العدسة – باسم الشجاعي

على الرغم من الحفاوة البالغة التي تصاحب بيانات التحالف العربي العسكري التي تقوده السعودية في اليمن من 2015 وحتى الآن يناير 2018، بسبب التقدم العسكري في صنعاء وإن كان بشكل “وهمي”، إلا أن مع طول أمد الحرب، بدأ صراع النفوذ بين الرياض وأبو ظبي يطل برأسه على المناطق المحررة، ما يؤكد أن تحالفهما سيتفكك وإن كان بشكل “غير معلن”.

وفي الآونة الأخيرة برزت الإمارات بحسب معطيات الميدان، كقوة ذات أطماع للسيطرة على المواقع الإستراتيجية في اليمن وخاصة فيما يتعلق بالموانئ، لتنكشف الأجندة الخفية لأبو ظبي، بعيدًا عن الهدف المعلن من دخولها التحالف العربي للحرب على اليمن.

“المهرة” حلقة جديدة في الصراع

التطورات المتلاحقة في الملف اليمني، أظهرت عن قيام السعودية بالدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة للسيطرة على محافظة “المهرة”، شرقي اليمن، والحدودية مع سلطنة عمان، في محاولة لفرض السيطرة والنفوذ، وسحب البساط من تحت أقدام “أبو ظبي”، وذلك وفق ما أشارت إليه مصادر صحفية عديدة.

وبحسب صحيفة “الشرق” القطرية، فإن 200 شاحنة نقل عسكرية عملاقة تحمل معدات عسكرية سعودية وصلت إلى مدينة “الغيظة”، عاصمة محافظة المهرة، وتوزعت في بعض سواحلها ومديرياتها، وتحمل على متنها عتادا عسكريا متنوعا.

وهذه هي المرة الثانية التي تدفع فيها السعودية بتعزيزات عسكرية إلى “المهرة”؛ حيث وصلت دفعة سابقة إلى المدينة في نوفمبر الماضي.

وفي المقابل، عززت الإمارات حضورها العسكري الكبير في المحافظة، وتسعى حاليا إلى تشكيل ما تسميها “قوات النخبة المهرية” الموالية لها.

وتعد محافظة “المهرة” ثاني أكبر المحافظات اليمنية من جهة المساحة، بإجمالي 82 ألفا و405 كيلومترات مربعة بعد محافظة حضرموت، والأقل لجهة الكثافة السكانية، إذ يبلغ عدد سكانها وفقا لآخر الإحصائيات 122 ألف نسمة.

قلق عماني

الصراع الإماراتي السعودي على بسط النفوذ في اليمن، وخاصة محافظة المهرة، ضاعف من قلق سلطنة عمان التي تعتبر المحافظة جزءًا من أمنها القومي.

الأمر الذي دفع عمان لتحديث تسليحها؛ حيث كشفت مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، عن أن وكالة التعاون الأمني الدفاعي، أبلغت الكونجرس الأميركي بإمكانية بيع مجموعة التحديثات لأسطول سلطنة عمان من طائرات “لوكهيد مارتن إف 16 فالكون” المقاتلة، في صفقة بلغت 63 مليون دولار، لتحديث الطائرات الـ23 التي تملكها السلطنة من هذا النوع.

ولمضاهاة التفوق العسكري للدول العربية المجاورو لعمان، توقعت المجلة أن تتلقى القوات العمانية حوالي 12 طائرة مقاتلة حديثة، من طراز “يوروفايتر تايفون”، و8 طائرات تدريب متقدمة من طراز BAE Hawk.

ومن بين المعدات المقترحة للبيع، حسب المجلة، 29 وحدة تشفير/توقيت من طراز KIV-78، وتسعة وعشرون جهاز تشفير لموجات الراديو من طراز KY-100M، وتسعة وعشرون وحدة نظام مشترك للإرسال والاستقبال من طراز AN/APX-126، وتحديثات سرية وغير سرية متعلقة بأرقام تعريف برامج حاسوبية، وتحديثات الملف التشغيلي للطلعات الجوية للمقاتلات الخاصة بنظم الطراز الخامس، من التعرف على الأصدقاء والأعداء، وتحديث تخطيط المهام المشتركة، وبرمجيات القنص المتقدمة.

لماذا جنوب اليمن؟!

