود للنظام الإيراني” لتوريد الأسلحة، مثل النماذج المتقدمة للدبابات والطائرات العسكرية، وأن “هذا مثال على الكيفية التي تساعد بها روسيا، من جهة، ولكن خلف الكواليس تضخم الأزمة… بطريقة تهدف بوضوح إلى تقويض العلاقات الأمريكية السعودية”، يأتي هذا أيضًا في تأكيدات أمريكية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيناقش مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كيفية “جعل روسيا تدفع الثمن” مقابل أعمالها في سوريا، حيث من المقرر عقد اجتماع بين “ترامب” و”بن سلمان” الثلاثاء.

وأكد عضو البرلمان الروسي، ألكسي بوشكوف، الثلاثاء، أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تدهورت بسبب سياسة واشنطن وليس بسبب تصرفات موسكو، وقال معلقا على الاتهامات الأمريكية: “تتهم الولايات المتحدة روسيا بتقويض العلاقات بينها وبين السعودية، ولكن العالم كله يعرف أن ذلك ليس بسبب روسيا، لكن بسبب سياسات الولايات المتحدة السيئة للغاية في الشرق الأوسط، نعم بسبب أعمالهم السيئة، فهم يرون شبح روسيا في كل مكان”.

صراحة “ترامب”!

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حسم الجدل مبكرًا، وكشف أوراق الطمع الأمريكي والصراع على كعكة السعودية مع روسيا، حيث قال علي مأدبة غداء، للأمير محمد بن سلمان والوفد المرافق له، خلال زيارته للبيت الأبيض الثلاثاء: “السعودية ثرية جدا وستعطينا جزءا من هذه الثروة كما نأمل، في شكل وظائف وشراء معدات عسكرية، لقد وعدتنا السعودية بـ400 مليار دولار لشراء معداتنا العسكرية وأشياء أخرى، ولا يوجد أي أحد في مكان بالعالم قريبًا حتى من قوة صواريخنا وطائراتنا، وكل معداتنا العسكرية من ناحية التكنولوجيا ونوعية المعدات، والسعودية تقدر ذلك”.

وكان “ترامب” أكثر صراحة في مقابلة مع “رويترز” بالبيت الأبيض، حيث اشتكى من أن السعودية لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة قائلا إن واشنطن تخسر “كما هائلا من المال” للدفاع عن المملكة، وأضاف: “بصراحة السعودية لم تعاملنا بعدالة لأننا نخسر كمًّا هائلا من المال للدفاع عن السعودية”، وهي التصريحات التي تذكر بأخرى أدلى بها خلال حملته الانتخابية في 2016 حين اتهم المملكة بأنها لا تتحمل نصيبا عادلا من تكلفة مظلة الحماية الأمنية الأمريكية، وقال “ترامب” في مؤتمر انتخابي في ويسكونسن قبل عام: ”لن يعبث أحد مع السعودية؛ لأننا نرعاها… إنها لا تدفع لنا ثمنا عادلا، نخسر الكثير من المال“.

إنها “البقرة الحلوب” التي تدرّ ذهبًا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، كما وصف “ترامب” السعودية، خلال حملته الانتخابية كذلك، حيث طالب وقتها النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروتها بدلاً عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً، واعتبر “ترامب” -الذي يعتبر حتى الآن أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية- أن آل سعود يشكلون “البقرة الحلوب” لبلاده، ومتى جفّ ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بـ«ذبحها»، أو نطلب من غيرنا ذبحها، أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها، وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعداؤها، وعلى رأسهم آل سعود.

صفقة “اس 400” !

