العدسة – معتز أشرف

لغة الشجب وذرف الدموع الدبلوماسية مستمران من منابر الأمم المتحدة، بينما صرخات الشعب السوري تتوالى، لتسجل لحظات من أصعب اللحظات الإنسانية في تاريخ البشرية، حيث يواصل الديكتاتور السوري بشار الأسد وحلفاؤه هوايتهم في الدمار وإهدار كافة حقوق الإنسان، وحتى الدعوة الأممية اليتيمة بشأن وقف الأعمال العدائية لمدة شهر، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، لم تتلقَّ الهيئة الدولية عنها أي ردٍّ بعد، بينما ينتظر الملايين المعونات أو الموت في أي وقت، وللموت في سوريا ألف طريقة وطريقة!.

وضع مأساوي!

علي الزعتري، الممثل المقيم لأنشطة الأمم المتحدة في سوريا، ومنسق الشؤون الإنسانية، قال في بيان: “لابد من إنهاء المعاناة القاسية التي يعيشها الشعب السوري، الذي صبر طويلاً على تبعات هذا النزاع، ولكن للأسف، فإن دعوتنا إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية؛ لنتمكن من إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، بما في ذلك إجلاء الجرحى والمرضى ذوي الحالات الحرجة، تبقى بلا مجيب، ونقل عنه ستيفان دو جاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة في مؤتمر صحفي: إن سوريا تشهد واحدة من أسوأ الفترات منذ بدء الصراع قبل نحو سبع سنوات .
بانوس مومسيس، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية، المعني بالأزمة السورية، كشف عن سقوط الدبلوماسية الإنسانية في سوريا، قائلا في تصريحات صحفية: “للأسف الشديد! الآن، من الواضح أن الدبلوماسية الإنسانية في مجال العمل الإنساني فاشلة؛ لأننا حتى الآن لم نستطع التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وشدد على ضرورة أن يحظى العمل الإنساني بالاحترام من جميع الأطراف”.

ميدانيا، أطلق نشطاء سوريون حملة “أنقذوا الغوطة”؛ لتسليط الضوء على معاناة المدنيين في الغوطة الشرقية، جراء الحصار الشديد والقصف من قبل النظام السوري، قائلين في بيان التدشين: “خمس سنوات من الحصار، ومازال نحو 400 ألف مدني يعانون من آثاره، أمام مرأى ومسمع العالم كله، ويفتقدون لأبسط حقوق الإنسان، بالحصول على حقه في الحياة، وحقه في حصوله على الغذاء والدواء والتعليم، خمس سنوات كاملة ولم تحرك ضمير الإنسانية كل المناشدات التي تصدر من الغوطة الشرقية بريف دمشق، مع صورٍ توثِّق الدماء والدمار والدموع وآلام الأطفال والنساء”.

مواقع الموت

“عفرين والرقة وإدلب والغوطة الشرقية، والأجزاء الجنوبية من البلاد”، هم أكثر 5 مواقع في سوريا حاليا تتعرض لوضع إنساني مأساوي، وفقا لمنسق الأمم المتحدة المقيم في سوريا ووكالات الأمم المتحدة العاملة هناك، التي دعت إلى وقف فوري للأعمال العدائية، لمدة شهر كامل على الأقل في جميع أنحاء البلاد، للسماح بإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية، وإجلاء الحالات الحرجة من المرضى والجرحى، والتخفيف من معاناة المدنيين.

وأفادت تقارير عدة بتعدد أشكال الموت الذي يحاصر السوريين من كل جانب، فبجانب القصف الدامي والدمار، فقد ارتقت عائلات سورية تحت وطأة الجوع واشتداد العاصفة الثلجية التي تضرب المنطقة، ومنهم عائلتا حسن عيد ومشعان العلالي، اللتين سقطتا مؤخرا، وأثارتا تعاطفًا إعلاميًّا، ضمن عشرات العائلات التي وقعت ضحية عصابات التهريب الساعية للكسب السريع للمال في مقابر الثلوج المفتوحة على الحدود اللبنانية.

ويمثل النزوح الداخلي أحد أبرز التحديات المتعلقة بكارثة حقوق الإنسان المغيبة في سوريا منذ بداية الأزمة، حيث ارتفع عدد النازحين في الداخل بشكل ملحوظ، وتعدى حدود الاستجابة والدعم والمواكبة من قبل المنظمات واللجان المحلية السورية، فقد بلغ عدد النازحين 13 مليون شخص، وأطلقت الأمم المتحدة مع بداية العام الحالي خطة للاستجابة الإنسانية لعام 2018، التي ستحتاج إلى 3.5 مليارات دولار من المانحين لتلبية احتياجات النازحين داخليًّا، ووثقت الأمم المتحدة في نهاية نوفمبر 2017، وجود 997.905 لاجئين سوريين مسجلين في لبنان، غالبيتهم من النساء والأطفال، مقارنة مع مليون و11366 لاجئا في ديسمبر 2016.