المتابع للشأن اليمني يرى أن الإمارات تسعى للسيطرة على محافظات الجنوب، لعدة أسباب؛ أهما السيطرة على الموانئ في بحر العرب والبحر الأحمر، فضلا عن السيطرة على منابع النفط.

فوفقا لما أورد موقع “ميدل ايست مونيتور” البريطاني، فإن أبو ظبي تسعى جاهدة للسيطرة على النفط في محافظة حضرموت.

وفي إطار هذه الترتيبات منحت الإمارات حضرموت 100 مليون دولار لتعزيز الخدمات الأمنية والعسكرية في المحافظة ودعم البنية التحتية.

وبحسب تقارير حكومية فإن الإنتاج النفطي في محافظة حضرموت بمعدل من 40 إلى 45 ألف برميل يوميًّا، وذلك بعد استئناف إنتاج النفط وتصديره من حقول المسيلة في حضرموت في أغسطس 2016، بعد انقطاع دام نحو عامين.

كما يبدو أن الإمارات مصممة على المضي في إستراتيجيتها الواضحة للسيطرة على جنوب اليمن، باعتباره منصة القفز الرئيسة إلى النفوذ البحري في الشرق الأوسط.

فالإمارات تسعى لفرض سيطرتها على ميناء عدن الإستراتيجي، الذي يعد من أفضل الموانئ البحرية في المنطقة، وتعتبره أبو ظبي مهددًا لميناء دبي.

كما سيطرت على ميناء المخا غربي محافظة تعز، الذي يعد من أقدم وأهم الموانئ التاريخية العالمية، في حين لا تزال تسعى للسيطرة على ميناء الحديدة، والذي لا يزال تحت سيطرة الانقلابيين.

ووفقاً للمعطيات على الأرض، فإن الإمارات تركز على المناطق الساحلية؛ إذ تعتبر أن باب المندب هو امتداد طبيعي لأمنها القومي وموانئ دبي العالمية التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر وممرات أخرى في الإقليم.

وبحسب موقع “نيو نيوز” الألماني، فإن الإمارات تدير مجموعة كبيرة من الموانئ حول العالم من الصين في الشرق، مرورًا بموانئ في أوروبا وآسيا، وانتهاءً بموانئ في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية؛ بما يقارب 70 ميناء من أهم وأكبر وأفضل الموانئ في العالم، بما في ذلك أكبر ميناء في إفريقيا، وهو ميناء الجزائر.

فرص ضعيفة للتحالف

في ضوء تطورات الصراع بين “الرياض وأبو ظبي” على بسط النفوذ في الملف اليمني، فإن فرص بقاء التحالف العربي التي تقوده السعودية في صنعاء ضعيفة؛ حيث إن الإمارات ترى أن استمرار الحرب في صنعاء، وإن كان إلى ما لا نهاية، ضرورة لاستكمال مخطتها، وهو ما قد يدفعها لتهدئة الأوضاع من حين لآخر.

ويبدوا أن الفرق الواضح والمتنامي بين السعودية والإمارات في السياسات تجاه التعامل مع الأزمات الإقليمية (اليمن وقطر)، يشير إلى احتمال تصعيد مستقبلي في التوتر بين الرياض وأبو ظبي، وقد يكون أصعب في الحل من المواجهة مع الدوحة، وذلك وفق ما يرى الباحث في العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد “صموئيل راماني”.

كما أنه من المتوقع أن تدفع الأيام المقبلة، إلى فكرة تقسيم اليمن ويصبح لكل طرف منهما نفوذه، فعدن وجنوب اليمن قد يخضع للنفوذ الإمارتي بالكامل، لما تقوم به أبو ظبي في تلك المنطقة من شراء ولاءات للقبائل الكبيرة في تلك المنطقة، عدا الخدمات التي تقدمها الإمارات للأهالي، مستغلة حالة العداء التاريخي بين اليمن الجنوبي والمملكة العربية السعودية حينما كانت الرياض تدعم نظام الحكم في الشمال على نظيره الاشتراكي في الجنوب.

وعلى الطرف الآخر ستسعى السعودية للسيطرة على المناطق المحاذية لحدودها، للقضاء على أي نشاط حوثي في تلك المدن وستسعى لفرض الاستقرار في المحافظات الشمالية اليمنية، مثل الجوف وعسير والحديدة، لضمان سلامة أراضيها، وعدم تمدد للحوثيين فيها، وهنا يحقق الطرفان السعودي والإماراتي أهدافهما في اليمن دون أن يخسر أحدهما.