ويرى مراقبون أن شراء السعودية منظومة “اس-400” الدفاعية من روسيا، في عام 2017، هي سبب الغضب الأمريكي الطامع في السيطرة على “البقرة الحلوب” بمفرده، واعتبر الخبير العسكري الروسي رسلان بوخوف، أن صفقة “اس-400” الروسية مع المملكة العربية السعودية لها أبعاد خطيرة، وأعرب الخبير “بوخوف” عن ذهوله بالصفقة الأخيرة، حيث لم تكن هناك نية للمملكة لشراء منظومة روسية؛ كون الأخيرة تعتمد على السلاح الأمريكي، هذا كله يثير الكثير من التساؤلات حول الهدف من الصفقة، وأضاف: “نعم لم يكن متوقعًا من المملكة شراء هذه المنظومة الدفاعية الحديثة، وهي حصلت بسرعة قياسية بالرغم من أن السعودية لا تعتمد على التسليح الروسي، بل على التسليح الأمريكي، هذا يضع شكوكًا وأسئلة كثيرة حول الصفقة، وشدد “بوخوف” أن الصفقة الأخيرة هي خطيرة، وتمنى أن يكون الجانب الروسي قد تنبه لهذه المخاطر التي قد تكون كارثية لروسيا، وذلك من خلال بيع الأسلحة للسعودية التي يمكن أن تكشف سر هذه المنظومة لدول أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

روسيا كانت واضحة بعد لقاء “ترامب – بن سلمان “، حيث شنت هجوما على سياسات أمريكا يعطي دلالة بعدم التراجع عن الكعكة السعودية، حيث قال الكرملين: “سددنا ونسدد دائما حساباتنا، ولن نسدد حسابات الآخرين”، وذلك تعليقا على خطط المناقشات الأمريكية السعودية حول سوريا واليمن، وأضاف عبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيكسوف، أن توجه محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة شأن يخص العلاقات الثنائية بين البلدين، وموسكو تحترمها، لكن أولوية موسكو هي تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل لها مع السعودية، مؤكدًا أن زيارة محمد بن سلمان لواشنطن علاقات ثنائية بين أمريكا والسعودية، وأن الأهم بالنسبة لموسكو هو تطوير العلاقات مع الرياض، و”لدى الرياض وموسكو إرادة سياسية ورغبة ببذل كل الجهود لتنفيذ الاتفاقيات”.ذ

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان أوضح من الكرملين في عام 2017، عندما حذر المملكة العربية السعودية من محاولة “فرض الديمقراطية الأمريكية” عليها، مؤكدا أنه لا يوجد أسباب جذرية للخلافات مع المملكة العربية السعودية، وذلك ردًّا على سؤال عما إذا كانت روسيا تخشى من أن تفضل السعودية العودة للتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة بدلا عنها، فيما أضاف: “ظهرت لدى روسيا إمكانيات للتعاون مع السعودية في المجال العسكري”، مشيرًا إلى التعاون بين موسكو والرياض في مجال استقرار أسعار النفط، فضلا عن أن هناك عقودًا متعددة المليارات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، معربًا عن أمله في زيادة حجم العقود مع روسيا.

بين “ترامب” و”بوتين”!

مجلة “تايم” الأمريكية، تشير إلى عدة أسباب لا تسمح بتحسين العلاقات الروسية – الأمريكية بسرعة، خاصة في ظل الصراع على كعكة السعودية، وفي مقدمتها الناتو، حيث يريد “ترامب” تعزيز الحلف، فيما تريد روسيا إضعافه، و”ترامب” يدعو بلدان الحلف لزيادة نفقاتها العسكرية بنسبة 2 % من الناتج المحلي الإجمالي، فإذا ازدادت مالية الحلف وعزز قوته، فإن روسيا لن ترحب بذلك، كما أن مساعدي “ترامب” المقربين في مجال الدفاع والأمن ليسوا من الموالين لموسكو، فوزير الدفاع جيمس ميتيس، يعتبر روسيا وبوتين “الخطر الجيوسياسي الرئيسي”، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو يستنكر “تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ومساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي السابق مايكل فلين كان صديقا لموسكو، ولكنهم أجبروه على الاستقالة، وحل محله الجنرال غربرت – ريموند ماكماستر، الذي سمى روسيا دولة “معادية وتحريفية”، أما فيونا هيل التي عينها “ترامب” مديرة البيت الأبيض لشؤون أوروبا وروسيا، فقد كتبت: “يجب على الغرب تعزيز دفاعاته وتقليص ضعفه الاقتصادي والسياسي، ووضع الخطط لمواجهة الأزمات، لكي يتمكن من مواجهة حرب “بوتين” في القرن الحادي والعشرين”.