القصف الجوي كان سببا للمعاناة كذلك، وتلقى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عددًا من التقارير التي تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 277 مدنيًّا بين الرابع والتاسع من فبراير، من بينهم 230 شخصًا بفعل القصف الجوي الذي نفذته الحكومة السورية وحلفاؤها، بالإضافة إلى جرح 812 مدنيًّا، ما يرفع العدد الإجمالي لإصابات المدنيين خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر إلى 1074 شخصًا تقريبًا، كما تراوحت الحوادث ما بين سلسلة متوالية من الضربات الجوية على الأحياء السكنية في دوما في السادس من فبراير، والتي قتلت -وفق التقارير- ما لا يقل عن 31 مدنيًّا، بما في ذلك 12 امرأة وأربعة أطفال وجرحت أكثر من مائة شخص آخرين، من بينهم 37 طفلاً، إلى هجوم في اليوم الذي سبقه على بنك للدم في مدينة سراقب في إدلب، علمًا أن ضربة جوية كانت قد تسبَّبت بوضعه خارج الخدمة في يناير، كما تحدثت تقارير عن شنِّ غارات جوية ألحقت أضرارًا بما لا يقل عن تسعة منشآت طبية منفصلة، كما أفادت التقارير أن الهجوم الجوي والبري الذي نفذته الحكومة السورية وحلفاؤها، والذي أسفر أيضًا عن وقوع إصابات بين المدنيين، وعن دمار واسع النطاق، قد أدَّى كذلك إلى تشريد آلاف المدنيين، العديد منهم ممن تعرض للتشريد سابقًا.

استخدام المواد الكيمائية السامة في قتل السوريين، وثقه مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان كذلك، حيث أكد تلقيه عددًا من التقارير، بما في ذلك شريط فيديو مصور، يشير إلى أنه في إحدى الهجمات التي وقعت بتاريخ الرابع من فبراير، من المرجح أن يكون قد تمَّ إطلاق مواد سامة عقب ضربات جوية استهدفت حيًّا سكنيًّا شرق مدينة سراقب.

ووفقا لمنظمةهيومن رايتس ووتشفي تقريرها السنوي مطلع هذا العام، فإن عدد القتلى جراء الصراع بلغ أكثر من 400 ألف شخص، منذ عام 2011، وفقا لـ”البنك الدولي”، إضافة إلى 5 ملايين طالب لجوء، وأكثر من 6 ملايين نازح، وفقا لوكالات أُممية، بحلول يونيو/حزيران 2017، أشارت تقديرات “الأمم المتحدة” إلى وجود 540 ألف شخص ما زالوا يعيشون في المناطق المحاصرة، كما شنت الحكومة السورية هجمات متعددة بالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، كما شنت، بدعم من روسيا وإيران، هجمات متعمدة وعشوائية ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، منعت المساعدات الإنسانية، استخدمت التجويع كتكتيك حرب، وأجبرت السوريين على النزوح القسري في مخالفة للقانون الدولي، كما تستمر ممارسات الحكومة السورية في التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاعتقال والإخفاء القسري.

كما سجلت “هيومن رايتس ووتش” ما يقرب من 22 غارة جوية بأسلحة حارقة في 2017، في أبريل/نيسان 2017، وثقت “هيومن رايتس ووتش” استخدام ذخائر صغيرة حارقة تحوي ثيرميت، ملقاة من قنابل من طراز RBK-500، خلال هجوم على مدينة سراقب شمال غرب البلاد، كما واصلت قوات الحكومة السورية استخدام الأسلحة الكيمائية بشكل متكرر، استخدم غاز أعصاب في 4 حالات على الأقل منذ أواخر عام 2016، في شرق حماة في 11 و12 ديسمبر 2016، وشمال حماة في 30 مارس وخان شيخون في 4 أبريل، وأشارت الأعراض السريرية التي عانى منها ضحايا الهجوم الكيميائي في خان شيخون إلى استخدام مركب الفسفور العضوي الذي يستهدف الجهاز العصبي، أسفر الهجوم عن مقتل ما يقرب من 92 شخصًا، منهم 30 طفلا، وإصابة مئات آخرين.

وفي سبتمبر، خلص تقرير لجنة التحقيق الخاصة بالأمم المتحدة إلى “استخدام القوات الجوية السورية السارين في خان شيخون في إدلب، ما تسبب في مقتل العشرات، أغلبهم نساء وأطفال”، كما وثقت “هيومن رايتس ووتش” أيضًا إلقاء طائرات عامودية حكومية الكلور 8 مرات على الأقل خلال محاولتها استعادة حلب، مما يشير إلى استخدام منهجي وواسع النطاق للأسلحة الكيميائية.

جرائم حرب

إنها جرائم حرب إذن بحسب الأمم المتحدة التي قالت: “إن حالات القتل والمعاملة اللاإنسانية الناجمة عن عدم السماح بتقديم الرعاية إلى المرضى والجرحى وإجلائهم في الغوطة الشرقية؛ وتدمير المنشآت المحمية وغيرها من الممتلكات الأساسية لبقاء السكان المدنيين في إدلب والغوطة الشرقية؛ وقصف المناطق المدنية في إدلب والغوطة الشرقية ومدينة دمشق، قد يشكل ككل، وحسب الظروف القائمة، جرائم حرب”.

وقال المفوض السامي الأممي لسوريا، زيد رعد الحسين: “أصبح مصطلح “منطقة تخفيف التوتر” يذكرنا بما يعرف “بالمناطق الآمنة” في البوسنة، والتي ثبتت أنها لم تكن آمنة، تمامًا كما جرى تذكيرنا بذلك خلال المحاكمتين الأخيرتين لراتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش، ولكن النزاع في البوسنة أوقف من قبل المجتمع الدولي بعد أربع سنوات، أما النزاع في سوريا، فيستمر بمشاركة دول أخرى، في عامه السابع من إراقة الدماء، مع “لا نهاية” تلوح في الأفق”.